الدورة العادية الأولى بين الانعقاد والإرجاء
من المتوقع أن تصدر اليوم إرادة ملكية سامية تحدد مصير الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة، حيث يملك جلالة الملك الحق الدستوري بدعوة المجلس إلى الاجتماع في موعده الثابت بداية الشهر القادم، أو أن يصدر أمرا ملكيا بإرجاء الدورة العادية القادمة مدة لا تتجاوز شهرين. فالموعد الدستوري المقرر لبدء الدورة العادية لمجلس الأمة هو الأول من شهر تشرين الأول من كل عام، ما لم يقرر جلالة الملك إرجاء اجتماع المجلس مدة زمنية أقصاها الأول من شهر كانون الأول من العام الحالي، وذلك عملا بأحكام المادة (78/1) من الدستور.
وبين الانعقاد والإرجاء، تزداد فرص أن يقرر جلالة الملك تأخير اجتماع مجلس النواب العشرين للفترة الزمنية التي يراها مناسبة، حيث تتمثل المبررات الدستورية لإرجاء الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة في قصر الفترة الزمنية بين تشكيل مجلس النواب الجديد والموعد الدستوري لبدء الدورة البرلمانية، حيث لم يعط للنواب الجدد الوقت الكافي للتعرف على بعضهم البعض، والاتفاق على آليات عمل مشتركة من خلال الكتل والائتلافات النيابية.
كما أن إرجاء موعد انعقاد الدورة العادية لمجلس الأمة سيعطي النواب فرصة إضافية للتشاور حول انتخابات رئاسة المجلس ومكتبه الدائم، خاصة في ظل التعديلات الأخيرة على تشكيلة الأعضاء فيه. فبموجب المادة (7) من النظام الداخلي لمجلس النواب لعام 2013 وتعديلاته، يتألف المكتب الدائم للمجلس من الرئيس ونائبيه ومساعدين اثنين، وفي حال عدم فوز إمرأة بموقع الرئيس أو أحد موقعي النائب الأول والثاني، فإنه يقتصر حق الترشح لموقع أحد مساعدي الرئيس على المرأة وحدها.
وما يعزز من احتمالية إرجاء الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة، أن مجلس الأعيان الحالي لم يتم إعادة تشكيله بعد، حيث ينقصه عدد من الأعضاء الذين صدرت الإرادة الملكية السامية بقبول استقالاتهم في ضوء تعيينهم وزراء في الحكومة الحالية. فعلى الرغم من عدم وجود إلزام دستوري بضرورة إعادة تشكيل مجلس الأعيان بعد انتخاب مجلس النواب العشرين وأن عدد أعضاء مجلس الأعيان الحالي يتوافق مع أحكام الدستور، إلا أنه من المتوقع كاستحقاق سياسي أن تصدر إرادة ملكية سامية بحل مجلس الأعيان الحالي وإعادة اختيار أعضاء جدد في المجلس الثاني في السلطة التشريعية، وذلك من أجل توحيد المدد الدستورية لكلا المجلسين.
إن الزيادة التي طرأت على عدد أعضاء مجلس النواب بموجب قانون الانتخاب النافذ يمكن أن يتم عكسها على تركيبة مجلس الأعيان المعين. فالمادة (63) من الدستور تنص صراحة على أن يتألف مجلس الأعيان بما فيه الرئيس من عدد لا يتجاوز نصف عدد مجلس النواب. بالتالي، يفترض أن يكون عدد أعضاء مجلس الأعيان الجديد ما مجموعه (69) عضوا.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الخيارات الدستورية المتاحة لجلالة الملك فيما يتعلق بالدورة العادية القادمة لمجلس الأمة تتمثل إما بدعوة المجلس إلى الاجتماع في الموعد الزمني المحدد أو إرجاء اجتماعه وفق أحكام الدستور. أما إذا اختار الملك السكوت وعدم دعوة مجلس الأمة إلى الاجتماع أو إرجاء الدورة، فإن المجلس سيجتمع من تلقاء نفسه كما لو كان قد صدرت الإرادة الملكية السامية بدعوته، وذلك عملا بأحكام المادة (78/2) من الدستور.
إن الحكم الدستوري المتمثل بإعطاء الحق لمجلس الأمة–بشقيه الأعيان والنواب–أن يجتمع تلقائيا وبموجب الدستور في حال عدم صدور الأمر الملكي بدعوته إلى الاجتماع أو إرجاء انعقاده في دورة برلمانية، يتوافق مع طبيعة نظام الحكم الذي كرسته المادة الأولى من الدستور بأنه نيابي ملكي وراثي.
فالمشرع الدستوري قد عمِد إلى تقديم النظام النيابي واعتباره الركن الأول من أركان نظام الحكم في الأردن؛ بالتالي وفي حال سكوت السلطة التنفيذية - ممثلة بشخص رئيسها جلالة الملك–عن دعوة مجلس الأمة إلى الاجتماع أو إرجاء اجتماعه، فإنه يجتمع بحكم الدستور. فهذا الحكم من شأنه أن يحافظ على التوازن في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ويحول دون هيمنة إحدى السلطتين على الأخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن الإرادة الملكية السامية ستصدر بإرجاء الدورة العادية وليس تأجيلها. فعلى الرغم من أن كلا المصطلحين يفيدان تأخير بدء الاجتماع، إلا أن المشرع الدستوري قد ميّز بين الحق في الإرجاء المنصوص عليه في المادة (78) من الدستور الذي ينصب على تأخير موعد بدء الدورة العادية لمجلس الأمة لمدة لا تتجاوز شهرين، والحق في التأجيل المقرر للملك على جلسات مجلس الأمة، حيث تنص المادة (81) من الدستور على أن «للملك أن يؤجل بارادة ملكية جلسات مجلس الأمة ثلاث مرات فقط».