الدخول في سبات الدب
ذات جنون تمنّى صديق لنا أن يكون بثلاثة قلوب وافية الحجرات كالأخطبوط؛ علّه يغدو قادرا على هضم عالمنا البليد عسير الاستيعاب والفهم والصامت على كل ما يحدث من مجازر وويلات في غزة ولبنان. ساعتها ضحكنا بقلوب رقصة ونحن نشرح له أن دمه حين يغدو بثلاثة قلوب سيكون أزرق اللون كدماء إقطاعيي العصور الوسطى كما تدعي الأسطورة الأوروبية.
عندها صرخ شاتما مزمجرا إننا نحاصره ونضيّق عليه حتى في أمنياته السخيفة، ثم لكم الحائط بقبضته قائلا إنه يتمنى أن يصبح دباً أسود مجنونا؛ ليكيل لنا بكفه اليسرى ما يشفي غليله من اللكمات الوافيات، وأن يدخل بعدها في نوبة سبات عارمة لا يسمع فيها إلا هسيس أنفاسه الصغيرات. عندها غادرنا وتركناه يهدأ.
في المساء بعثت إليه رابط خبر علمي يقول إن في دماء الدببة شيئا يسمح لها بالسبات لمدة سبعة أشهر في السنة، مع حفاظها على لياقتها وصحتها وقدرتها على العودة إلى لحياة الطبيعية بكامل كتلتها العضلية وقواها الكبيرة.
وفي الخبر أن الدراسة التي نشرها موقع «PLOS One» تشير إلى أن عالم الفسيولوجيا «ميتسونوري ميازاكي» من جامعة هيروشيما يرى أن بعض العوامل الموجودة في مصل الدب أثناء السبات تفيد في تنظم عملية التمثيل الغذائي للبروتين في خلايا العضلات الهيكلية البشرية، وتساهم في الحفاظ على كتلة العضلات والقدرة على العودة للحياة الطبيعية.
لم أنتظر إلا بضعة دقائق حتى جاء رده مع وجوه صغيرة ضاحكة « كنتم تعيبون علي حلمي الدبدوبي، عدا عن محاصرتكم لي في أحلامي وأفكاري المجنونة. أنا الآن يا صديقي أريد أن أزرع مصل هذه الدببة كلها كلها في حجرات دمي وجسدي وأفكاري. أريد دماءها لتجري في نهر عروقي وتصبغ ماءها بأي لون كان، حتى بالأزرق الغريب. أريد أن أدخل سبات طوييييييييل صرت أشتهيه في عالم لم يزدد إلا غربة وتغريبا وعسر هضم وسوء حياة وصمتا على ما يجري. أريد أن أفيق من سباتي وأرى الحرب الشمطاء تجر أذيال خيبتها في رمادها البارد البغيض.
كتبت له مع قلوب حمراء كثيرة: يا رجل. ما زلت كما كنت نقيا طيبا وحالما مجنونا. هذا العالم يا صاحبي لا يحتاج إلى سبات فوق سباته المقيت. بل يحتاج إلى لكمة كتلك التي لكمت بها الحائط ذات قهر. يحتاج إلى مزيد منها تتنزل على رؤوس أصحاب الدماء الزرقاء اللئيمة؛ علهم يفيقون، أو يفيق العالم على صراخهم الأليم.