وزراء حزبيون في الحكومة الجديدة

صدرت الإرادة الملكية السامية بالموافقة على تشكيل حكومة الدكتور جعفر حسان، والتي جاءت كاستحقاق سياسي في ضوء إجراء الانتخابات النيابية الأخيرة والإعلان عن ولادة مجلس نواب جديد، ليكون التجديد في السلطة التشريعية متزامنا مع إيجاد مجلس وزراء جديد، بعد أن أخذت الحكومة السابقة فرصتها الكاملة لمدة أربع سنوات، هو العمر الدستوري لمجلس النواب التاسع عشر.وقد انشغل الرأي العام بمتابعة أسماء الوزراء الذين اختارهم الرئيس الجديد في حكومته، التي ضمت على غير العادة شخصيات حزبية تنتسب إلى أحزاب سياسية مختلفة، البعض منها يتولى منصب الأمين العام فيها، حيث أثارت هذه الخطوة العديد من التساؤلات حول دستورية هذا الإجراء وتأثيره على مبدأ الفصل بين السلطات، خاصة وأن الأحزاب السياسية التي تمثلت في الحكومة الجديدة لها حضور جيد في مجلس النواب العشرين.


إن اختيار وزراء حزبيين في الحكومة الجديدة لا يتعارض مع أحكام الدستور؛ فالمشرع الدستوري لم يحدد شروطا معينة فيمن يتولى منصب الوزارة باستثناء أن يكون أردني الجنسية، حيث تنص المادة (42) من الدستور على أنه «لا يلي منصب الوزارة وما في حكمها إلا أردني».

في المقابل، جاء الحظر على تولي منصب الوزارة ليشمل أعضاء مجلسي الأعيان والنواب فقط دون الأفراد المنتسبين للأحزاب السياسية، حيث تنص المادة (76) من الدستور بحلتها المعدلة في عام 2022 بالقول «لا يجوز الجمع بين عضوية كل من مجلس الأعيان أو النواب وبين منصب الوزارة».

وعليه، فإن اختيار وزراء ينتمون لأحزاب سياسية لا يشكل خرقا لمبدأ الفصل بين السلطات؛ فهذا المبدأ يخص العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والصلاحيات التي خصها المشرع الدستوري لكل سلطة في مواجهة السلطة الأخرى. فالسلطة التنفيذية تملك الحق في حل مجلس النواب واقتراح مشاريع قوانين، في حين يكون للسلطة التشريعية ممثلة بمجلس النواب الحق في ممارسة رقابة سياسية على الوزراء العاملين تتمثل بالسؤال والاستجواب وطرح الثقة.بالتالي، فإن وجود وزراء من أحزاب سياسية جرى اختيارهم بصفاتهم الشخصية وليس لاعتباراتهم الحزبية لن يكون له أي تأثير سلبي على طبيعة العلاقة بين الحكومة والمجلس النيابي الجديد. 

فالوزير الحزبي سيمثل أمام مجلس النواب بصفته الوزارية، وسيتعامل مع النواب المنتخبين باعتباره عضواً في السلطة التنفيذية دون أن يكون لعضويته الحزبية أي أثر على ممارسته لمهامه الوزارية، خاصة وأن الأحزاب الأردنية هي مكونات برامجية أكثر منها عقائدية وأيديولوجية، حيث تتقاطع الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها مع المهام المناطة بمجلس الوزراء، والتي ت?مثل بتحقيق الإصلاح والتنمية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

إن الحكمة الدستورية من حظر الجمع بين عضوية النائب والعين من جهة ومنصب الوزارة من جهة أخرى لا تتحقق في حالة توزير أعضاء من أحزاب سياسية.

 فهم غير ملزمين على الاستقالة من الأحزاب المنتمين إليها، إلا أن الوزراء الذين يشغلون مناصب حزبية عليا قد يقررون تركها، وذلك خشية عدم قدرتهم على إيجاد الوقت والجهد الكافي لإدارة دفة القيادة في الحزب السياسي.ويبقى التساؤل عن أية تبعات دستورية مشروعة أخرى يمكن أن تلقي بظلالها على فكرة الاستعانة بوزراء من أحزاب سياسية أعضاء في الحكومة وبصفاتهم الشخصية. فالوزير وفق أحكام الدستور يخضع لمسؤولية سياسية فردية أمام مجلس النواب عن جميع الشؤون المتعلقة بوزارته، حيث يملك كل نائب أن يوجه الأسئلة والاستجوابات إلى الوزير عن أعمال وزارته، كما يمكن أن يصل نطاق هذه المسؤولية السياسية لتشمل طرح الثقة بالوزير وإجباره على الاستقالة، وذلك عملا بأحكام المادة (54/3) من الدستور.

إلا أن الوزير الحزبي سيخضع لمراقبة إضافية إلى جانب رقابة مجلس النواب لأعماله الوزارية، هي رقابة الحزب السياسي الذي ينتمي إليه. فعضوية الوزير في الحزب السياسي ترتب عليه مجموعة من الالتزامات القانونية تتمثل باحترام الأنظمة الداخلية ومدونات السلوك الحزبية، والتي تشترط على كل عضو حزبي أن يحافظ على سمعة الحزب، وأن يمتنع عن القيام بأي فعل من شأنه أن يؤثر على مركز الحزب ومكانته أمام الرأي العام. فهذه الواجبات ستبقى قائمة وملزمة للوزراء الحزبيين طيلة فترة تواجدهم في السلطة التنفيذية، حتى وإن جرى اختيارهم أعضاء في الحكومة بصفاتهم الشخصية ونتيجة خبراتهم العملية والمهنية.

إن موقف النواب الحزبيين من أي وزير عامل يثبت مخالفته لقواعد السلوك النافذة في الحزب لن يكون متساهلا، حيث سيحرص نواب الحزب السياسي على متابعة تصرفات الوزير الحزبي وسلوكياته، بحيث يخضع لرقابة سياسية إضافية قد يصل مداها إلى إصدار القرار بفصله من الحزب السياسي في حال خروجه عن الأسس التي تحكم سلوك الأعضاء المنتسبين للحزب السياسي.

أ. د. ليث كمال نصراوين..