تضارب المصالح على الطريقة البريطانية

حزب العمال بزعامة رئيس الوزراء السير كير ستارمر يبدأ مؤتمره السنوي في ليفربول اليوم (الأحد)، والمتوقع أن يشهد مهرجاناً لتحيته باستقبال الفاتحين، كأول مؤتمر منذ الفوز الكاسح لـ«العمال» في الانتخابات البرلمانية منذ شهرين. لكن أخبار ستارمر على الصفحات الأولى، وفي مقدمة نشرات الأخبار، وبرامج شؤون الساعة في الأيام الماضية، لم تكن عن المؤتمر، بل لأسباب يتمنى أي رئيس حكومة تفاديها، لا سيما في الأشهر الأولى من عمر وزارته.

 

فيضان التحقيقات الصحافية عن هدايا وملابس من آخر صيحات الأزياء وتذاكر مجانية تلقاها الزعيم العمالي، وزوجته الليدي فيكتوريا ستارمر، أفرزت مانشيتات سلبية على الصفحات الأولى، ورسومات كاريكاتير لاذعة في سخريتها، خاصة في الصحف المناهضة لـ«العمال»، لكن لم تستطع منافذ الأنباء الأخرى من وكالات، وصحف اليسار، والشبكات الإذاعية والتلفزيونية الليبرالية واليسارية، تجاهلها.

الزعيم البريطاني لم يرتكب مخالفات؛ فلا قانون أو لوائح تحرم تلقي هدايا أو تبرعات مالية أو عينية أو خدمات كرحلات سفر مجانية، ما دام النائب يدوّنها بالكامل في «سجل المصلحة والمنفعة» (Register of Interests) في البرلمان، خلال 28 يوماً من تلقي الهدية أو الاستفادة من منفعة. السجل مفتوح لأي شخص للاطلاع عليه مجاناً، سواء في مكتبة مجلس العموم أو عن طريق موقع وستمنستر على الإنترنت. اللائحة أيضاً تشملنا في المجموعة الصحافية البرلمانية لتسجيل أي هدايا أو تذاكر مجانية في سجل مشابه. الشفافية ضرورية ليحكم الناخب، أو القارئ لما ينشره الصحافي، ما إذا كان هناك تضارب مصالح. فلماذا تمنح جهةٌ ما تذاكر مجانية وإقامة تبلغ قيمتها آلاف الجنيهات لرجل سياسة أو صحافي مكاتب وكلاهما في مراكز صناعة القرار؟

ستارمر سجل كل الهدايا والمنح والتذاكر والرحلات التي تلقاها في السجل، لكن ما لفت انتباه الصحافة أنه تأخر كثيراً عن موعد تسجيلها في مجلس العموم (وهي من الانتقادات التي كان ستارمر ونوابه يوجهونها للحكومة من بنشات المعارضة حتى ثلاثة أشهر مضت).

الملاحظة الأخرى أنه صاحب الرقم القياسي في تلقي هدايا ومنافع في البرلمان؛ فخلال أقل من خمس سنوات منذ توليه زعامة حزب العمال، وكان في المعارضة، تلقى ستارمر ما تجاوزت قيمته 107 آلاف جنيه إسترليني. أما صاحبة الرقم الثاني في تلقي المنافع والهدايا والخدمات (قيمتها تقارب 41 ألف جنيه في الفترة نفسها)، فهي واحدة من وزراء «العمال» لوسي باول، قائدة المجلس (منصب وزاري مقابل لزعيم الأغلبية في أميركا).

ما يثير الانتباه في مجال تضارب المصالح، عدة نقاط: أولها أن رئيس الوزراء دوّن في السجل تلقيه تذاكر من الدوري الممتاز (مؤسسة من سبعة أندية يقارب دخلها السنوي مليارين ونصف المليار جنيه) لحضور مباريات كرة قدم في مقصورة الدرجة الأولى فاقت قيمتها 12500 جنيه، ومعروف أن المؤسسة تحاول التأثير على هيئة جديدة مسؤولة عن تنظيم نشاط كرة القدم للحد من احتكار الأندية الكبرى.

الأمر الثاني، كشفُ الصحافة تلقي زوجته، الليدي ستارمر، هدايا في شكل ملابس وأكسسوارات من آخر صيحات الموضة، قبل وأثناء وبعد الحملة الانتخابية، تجاوزت قيمتها آلاف الجنيهات من اللورد وحيد علي (تبرع لساسة «العمال»، ومنهم ستارمر وعدد من وزرائه بأكثر من نصف مليون جنيه في العشرين عاماً الأخيرة).

بعد الانتخابات اتضح أن اللورد علي يحمل البطاقة الأمنية الإلكترونية لرقم «10 داوننغ ستريت»، وتتيح لحاملها الدخول والخروج والتجول في المقر. ورغم غياب أي دور وظيفي يتطلب وجوده في المقر، منح اللورد علي بطاقة مؤقتة مخصصة أصلاً للساسة أو الخبراء المعارين للعمل لمهمة محدودة، لكنه استخدمها لإقامة «حفل استقبال» في حديقة «10 داوننغ ستريت».

أحدث كشف لتضارب المصالح أن سو غراي، صاحبة التقرير التحقيقي عن «بارتي غيت»؛ حفلات أقيمت في مقر الحكومة أثناء إغلاق «كوفيد» وأدت إلى استقالة بوريس جونسون، أصبحت مستشارة ستارمر في المعارضة بعد تركها السلك الوظيفي في الدولة، وبعد فوزه بالحكم جعلها رئيسة لموظفي «داوننغ ستريت» بمرتب 170 ألف جنيه سنوياً، يزيد ثلاثة آلاف جنيه عن مرتبه كرئيس وزراء.

مصادر، غالباً من العاملين لسنوات مع ستارمر المستائين من قفزة غراي المفاجئة، يسربون هذه المعلومات للصحافة، مما يشير إلى انقسامات في الدائرة الداخلية للحكومة وضعف قيادة رئيسها لفريقه عشية افتتاحه للمؤتمر التاريخي.