اخبار البلد_ قبل اسابيع زار كوفي عنان ، الأمين العام السابق للأمم المتحدة ، الرئيس
السوري بشار الأسد ، ومما نقل عنه انه قال له : ان اتجاه الرياح في المنطقة
قد تغير وان عليه ، اي الأسد ، ان يضبط اشرعته لتتناغم مع هذا الأتجاه
الجديد ، وهذه دعوة من عنان للأسد لأخذ المبادرة واحداث الأصلاحات التي
يتطلع اليها الشعب السوري الذي اثبت رغبته في نيل حريته بدمائه الطاهرة ،
ونحن بدورنا نغتنم هذه اللحظة التاريخية والحرجة التي تمر بها منطقتنا
العربية لنوجه نداء الى حكام الأمارات وشعب الأمارات ليضبطوا اشرعة سفينة
الأتحاد باتجاه رياح الربيع العربي قبل فوات الأوان حتى تتحقق الوحدة
الداخلية على اسس سليمة ومتينة وتكون ثمرتها مزيد من الأزدهار والأستقرار .
وقد راينا ان نخصص حديث هذا الشهرلتفتيح بعض الافاق حول أهم التحديات التي
تواجهها دولة الأمارات و تقديم بعض المقترحات للتعامل معها قبل ان تتفاقم
ويصعب علاجها ، علما ان كثير من هذه التحديات تواجهها بقية دول المجلس كذلك
، واملنا ان يتم تداول هذه الأفكار والأضافة عليها والخروج منها برؤية
اصلاحية تحفظ هذا الكيان وتجعل منه نموذجا يحتذى به في المنطقة بدل ان
ينحدر الى مزيد من الركود وعدم ألأستقرار .
الولاد المتعسرة
عندما قررت بريطانيا الخروج من المنطقة مع بداية عام 1971 كان كثير من
المراقبين العالميين والأقليميين متشككين في امكانية قيام اي كيان موحد بين
الأمارات وحتى في حالة قيامه لم يكن من المتوقع استمراره بسبب الأخطار
الأقليمية المتعددة ، فايران كانت تدعي ملكية الجزر ، والسعودية كانت في
نزاع مع أبوظبي على منطقة البريمي واجزاء من منطقة العديد ، ولكن الجيل
المؤسس لهذه الدولة بقيادة الشيخ زايد آل نهيان والشيخ راشد المكتوم رحمهما
الله رحمة واسعة ، استطاعا بتعاونهما معا وتواصلهما مع بقية حكام الأمارات
ان يجعلا من الحلم حقيقية ، فقامت دولة الأمارات ولم تكن ولادتها سهلة ،
كما وان هذه الدولة تعرضت لكثير من الهزات خلال فترة قيادة الجيل المؤسس ،
فقد تفاوتت الأجتهادات في بعض القضايا حتى بين الشيخ زايد والشيخ راشد وهذا
أمر طبيعي ، ولكن هذه الخلافات كانت دائما تحسم بعد الأخذ والرد لصالح
الدولة او الكيان الجديد ولمستقبل الأجيال ، وهذا ما حصل في عملية توحيد
الجيش التي لم تتم الا في عام 1996 ، كما وان العلاقة بين هذه القيادات
وابناء المجتمع كان فيها كثير من التواصل والأخذ والعطاء والتشاورالذي كان
نابعا من قناعات تلك القيادات بانها جزء من النسيج الأجتماعي والقبلي ،
وبالتالي فقد ظلت علاقتها بكافة شرائح المجتمع طبيعية وسهلة ويغمرها
التراحم والود . غير انه ما ان اختفى الجيل المؤسس عن المشهد السياسي حتى
بدا هذا المشهد في التغير التدريجي ، ولسنا هنا في معرض تحليل اسباب هذه
التحولات وهي كثيرة ، ولكن ما يهمنا هنا هو ان نؤكد على ان تجربة الدولة
كانت لها كثير من الأيجابيات وهذا متوقع ، ولكن التجربة كانت لها كذلك بعض
السلبيات التي كان من المفترض ان تعالج من قبل الجيل الثاني من القيادات
لتعميق مسيرة التجربة الأتحادية وجعلها نموذجا يقتدى به في المنطقة العربية
، ولكن الحقيقية المرة هي ان هذه السلبيات لم تأحذ نصيبها من الأهتمام
فاذا بها تتحول مع مرور الوقت الى عوامل اضعاف للمسيرة الأتحادية ، وقد
بدات هذه السلبيات تكبر وينتج عنها مزيد من السلبيات ، وهذا هو ما دفعنا
لتخصيص حديث هذا الشهر للتنبيه على الكيفية التي تراكمت بها هذه السلبيات
عبر السنوات ، الأمر الذي وضع هذه الدولة اليوم امام منعطفا للطرق ، اي اما
ان تتم معالجة هذه السلبيات او التحديات بعقلانية وحكمة وشجاعة وبصورة
جماعية وبسرعة ، او ان تستمرهذه التحديات في اضعاف هذه الدولة وتعطيل
تنميتها وادخالها في مرحلة من عدم الأستقرار. وعلى الرغم من ان هناك كثير
من الأخفاقات على الصعيد الخارجي الا اننا لن نتطرق لها في هذا الحديث الذي
نخصصه للتحديات الداخلية لأن علاج التحديات الداخلية هو المدخل الطبيعي
الوحيد لعلاج التحديات الخارجية بانواعها ، فكلما كانت السياسات الداخلية
للدولة سليمة ، كلما كانت الجبهة الداخلية قوية ومتراصة ، وكلما انعكست هذه
القوة الداخلية بصورة ايجابية على علاقاتنا بالعالم الخارجي والعكس صحيح .
فما هي التحديات الداخلية التي نعتقد انها جديرة باهتمام أبناء الأمارات
حكاما ومحكومين خلال السنوات القادمة ؟ وكيف تفاقمت هذه التحديات خاصة بعد
غياب الجيل المؤسس للدولة ؟ وما طبيعة العلاقة بين هذه التحديات ؟ وكيف
يمكن تذليلها في السنوات القادمة حتى تنطلق هذه التجربة الأتحادية الى مزيد
من الأزدهار والأستقرار ؟
التركيبة السكانية
ان اول التحديات التي واجهتها هذه الدولة منذ تأسيسها هي مشكلة الندرة
السكانية في ظل وجود فوائض نفطية باهضة خاصة منذ منتصف السبعينات ، وهي
مشكلة كانت موجودة في بقية دول المنطقة وان كانت اقل حدة منها في هذه
الدولة ، وقد كان مقبولا في بداية مسيرة التنمية ان يتم استيراد المهارات
بانواعها من بقية الدول العربية وبعض الدول الآسيوية على ان يتم العمل في
نفس الوقت على ايجاد حلول جذرية على المديين المتوسط والبعيد منها التجنيس
الأنتقائي ، ومنها تعليم وتدريب المواطنين ، ومنها التوطين التدريجي
للوظائف ، ومنها كذلك السعي لتحقيق التكامل الخليجي لتجنب ازدواجية
المشروعات وهدر الطاقات البشرية ، ومنها استخدام الطاقات العربية المؤهلة
بصورة منظمة . غير أن الأنتقال من الحلول الوقتية الى الحلول الجذرية لم
يحصل لأن استيراد العمالة لم ينضبط بالحاجة وتحولت تأشيرات العمالة الوافدة
الى مصدر من مصادر الدخل خاصة لأصحاب النفوذ واغرقت الدولة بمجاميع من
العمالة ذات المهارات المنخفضة ، وواكبتها هجرات غير شرعية نتجت عنها ظاهرة
"البدون" التي اصبحت وجه آخرمن وجوه ازمة الأختلال السكاني ، ولم تكن
عملية التجنيس قائمة على معايير واضحة حتى ترفد حاجة الدولة من المهارات
المطلوبة كما يحصل في الدول الغربية ، وعلى الرغم من ان النظام التعليمي
زادت مخرجاته الكمية الا ان نوعية هذه المخرجات لم تواكب حاجات السوق خاصة
في القطاع الخاص ، فاصبح المواطنون متركزون في القطاع الحكومي الذي بدا
يعاني من بطالة مقنعة وبعد ان عجز هذا القطاع عن استيعاب الخريجين بدأت
لدينا البطالة الظاهرة ، في الوقت الذي تزايد فيه اعتماد القطاع الخاص على
العمالة الأجنبية ولم تتعدى مشاركة المواطنين في هذا القطاع 1% بحسب
تقديرات عام 2008 ، اما نصيب المواطنين من اجمالي القوى العاملة فلم يتعدى
15 % على احسن تقدير ، ولاشك ان هذا الواقع له انعكاسات اقتصاية وامنية
وثقافية وضحناها في مصدرآخر[1]. وتشير دراسات البنك الدولي الى ان اقتصاد
المعرفة في الأمارات قد انكمش منذ عام 2005 نتيجة لتراجع جودة التعليم في
الدولة [2]. وفي مؤشر تطور نوعية التعليم الذي اجريت مسوحاته على 125 دولة ،
جاءت الأمارات في المرتبة 90 [3].
الأقتراح الأول : هذا باختصار يعني اننا في حاجة الى اعادة التأكيد على
الحلول الجذرية التي سبق ذكرها وعلى راسها اعادة النظر في نظامنا التعليمي
ولكن في ظل دولة اتحادية توفر بيئة الحرية والمساءلة التي ينتج عنها توجيه
الموارد البشرية لخدمة المجتمع باكمله في ظل معايير الأمانة والكفاءة ، وفي
اعتقادنا انه ليست هناك وظيفة من الوظائف التي يحتلها الأجانب في هذه
الدولة اليوم ، خاصة في أبوظبي ودبي ، الا وهناك مواطن اماراتي او خليجي أو
عربي قادر على القيام بها مع بعض الأعداد وبتكاليف أقل اذا توفرت الأرادة
السياسية وادركنا ان الأعتماد على مواردنا الخليجية والعربية واعدادها هو
اهم مرتكزات بناء هذه الدول وتحقيق امنها .
النماذج التنموية المحلية
ومنذ غياب الجيل المؤسس للدولة ، خاصة ، بدأت الروح الأتحادية في التراجع
خاصة في ما يتعلق بمسارات التنمية ، فبدأت الدولة تواجه مشكلة ثانية نتجت
عن تحول المسار التنموي من الدائرة الأتحادية او النموذج الأتحادي الى
النماذج التنموية المحلية فاصبحت كل امارة لها مسارها التنموي الخاص بها
بغض النظر عن اعتبارات الجدوى الأقتصادية أوالآثار الثقافية المترتبة على
هذه المسارات ، فتراخت الجهود التنموية الأتحادية وتم استبدالها بخطط
تنموية على مستوى كل امارة ، وقد واكبت هذه البرامج التنموية المحلية كثير
من التجاوزات للقوانين الأتحادية المتعلقة بتمليك الأجانب واستيراد العمالة
الأجنبية . وفي ظل هذا الغياب للمؤسسات الأتحادية تشتتت الجهودة التنموية
وعاشت الدولة طفرة عقارية غذتها الزيادة في اسعار النفط والأموال الأجنبية
المضاربة وانتهت هذه الفقاعة العقارية بانهيار اسواق العقارات وتكبد امارتي
دبي وابوظبي ديون تقدر بمئات المليارات من الدولارات ، وقد فاقمت الطفرة
العقارية من مشكلة الأختلال السكاني سواء كان ذلك باستيراد مزيد من العمالة
لتنفيذ المشروعات العقارية أو في محاولة بيع وتأجير هذه العقارات الجديدة .
وقد كشفت هذه الأزمة المالية عن هشاشة وضعف آلية القرار الأتحادي في هذه
الدولة ، فلقد تأخرت القيادات خاصة في امارتي أبوظبي ودبي في الأعتراف
بوجود الأزمة المالية أو ادراكها على الأقل ، واخفقتا كذلك في السرعة في
علاجها معا مما ادى الى تفاقم خسائر هذه الأزمة على كيان الدولة ككل ،
ولاشك ان هذا التباطؤ في علاج الأزمة ستكون له انعكاسات سلبية على مسيرة
التنمية في هذه الدولة بغض النظر عن التصريحات الرسمية ، بالضبط كما ان
الأزمة المالية في الغرب ستكون لها آثار عميقة على نمو تلك الدول ومستوى
معيشتها لحقب قادمة ولا اقول سنوات محدودة ، لأن الدين اذا تراكم اصبح
علاجه يتطلب انخفاض معدلات الأستهلاك والأستثمار ، وهذا الأنكماش في
الأستهلاك والأستثمار ، يعني بدوره تراجع معدلات النمو الأقتصادي والقدرة
على توفير الوظائف ، وهذا كله ينعكس سلبا على الأفراد والمؤسسات وعلى
العاملين والمتقاعدين وعلى مستوى الرفاه بوجه عام حتى في الدول ذات الفوائض
النفطية . وقد كشفت هذه الأزمة كذلك عن التداخل بين المال العام والخاص ،
فقد نشأت علاقة بين عدد كبير من القيادات السياسية وبين رجال الأعمال ليس
بهدف تنويع مصادر الدخل او بناء قاعدة تنموية صلبة أو من اجل تدريب الطاقات
المواطنة وتوظيفها ، وانما من اجل تقاسم الريع النفطي وبشتى الطرق ، وهكذا
انشغلت اغلب شرائح المجتمع بالكسب السريع وبالتباهي بانماط استهلاكية كان
لها اثر سلبي بالغ على قيم العمل والأنتاج ، وقد تناسينا جميعا ان هذه
الثروة ناضبه وان للأجيال القادمة حق فيها ، ونتيجة لتداخل مصالح القيادات
السياسية وطبقة رجال الأعمال لم يظهر لدينا قطاع خاص مستقل ومنتج يلعب دورا
رئيسيا في بناء قاعدة انتاجية وطبقة وسطى تشكل قوة ضاغطة على الحكومة من
اجل تطوير دولة المؤسسات فالسياسي اصبح تاجرا والتاجر سياسي ، وهكذا انضمت
طبقة التجار الى الأغلبية الصامته خوفا على مصالحها الشخصية بدل ان تكون
العمود الفقري لدولة تحكمها المؤسسات كما هو الحال في الدول المتقدمة . وفي
ظل غياب بيئة الشفافية والمساءلة تفشى الفساد وتنوع ، وقد رصد هذا الباحث
ما يقارب من اثنتي عشرة صورة من صور الفساد في ورقة قدمها في ندوة الفساد
والحكم الصالح التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت بالتعاون مع
المعهد السويدي بالأسكندرية والتي انعقدت خلال الفترة 20-23 سبتمبر 2004 ،
وقد حذر الباحث في تلك الورقة من خطورة الأعتماد على القطاع العقاري كقطاع
قائد للتنمية ، لأن التنمية الناجحة هي التي تجعل القطاع العقاري تابعا او
رافدا لحاجات القطاعات الأخرى [4]. هذه الأزمة كشفت كذلك عن اهمية
المساءلة والشفافية في ادارة الموارد ، فدبي وضعت تحت الأضواء وكثر الحديث
عن خسائرها لأن كثير من الدائنين اجانب وتدعمهم حكوماتهم في المطالبة
بحقوقهم ويؤيدهم في ذلك اعلامهم الذي يكشف الحقائق ، ولكن لم يتحدث احد عن
الخسائر التي حلت بأبوظبي وهي كثيرة وقد تزيد على خسائر دبي ، والسبب في
ذلك انها كانت خسائر من الفوائض النفطية ، أي انها ثروة أبناء الدولة
جميعا ، وبما ان هذه الدولة ليست لديها مجالس منتخبة وذات صلاحيات لمساءلة
المسؤولين ، كما وان ليس لديها اعلام حر يكشف الحقائق ولا قضاء مستقل يحاسب
من أخطأ ، فلم يتم كشف الحقائق ولم يعرف حجم الخسائر بدرجة من الدقة ،
وهذا يعني ان الخسائر قد تتكررمرة وأكثر في السنوات القادمة لأن الأموال
التي لاتخضع للرقابة هي اقرب الى الأموال السائبه .
الأقتراح الثاني : والمطلوب اليوم لتصحيح هذا الخلل التنموي هو العودة الى
النموذج التنموي الأتحادي ومن ثم تعضيده بتكامل اقتصادي خليجي ، وكذلك
بتطبيق بنود اتفاقية منطقة التجارة العربية الكبرى .
اتساع فجوة الدخل
بدات المسيرة التنموية لدولة الأمارات تواجه في السنوات الماضية تزايد في
فجوة الدخل داخل كل امارة وبين الأمارات بسبب التسابق على توزيع الريع
النفطي الذي سيطرت عليه القيادات واستخدمته لزيادة نفوذها ، وقد كان اتساع
فجوة الدخل بين الأمارات اكبر ، حيث ان المادة 23 من الدستور تعطي لكل
امارة الحق بالتصرف في ثرواتها الطبيعية مع تخصيص جزء بسيط للموازنة
الأتحادية ، وهكذا اصبحت التنمية مشوهه حيث ان الأمارات ذات الثروات
الطبيعية ظلت تزداد غنى خاصة النفطية منها ، بينما الأمارات التي تفتقرالى
هذه الثروات اصبحت تعاني من الركود التدريجي ، ولم يغني عن ذلك ما تنفقه
المؤسسات الأتحادية من موارد محدودة لردم هذه الفجوة ، ففي عام 2001 مثلا
تفاوت متوسط دخل الفرد في الدولة بين 21255 درهم في امارة عجمان وبين ما
يزيد على 112316 درهم في امارة أبوظبي ، ولاشك ان تراجع دور المؤسسات
الأتحادية قد عمق من هذه الفجوة خلال السنوات اللاحقة [5]. وجدير بالذكر ان
الشيخ زايد رحمه الله كان مدركا لخطورة هذه المادة على المسارالتنموي
للدولة ، ولذلك فان كثير من المصادر تشير الى انه كان مؤيدا لحذفها من
الدستور لأعطاء المؤسسات الأتحادية النصيب الأكبر من ثروات الأمارات حتى
تتحقق التنمية المتوازنة ، ولكن حذف أوتعديل هذه المادة لم ينل الأجماع
عندئذ ، أما اليوم فان هذه المادة جديرة بالحذف أو اقل تقدير بالتعديل لوضع
ما لايقل عن 70 % من الثروات الطبيعية تحت سلطة المؤسسات الأتحادية ،
ولاشك ان هذا التعديل جدير بتعميق المسيرة الأتحادية من خلال تقوية الدور
التنموي والأمني للمؤسسات الأتحادية [6]. فهذا الدمج للثروة يعني اولا
اخراج دبي بقدر ما تسمح به امكانيات ابوظبي من ازمتها الحالية لأن حقائق
التاريخ تقول بان دبي ستظل المركز التجاري الأول في المنطقة مهما طالت ازمة
مديونيتها ، وهذه حقيقة يدركها كل مطلع على تاريخ المنطقة الأقتصادي ،
وبالتالي فان الأستعجال باحياء هذا الدور فيه تحريك لعجلة اقتصاد المنطقة
كلها وعائده على المدى البعيد افضل من العائد الورقي الذي تحققه
الأستثمارات الأجنبية ، خاصة وان مصير أبناء أبوظبي امنا وتنمية كان
ولايزال وسيظل مرتبطا بمستقبل أبناء دبي وبقية أبناء المنطقة العربية أكثر
من ارتباطه بالأقتصادات الغربية التي بدات مرحلة ازمات لن تنتهي في القريب
العاجل . ولكن هذه المشاركة في الموارد لابد ان تتم في اطار اتحادي وتتم
كذلك الأستفادة من اخطاء الماضي حتى لاتتكرر، وهذا يتطلب ان تركز دبي على
التجارة زائدا القطاعات الخدمية خاصة التعليم ذو الجودة العالية والتطبيب
وبعض الصناعات الخفيفة والخدمات المالية مع اتجاه ابوظبي الى الصناعات
المرتبطة بالنفط وهي تعد بالمئات في الحقيقة ، وكذلك تستمر الشارقة في
تعميق دورها الثقافي مع بعض الصناعات الخفيفية . غير ان نجاح هذه المسارات
التنموية في أطار اتحاد قوي يتطلب التحام مع الدول الخليجية وكذلك الدول
العربية لتوفير شروط النجاح المتعلقة ببعض الموارد وبالأسواق وباستيراد
التقنية وبتحسين الموقف التفاوضي لأننا نعيش في زمن التكتلات والمنافسة
الشديدة على اكثر من صعيد مما يعني انه كلما كانت الدولة جزء من تكتل كبير
كلما تحسنت فرصها التنموية والأمنية . وهنا لابد من طمأنة حكومة الأمارات
بان مصر وتونس وبقية الدول العربية لاتشكل خطرا عليها سواء حكمها
الأسلاميون او الناصريون او الليبراليون طالما انهم جاءوا باجماع وطني لأن
هذه الدول ليست لها اطماع تاريخية في منطقتنا ولاتحتل أراضي خليجية ولذلك
يجب النظر اليها كعمق استرتيجي في مواجهة الأطماع الأقليمية سواء من
اسرائيل أو ايران ، وجدير بالذكر ان الخلافات العربية التاريخية كانت في
غالبها بين الحكومات وليست بين الشعوب وبالتالي فان من اهم نتائج الثورات
العربية هو ظهور حكومات منسجمة مع شعوبها وهذا يتطلب من الحكومات الخليجية
كذلك ان تحدث الأصلاحات التي تعبر عن ارادة شعوبها وعندئذ ستجد نفسها في
تصالح مع شعوبها وكذلك مع محيطها العربي بدل ان تبدا بخوض حرب باردة مع هذه
الشعوب ومع دول الثورات العربية ستكون لها آثار كارثية بالنسبة للعرب
والخليجيين خاصة بينما سيكون الكاسب فيها هي الدول الأقليمية والقوى الكبرى
. وتعديل المادة المتعلقة بالثروات الطبيعية يعني كذلك تعميق اللحمة بين
أبناء الدولة وذلك من خلال الأرتقاء بمستوى معيشة ابناء الأمارات الشمالية
نحو مستوى معيشة ابناء ابوظبي ودبي والشارقة ليس فقط لأعتبارات العدالة ،
وانما كذلك من اجل حماية تخوم الدولة ، لأنه كلما ازدهرت هذه التخوم كلما
كان من الصعب على الدول الأقليمة اختراق الجبهة الداخلية لهذه الدولة ،
وهناك شواهد كثيرة في التاريخ على أن انفصال اجزاء ومقاطعات كان بسبب الظلم
والتفاوت المعيشي وفشل الحكومات في التعامل معها في الوقت المناسب ، وجدير
بالذكر ان بعض المصادر تشير الى ان البطالة في امارتي راس الخيمة والفجيرة
قد تصل الى 60 % ، كما ان نصيب الأمارات الشمالية من الناتج الأجمالي في
الدولة هو في تراجع مما يدفع بكثيرمن أبناء تلك الأمارات الى الهجرة الى
الأمارات الغنية خاصة أبوظبي ودبي اما بصورة مؤقته او دائمة بينما الحل
الأمثل هو في انعاش الوضع ألأقتصادي في تلك الأمارات وابقاء أبنائها عند
اسرهم وعلى أرضهم حتى تتحقق التنمية المتوازنة المنشودة ومعها أمن حدود
الدولة وهذا لايمكن ان يتحقق الا بحذف المادة 23 من الدستور أو تعديلها
جذريا [7].واخيرا سيؤدي دمج الثروة وما يرافقه من رقابة للمجلس الوطني
الأتحادي المنتخب على السلطة التنفيذية الى تقليل كثير من الهدر الناتج عن
ازدواجية المشروعات كشركات الطيران والمطارات الدولية وغيرها من المشروعات
التنموية ، اضافة طبعا الى ترشيد الأنفاق العسكري غير المبرر ، وسيؤدي كل
ذلك الى توفير مبالغ طائلة يمكن ان توجه الى مشروعات تنموية ذات انتاجية
اكبر وتعود بالمنافع على كافة شرائح المجتمع .
الأقتراح الثالث : اذن لمعالجة فجوة الدخل وتعميق المسار التنموي الأتحادي
لابد من تعديل او حذف المادة 23 في الدستور الحالي او المادة 17 في
الدستور الدائم الذي نقترح تفعيله كبديل حتى تضع المؤسسات الأتحادية يدها
على غالبية الثروات الطبيعية للدولة .
الشرعية السياسية
ولم تتوقف التحديات التي تواجهها الأمارات عند التركيبه السكانية والنموذج
التنموي المشوه والمديونية الكبيرة واتساع فجوة الدخل التي ذكرنا ابعادها
بشيء من الأختصار ، وانما جاء الربيع العربي ليضيف تحدي آخر على التحديات
السابقة والمتعلق بالشرعية السياسية وبمشاركة ابناء الأمارات في آلية صنع
القرار كحق شرعي ، فحكومة الأمارات وبسبب المشكلات المتراكمة ، والتي كان
على رأسها طغيان القرار المحلي ، وتراجع دور المؤسسات الأتحادية ، والأزمة
المالية وما خلفته من ديون ، لم تستطع ان تتعامل مع انعكاسات الربيع العربي
بصورة ايجابية ، حتى الآن على الأقل ، ففي البداية اعلنت انها سترفع عدد
الذين سيسمح لهم بانتخاب 50 % من اعضاء المجلس الوطني الأربعين الى 10000
شخص بعد ان كانوا حوالي 6000 في انتخابات 2006 ، ثم عادت ورفعت هذا الرقم
الى 130 الف بعد ان قدمت نخبة مكونة من 133 من أبناء الدولة عريضة تطالب
فيها رئيس الدول بمجلس وطني منتخب وذو صلاحيات ، ولكن حتى هؤلاء ال 130 الف
الذين اختارتهم الحكومة على اسس غير معلومة لم يصوت منهم الا 23 % ، لأنهم
ادركوا كما يبدو طبيعة اللعبة وان هذه الصيغة الأنتخابية هي ليست اكثر من
عملية التفاف على حقوق أبناء الأمارات في المشاركة الفعلية في القرار .
فنحن وللأسف امام قيادات تصر على ان تظل مسيطرة على قرار وثروة المجتمع من
غير ادنى مساءلة من قبل المجتمع الذي تحكمه بينما المطالبون بالأصلاح
يؤكدون على ضرورة بناء مجتمع بمؤسسات فاعلة تحافظ على ثروات المجتمع وترشد
قراراته لمصلحة جميع الأجيال الحالية منها والمستقبلية ولايحتاج فيها ابن
الدولة ان يستجدي احد في حصوله على حقوقه ، لذلك فاننا نعتقد ان جزء كبير
من الأغلبية الصامته في الوقت الحاضر لسبب أو لآخر ، سيتضح لها مع مرور
الوقت ان الخلاف بين الحكومة والمطالبين بالأصلاح ليس خلاف حزبي أو
ايدولوجي فنحن ابناء مجتمع واحد ،ولايتعلق بتربص فئة او جماعة بالحكومة
للسيطرة عليها كما يتوهم البعض ، وانما هو خلاف حول حقوق اساسية لابد من
توفيرها حتى تنطلق الدولة الى حياة عصرية تقوم على الشراكة الكاملة بدل ان
تظل جامدة في ظل نظم العطايا والهبات وغياب بيئة الشفافية والمساءلة .
الأقتراح الرابع : وفي اعتقادنا ان المخرج الأمثل من أزمة الشرعية
السياسية الذي نراه مناسبا في هذه الفترة يتمثل في العودة الى الدستور
الدائم الذي اعد في السنوات الأولى من تأسيس الدولة ولم يؤخذ به ، واجراء
بعض التعديلات عليه في ما يتعلق بانتخاب وصلاحيات المجلس الوطني وحذف أو
تعديل المادة 17 المتعلقة بملكية الثروات الطبيعية ، ذلك أن الدستور الحالي
تجاوزه الزمن واصبح عقبة في طريق تطور الدولة .
التجاوزات الأمنية
وقد يكون الوجه الآخر لمسرحية انتخابات المجلس الوطني وما تعنيه من عدم
الأعتراف بحقوق أبناء الأمارات في تقرير مصيرهم واختيار ممثليهم ، هو
ظهوردورغيرمسبوق للأجهزة الأمنية في الحياة العامة ، والأختفاء التدريجي
للقيادات السياسية التي تقود المجتمع كما كان يحصل في مرحلة جيل المؤسسين ،
ولاشك ان هذا المنحى هو اكبر تحدي تواجهه دولة الأمارات اليوم فبالأضافة
الى كونه تعبيرعن عدم قدرة القيادات السياسية على التفاعل الأيجابي مع
أبناء المجتمع ومع المتغيرات الأقليمة والعالمية ، فهو كذلك يدخل الدولة في
حلقة من الأحتكاكات والمناوشات والصدامات والتحريض التي قد تؤدي الى
انفلات امني لايمكن السيطرة عليه . فعندما يتم اعتقال وسجن عدد من ابناء
الدولة بصورة تفتقرالى الشفافية والوضوح ، وقد أدانت هذا السلوك اغلب
المؤسسات الحقوقية في العالم ، فان القيادات السياسية تقول لشعبها بان
حرياتهم معرضة للمصادرة في اية لحظة وأن القضاء في هذه الدولة هو شكل من
غير مضمون ، وعندما تقوم هذه القيادات بسحب جنسية سبعة من ابنائها لا لذنب
الا لأنهم يطالبون بالأصلاح فان هذه القيادات تبعث برسالة أخرى الى الأخوة
والأخوات المتجنسين تخبرهم فيها بان هذه الجوازات هي ثمن سكوتهم وعدم
ممارستهم لحقوقهم التي يفترض ان تأتي مع هذه الجنسية . ولابد من تذكير
القيادات السياسية في هذه الدولة بانها هي المسؤولة عن عمليات التجنيس التي
تمت في هذه الدولة بخيرها وشرها ، ولكن لابد من التأكيد على ان الشخص الذي
حصل على جنسية هذه الدولة بطرق قانونية لابد من معاملته كبقية المواطنين
وعدم انتقاص اي حق من حقوقه لأن هذا ألأنتقاص يتعارض مع قيم ديننا ومع
اعراف مجتمعنا ويتعارض كذلك مع القوانين العالمية وبالتالي فاننا نتمنى على
هذه القيادات ان لاتفتعل فتنة الخلافات مع المتجنسين والتي لن تكون
عواقبها اقل خطورة من عواقب الخلاف الطائفي الحاصل الآن في البحرين . كذلك
عندما تستبدل حكومة الأمارات مجالس ادارة جمعيتي الحقوقيين والمعلمين التي
تم انتخابها من قبل اعضاء هذه الجمعيات بمجالس معينة ، فان هذا يعني ان هذه
الحكومة لاتقبل بوجود مجتمع مدني يعبرعن آلام وآمال اعضاءه ، وانما تصر
على اختزال كل شرائح المجتمع في بوتقة الحكومة ، علما ان الحكومة هي جزء من
المجتمع ولاينبغي ان تكون كل المجتمع ، لأن المجتمع هو كالجسد له أطراف
مختلفة ولكن ادوارها تكمل بعضها البعض من غير ان يطغى طرف على آخر فاذا
عطلت الحكومة دور احد هذه الأعضاء فانها في النهاية تضعف المجتمع بأكمله ،
وعندما يتم اعتقال الشيخ صالح الظفيري لأنه دافع عن نفسه امام تقولات بعض
المحسوبين على الأجهزة الأمنية ، فان القيادات السياسية في هذه الدولة تؤكد
لأبناء الوطن بان حرية التعبيرهي ملك لها ولأجهزتها ولمن يؤيدها فقط ، اما
بقية المواطنين فلاحق لهم في التعبير ، حتى ولو كانت مطالبهم محقة أو أنهم
في معرض الدفاع عن النفس ، وعندما يستوقف عدد من الذين ينتمون لجهاز الأمن
شخص كالأستاذ جمعة درويش الفلاسي الذي عرف باخلاصه وصدقه وشجاعته في الحق
ويتعرضون له بالضرب في الشارع ، ولاحقا في مركز الشرطة ، فان هذه رسالة
خطيرة لأبناء الوطن وحتى للوافدين ، مضمونها ان الأجهزة التي كنا نتوقع
منها الحماية اصبحت هي مصدر الخطر علينا ، الأمر الذي يعني بان على كل
أنسان ان يحمي نفسه من الآن فصاعدا خاصة ضد اجهزة الدولة ، واذا كانت بعض
القيادات السياسية تعتقد ان هذا ألأسلوب سيرهب الناس وسيوقفهم عن المطالبة
بحقوقهم السياسية وغير السياسية فهي في الحقيقة واهية وبعيدة كل البعد عن
ما يحدث في المنطقة ، كما وانها بتصرفها هذا لاتساعد على توحيد الصف الدخلي
لهذه الدولة ، وانما توجد فيه شرخا كبيرا لايخدم مصلحة أي غيور على وطنه.
وكم هو مؤسف حقا ان نرى تقنية متطورة كالتويتر تتحول الى ساحة مساجلات
وسباب وشتائم بين أبناء الوطن الواحد ، وهي ممارسات لايقبل بها عقل
ولايقرها دين ولا تبررها مصلحة ، في الوقت الذي نرى فيه شعوبا اخرى تستخدم
نفس التقنية لتضيف قيمة الى انتاجها او تعليمها او ثقافتها أو تسويقها
لنشاطاتها النافعة،فقد تجد أمراة فقيرة في بنغلادش تسوق منتجات الألبان من
خلاله ، وقد تجد فنيا في الكومبيوتر في بنغلور بالهند يقوم باستخدامه في
ارشاد مستخدم للكمبيوتر في نيويورك لأصلاح كمبيوتره ، وقد تجد طبيبا في
مدينة نيويورك يصف الدواء من خلاله لأحد المرضى في منطقة ريفية بعيدة عن
مقر عمله وهكذا دواليك . ونحن وان كنا نعلم ان في الأجهزة الأمنية ثلة من
أبناء الوطن العقلاء الذين هم اقرب الى العناصر الأمنية التي كانت تديرهذه
الأجهزة في عهد الجيل المؤسس لهذه الدولة ، الا اننا نعتقد ان هناك عدد
لابأس به من عناصر هذا الجهاز، خاصة الجيل الشاب ، الذي يفتقرالى ثقافة
امنية سليمة تكون مواكبة لما يحصل حولنا من احداث وتغيرات ، فرجل الأمن يجب
ان يدرك بان جميع أبناء الوطن امانة في عنقة ، وليست فقط الفئات الحاكمة
وحدها ، وان تقصيره في القيام بهذا الدور له اثر مدوي في نفس المواطن يفوق
اثر اخفاق القيادات السياسية ، ورجل الأمن يجب أن يتذكران من واجبه أن يكون
اقرب الناس الى نص وروح القوانين من حيث الألتزام والتطبيق ، ورجل الأمن
ينبغي ان يعلم ان الخلافات بين الحاكم وشعبه تحل في اطار المؤسسات بفهم
اسبابها واقتراح الحلول الأقل كلفة لها في بيئة تسودها المودة والتعاون ،
بدل ان تتحول هذه الخلافات الى مهاترات كلامية تعمق الفجوة بين ابناء الوطن
الواحد ، كذلك على رجل الأمن ان يدرك انه عندما يدخل مع الآخرين في
مهاترات كلامية لتزييف أو طمس الحقائق فان هذه المهاترات عادة لاتضيف شرعية
على الحكومة وانما تضعف هذه الشرعية ، وهي لاتغير من قناعات الناس وانما
تزيدهم اصرارا على مطالبهم ، وهي لاتغير من قناعات الناس وانما تزيدهم
اصرارا على مطالبهم ، وهي لن تضعف تيار المطالبون بالأصلاح بل انها ستكسبهم
كثير من المؤيدين بين الأكثرية الصامته ، كما وان هذه المناوشات الكلامية
تؤدي في اغلب الأحيان الى صورة أو اخرى من المفاسد ، فعندما حاول الشيخ
محمد عبدالرزاق الصديق الدفاع عن نفسه امام صور من التشهير والأساءة لايرضى
الله عنها ولايقبل بها من عنده ذرة مروءه ، استخدمت القيادات السياسية في
الدولة قوتها واعتقلته من غير اجراءات قانونية واضحة ، ولايقلل من ترويع
هذا الشيخ واهله عند الفجر اطلاق سراحه لاحقا ، وعندما دافع ألأستاذ جمعه
الفلاسي عن نفسه امام تقولات بعض الأفراد المحسوبين على الأجهزة الأمنية
ادى ذلك الى وقوع اشتباك بالأيدي معه ، وفي ألأيام الأخيرة فوجئنا باعتقال
الأستاذ احمد غيث السويدي الذي لم نعرف عنه الا دماثة الخلق والحرص على
الوطن وقد سبق وجرد من جنسيته وتعرض لشتى انواع التضييق ، ولاشك ان هذه
المناوشات الناتجة عن الممارسات الأمنية غير المنضبطة بالقوانين تكون
بدورها مقدمة الى ما هو اكثر عنف ، وعندئذ تفتح أبواب الفتنة على مصراعيها ،
وهذه عبر واضحه من التجارب البعيدة والقريبة لمن يريد أن يعتبر، واخيرا
نذكر القيادات السياسية بان الثمرة الخبيثة للمارسات السيئة لبعض رجال
الأمن هي التي كانت سببا في اسقاط انظمة تونس ومصروليبيا والى حد ما في
اليمن وهي في طريقها لأسقاط الأسد .
الأقتراح الخامس : من هنا فان التفاعل مع الربيع العربي يتطلب فرض رقابة
مجتمعية على اجهزة الأمن في ظل الدستور الجديد الذي اقترحناه وعدم السماح
لها بالتدخل في حريات الناس قولا او فعلا الا من خلال المؤسسات القضائية
لأنها وحدها مكلفة بتعريف الجريمة اذا حصلت وبوضع العقوبة التي تتناسب معها
في حالة الأدانة وهذه عملية ليس لأي مسؤول مهما علت مكانته في الدولة ان
يتدخل فيها والا فانه بعمله هذا يكون هو نفسه قد اخل بامن الدولة ، وهذا
ألأستقلال القضائي عرف ايام الخلافة الراشدة وهو يطبق اليوم في احدث
الأنظمة الغربية . وحتى يتم هذا الضبط لأداء ألأجهزة الأمنية نقول للأخوة
العاملين فيها : يا اخواننا اتقوا الله في كل انسان واحسنوا القيام
باماناتكم ولاتنخدعوا بالجاه والسلطان ولاتأمنوا مكر الله في هذه الدنيا
بأن يبتليكم في انفسكم واهليكم واولادكم فالجزاء من جنس العمل ولن تجد لسنة
الله تبديلا وتذكروا يا اخواننا هداكم الله انكم ستلاقون خالقكم فردا فردا
يوم لاينفع مال ولابنون الا من اتى الله بقلب سليم ، فهل تسمعون وتعقلون ؟
نرجوا ذلك .
هكذا كان جيل المؤسسين
ونود ان نذكرفي نهاية هذا الحديث بان جيل المؤسسين لهذه الدولة قد اكتسب
شرعيته ومصداقيته ومحبة الناس له من خلال احترام وتقدير ابناء المجتمع ،
ومن خلال ألأستماع اليهم والأخذ بآرائهم عندما تكون محقة ، ومن خلال
الصبرفي علاج العقبات ، ومن خلال تجنب القسوة او الأهانة . فالشيخ زايد
رحمه الله كان يجلس مع اتحاد الطلبة ويحاوره في مطالبه ، وكان يلتقي باعضاء
هيئة التدريس ويناقشهم في قضايا الجامعة ، واذكرمرة اننا بعثنا اليه
ببرقية انا وعدد كبير من الأخوة اعضاء الهيئة التدريسية في جامعة الأمارات
نشتكي اليه من سوء تعامل مدير الجامعة عندئذ معنا ومع قضايانا ، فما كان
منه ، رحمه الله ، الا ان امر بانهاء عقد ذلك المدير ، وكذلك كان الحال في
تعامله مع رجال الأعمال ، ولم تكن تنقصه القدرة على معالجة القضايا بشدة
ومواجهة ، ولكنه رجل تعلم مهارات القيادة بالممارسة الفعلية ، وكان يدرك
متى يكون حازما ومتى يكون لينا ورحيما ، وكان عليه رحمة الله ينطلق من
قناعة مؤداها انه واحد من أبناء هذا المجتمع يسره ما يسرهم ويضره ما يضرهم ،
ولم يكن يتعالى على اهله وشعبه ، ولم يجلس قط في برج عاجي ويأمراجهزة
الأمن ، أن تسفه بابنائه وتشكك في نواياهم وتتهمهم بالخيانة ، وتكيل لهم
الشتائم التي ما انزل الله بها من سلطان . وقد كان رحمه الله يبتسم ويغضب ،
وكان يدافع عن وجهة نظره بشراسة ، ولكنه كانت لديه كذلك الثقة بالنفس
والشجاعة بان يعود عن الخطا اذا اتضح له خاصة اذا كان حوله من يذكره
بالحقيقة ، ولا اقول ذلك مجاملة لأحد لأنني لااتقن فن المجاملات التي سادت
في هذا العصر ، كما وان الشيخ زايد هو الآن في ذمة الله ، ولكن اقول ذلك
تبرئة لذمتي أمام الله فلدي كثير من الأمثلة التي رواها لي بعض الأهل
والأقارب الذين عايشوه والتي تؤكد ما قلته سابقا ، كما وانني اتمنى أن يكون
في التذكير بهذه المواقف عبرة لمن يريد ان يعتبر من القيادات السياسية
الحالية ، ولا حرج في ان اذكرموقفا حصل لي شخصيا معه رحمه الله يكشف عن
حنانه الأبوي ، ولماذا ظل الناس يحبونه . فخلال العام الدراسي 1971/1972
كنت في السنة الأخيرة من دراستي الثانوية ، وكنت اتجول مع احد الأصدقاء ،
وقد اصبح بعد ذلك مهندس بترول وعمل في مؤسسة أدنوك حتى فترة قريبة ، كنا
نتجول على كورنيش أبوظبي قرب فندق الهلتون وفجاة رأينا عدد كبير من الأشخاص
في منطقة بحرية يتم دفنها وكان هناك مطعما نسميه " مطعم بوطافش" ، وبعد
أن تأكدنا ان مجموعة ألأشخاص التي رأيناها تتكون من الشيخ زايد وعدد من
مرافقيه وكان يتفقد الموقع الذي يتم دفنه ، قلت لصديقي دعنا نوقف سيارتنا
ونسلم على الشيخ زايد ، وبالفعل اقتربنا منه وسلمنا عليه وقد صادف وجود احد
اقاربي معه فعرفه علينا ، وكان والدي رحمه الله قد توفي في الصيف الذي سبق
هذا اللقاء ، اي في اغسطس 1971 خلال وجودي في لندن ، وعلى الرغم من ان
والدي كان على تواصل مع الشيخ زايد حتى وفاته رحمهما الله رحمة واسعة ، الا
انني لم أكن قد التقيت بالشيخ زايد قبل ذلك ، فما كان منه الا ان أمسكني
بيده اليمنى وأمسك صديقي بيده اليسرى وطلب من الرجال المرافقين له ان
ينتظروه في مطعم " بوطافش" ، واقتادنا الى طراد كان يرسو في البحر وركبت
بجانبه وركب زميلي في المقعد الخلفي وكان الشيخ زايد هو " كابتن" الطراد ،
واخذنا في جولة بحرية استغرقت تقريبا ساعة ، وصلنا فيها الى ما يعرف اليوم
بمستشفى الكورنيش في ابوظبي ، وكان رحمه الله يشير الى ذلك المستشفى
ويخبرنا نحن ابناءه بان هذا المشروع قد قارب على الأنتهاء ، وكأن لسان حاله
كان يقول " اننا بدأنا مسيرة البناء والنهضة وهي لكم " ، ولا ادري اذا كان
قد تنبه ، رحمه الله ، الى اننا ، اي انا وزميلي ، كنا في تلك اللحظات
اكثر فرحة برفقته والتحدث معه من فرحتنا ببناء المستشفى . ثم عدنا بعد
ذلك الى منطقة الهلتون والمطعم ونزلنا ، ثم عدنا بعد ذلك الى منطقة
الهلتون والمطعم ونزلنا ، ولم يكن ذلك الرجل خلال تلك الرحلة كابتن ماهر
فقط ، وانما كان كذلك والد حنون ، وكان متحدث بارع ، ومستمع لبق ، وكم كنا
انا وزميلي سعداء بذلك اللقاء ، ولا انسى اننا عندما نزلنا من الطراد التفت
الي وسألني عن اوضاعي الدراسية فاخبرته بانني ساسافر مع نهاية العام
للدراسة في الخارج ، وهنا سألني سؤالا اكثر دقة فقال : شو بتخصص فيه ؟ فقلت
له : سأتخصص في السياسة ياطويل العمر ، ولا انسى تلك الأبتسامة الكبيرة
التي غمرت وجهه الكريم وهو يقول : سياسة ؟ فقلت له باندفاع وحماسة الشباب :
نعم يا طويل العمر سأتخصص في السياسة . فما كان منه الا ان دعا لنا ورفيقي
بالتوفيق وسألنا ان كنا في حاجة لأي شيء ، فشكرناه وافترقنا ، ولاشك ان
هذا الموقف النبيل منه رحمه الله كان له اثر على نفوسنا وعلى ما بذلناه
لاحقا من جهد في رحلتنا التعليمية ، وقد بدات بالفعل دراسة البكالوريوس في
العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت ثم انهيتها في جامعة ميتشغن
، قبل ان انتقل الى تخصص الأقتصاد في بقية شهادتي العلمية . ولاشك ان هذه
الصفات الأصيلة وغير المصطنعة في ذلك الرجل هي التي جعلت الناس تترحم عليه
وتدعو له بالخير حتى يومنا هذا ، كما وانه لم يدعي الكمال والعصمة التي
يحاول البعض اليوم ان ينسبوها اليه ، فهو عاش عصره وادى دوره منذ ان كان
ممثلا للحاكم في العين ، ثم حاكما لأبوظبي ، ثم رئيسا لدول الأمارات وأحد
القادة العرب الذين لعبوا دورا رائدا وهاما في المنطقة ، فجزاه الله عنا
جميعا خير الجزاء . وكذلك كان حال رفيق دربه الشيخ راشد بن سعيد المكتوم
رحمه الله رحمة واسعة ، الذي عرف كذلك بسعة الصدروالحلم والنظرة الثاقبة
وتقبل النقد الذي كان احيانا يتجاوز المعقول ، فلم نسمع في عهدهما أوفي عهد
بقية اخوانهم من حكام الأمارات من يطالب أبناء هذه الأرض أن يلوذوا بالصمت
وعدم ابداء الرأي ، او بعدم انتقاد سياسات الدولة كما نسمع اليوم وللأسف ،
وقد كان آباؤهم احرارا وشركاء لهؤلاء الحكام في الأوطان ، وكانوا يقولون
الكلمة بصدق وشجاعة وأمانة ، ونحن أبناء أولئك الرجال نقول بدورنا للقيادات
السياسية الحالية اننا عازمون على ان نعيش احرارا ونحن معكم في سفينة
واحدة فبادروا الى الأخذ بالأصلاحات التي تتطلبها المرحلة ولاتكونوا سببا
في اغراق هذه السفينة ، فقد غيرت الرياح اتجاهها فبادروا الى تعديل اشرعة
سفينة الأتحاد حتى تتناغم مع الأتجاه الجديد للرياح ، وافعلوا ذلك بكل ثقة
وقبل أن يفوت الأوان ، وتذكروا نه اذا كانت الأدوات والوسائل التي استخدمها
كل من الشيخ زايد والشيخ راشد وبقية حكام هذه الدولة في التواصل مع أبناء
المجتمع ومعالجة قضاياهم صالحة لزمنهم وقد ادت غرضها ، فنحن اليوم في زمن
مختلف ، تعقدت فيه المجتمعات ، وتزايدت فيه القضايا والتحديات وتشابكت ،
وكثر فيه عدد السكان ، ومن هنا فان المطلوب منكم ان تعيشوا في عصركم وأن
تستخدموا ادواته ، والتي من اهمها وجود مجلس تشريعي منتخب وذو صلاحيات
واسعة يعبر عن ارادة أبناء المجتمع ، وقضاء مستقل يؤمن حقوق الناس ويتساوى
أمامه الأمير والخفير ، واعلام حر يكشف الحقائق لعلاج المشاكل قبل تفاقمها ،
وحكومة تكون مسؤولة مسؤولية كاملة في ما حققته وما لم تحققه اما المجلس
الوطني المنتخب ، وهكذا تكونون قد اخذتم زمام المبادرة ، وهكذا تستمر
المسيرة نحو مزيد من الأستقرار والأزدهار ، وهكذا تكونون قد استوعبتم العبر
من الربيع العربي ، وهكذا ستجعلون أبناءكم واخوانكم وهم أبناء الرجال
الذين قام هذا المجتمع على اكتافهم كل من موقعه ينشغلون بالبناء والتعمير
وصناعة الحياة ، بدل ان يقضوا لياليهم يتراشقون بالألقاب والشتائم ويجعلون
من انفسهم اضحوكة امام العالم كما هو حاصل الآن على الفضاء الألكتروني
باشكاله .