أثر توسع مجموعة بريكس في الشرق الأوسط



تعدّ مجموعة «بريكس» (BRICS) من أبرز التكتلات الاقتصادية والسياسية الناشئة على الساحة العالمية، خصوصًا بعد الإعلان عن توسيع عضويتها لتشمل دولًا من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مثل مصر، الإمارات العربية المتحدة، إثيوبيا، وإيران، مع العلم أن المملكة العربية السعودية لم تنضم رسميًا بعد. يثير هذا التوسع تساؤلات مهمة حول تأثيره على المنطقة، والدوافع الكامنة وراءه، بالإضافة إلى التبعات الاقتصادية والجيوسياسية المتوقعة.
تأسست مجموعة بريكس في عام 2006 كتحالف اقتصادي عالمي ضم في البداية كلًا من البرازيل، روسيا، الهند، والصين تحت اسم BRIC.
وفي عام 2010، انضمت جنوب أفريقيا ليصبح الاسم الحالي بريكس BRICS . ركزت هذه المجموعة على تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول الناشئة، وسعت إلى تقديم بديل للنظام المالي العالمي الذي تسيطر عليه الدول الغربية والمؤسسات المالية التقليدية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
من أبرز الأهداف المعلنة لمجموعة بريكس تحقيق النمو الاقتصادي المستدام عبر التعاون البيني في مجالات التجارة والاستثمار. كما تسعى إلى إصلاح النظام المالي العالمي ليعكس مصالح الدول النامية بشكل أكبر. إلى جانب ذلك، تعمل المجموعة على تعزيز التنمية المستدامة من خلال إنشاء مؤسسات مالية مثل «البنك الجديد للتنمية» وصندوق الاحتياطي الطارئ لدعم اقتصادات الأعضاء في أوقات الأزمات.
تشهد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تغيرات كبيرة في خريطة علاقاتها الاقتصادية والسياسية، وتسعى للانضمام إلى بريكس لعدة أسباب استراتيجية واقتصادية: أولا، البحث عن توازن جيوسياسي جديد: على مدار سنوات، اعتمدت دول المنطقة بشكل كبير على العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الغرب، وخاصة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ولكن، مع التغيرات العالمية، تسعى هذه الدول إلى بناء تحالفات جديدة تعزز استقلالها وتقلل اعتمادها على الغرب، مما يجعل الانضمام إلى بريكس خطوة استراتيجية لتحقيق توازن أكبر في العلاقات الدولية. ثانياً، تنويع الشراكات الاقتصادية: تعد الصين وروسيا من أهم الفاعلين في مجموعة بريكس، وتربطهما مصالح اقتصادية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما في مجالات الطاقة والبنية التحتية. من خلال الانضمام إلى بريكس، تأمل دول المنطقة في جذب استثمارات كبيرة في مشاريع البنية التحتية والتكنولوجيا والطاقة المتجددة، مما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة. ثالثاً، تعزيز التعاون بين الدول النامية: تمثل بريكس منصة مثالية لتعزيز التعاون بين الدول النامية. انضمام دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى هذا التكتل يمنحها فرصة لبناء شراكات اقتصادية مع اقتصادات ناشئة أخرى، مما يسهم في تحقيق نمو اقتصادي أكثر استقلالًا وتوازنًا. رابعاً، الاستفادة من أدوات بريكس المالية: أنشأت بريكس مؤسسات مالية قوية مثل «البنك الجديد للتنمية» وصندوق الاحتياطي الطارئ، اللذين يوفران مصادر تمويل بديلة للمؤسسات المالية التقليدية. يمكن لهذه الأدوات المالية أن تكون ذات أهمية كبيرة لدول المنطقة في تعزيز استقرارها الاقتصادي وتجنب الضغوط المالية الخارجية.
على الرغم من المزايا المتوقعة، فإن انضمام دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى بريكس قد يواجه عدة تحديات: أولاً، التباين الاقتصادي والسياسي بين أعضاء بريكس: تتباين الأنظمة الاقتصادية والسياسية داخل مجموعة بريكس بشكل كبير. فبينما تميل الصين وروسيا إلى المركزية في صنع القرار، تعتمد دول أخرى مثل الهند والبرازيل على الديمقراطية. هذا التباين قد يؤدي إلى صعوبة في التوصل إلى توافق بشأن بعض القضايا الحيوية، خاصة في مجالات التجارة الخارجية والحوكمة المالية. ثانياَ، التوترات الجيوسياسية: تُعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واحدة من أكثر المناطق توترًا جيوسياسيًا، حيث يتنافس العديد من القوى على النفوذ الإقليمي وتستمر النزاعات المسلحة. انضمام دول من المنطقة إلى بريكس قد يزيد من هذه التوترات، خاصة إذا تداخلت المصالح الجيوسياسية لدول بريكس مثل الصين وروسيا مع مصالح القوى الإقليمية الأخرى. ثالثاً، الضغوط الغربية: قد يؤدي انضمام دول المنطقة إلى بريكس إلى ردود فعل غربية قوية، خاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذين قد ينظران إلى هذا التحالف كتهديد لنفوذهما. من الممكن أن تتعرض هذه الدول لضغوط اقتصادية أو سياسية، بما في ذلك تقليص المساعدات أو فرض عقوبات اقتصادية.
قد يترتب على انضمام دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى بريكس آثار بعيدة المدى على المستوى الإقليمي والدولي: أولاً، تنويع العلاقات الاقتصادية: يتيح الانضمام إلى بريكس لهذه الدول الاستفادة من تدفقات الاستثمارات الآتية من أعضاء المجموعة، خاصة في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة، مما يساهم في تقليل الاعتماد على الاقتصادات الغربية. ثانياً، تحولات في النظام المالي العالمي: تعمل بريكس بجد على تطوير نظام مالي جديد يقلل الاعتماد على الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية. إذا نجحت هذه الجهود، فقد يشهد العالم تحولًا كبيرًا في توازن القوى الاقتصادية، ما سيؤثر بشكل مباشر على دول المنطقة التي تعتمد على الدولار في تجارتها الخارجية. ثالثا، تعزيز النفوذ السياسي الدولي: قد يساعد انضمام دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى بريكس في تعزيز مكانتها على الساحة الدولية، ويمنحها دورًا أكبر في صياغة السياسات العالمية، خاصة فيما يتعلق بالتنمية المستدامة والتغير المناخي.
يُعدّ انضمام دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى مجموعة بريكس خطوة مهمة تفتح أمامها العديد من الفرص الاقتصادية والسياسية. ومع ذلك، فإن هذه الفرص تأتي مع تحديات تتطلب توازنًا دقيقًا بين المصالح الاقتصادية والجيوسياسية لهذه الدول.