بين نتنياهو والسنوار

وصلني مقطع مصور مرسل من أحد مؤيدي «حماس» معلقاً على مقال كتبته. والمقطع يتحدث عن توصيات إعلامية صهيونية، أوصى بها الضابط الإسرائيلي السابق في «الشاباك» موشيه بوزيلوف، الكتاب الصهاينة، من أجل تخفيف الضغط الدولي على إسرائيل، بأن يتم تحميل مسؤولية هلاك عشرات الآلاف من الفلسطينيين على السنوار وليس على الإسرائيليين، حتى يتم الضغط على السنوار فيوقف الحرب ويقبل بشروط التفاوض، ولمح المقطع إلى أن هناك كتاباً عرباً ينفذون هذه الوصية، إما بعلم وإما بحسن نية وجهل، فيلومون السنوار على السابع من أكتوبر (تشرين الأول).

 

 

 

 

ونسي من أرسل الفيديو أن تلك التوصية يستخدمها الإعلام المؤيد لـ«حماس»، ولكن بالعكس، أي بتحميل إسرائيل وحدها موت أكثر من 40 ألف فلسطيني، حتى يتم الضغط دولياً على إسرائيل وتوقف آلة الحرب.

لا يظن مؤيدو «حماس» أن استخدام أرواح البشر -حتى وإن تعدوا الأربعين ألفاً- لعبة قذرة تستخدمها إسرائيل أو إعلام متصهين، فالحقيقة التي لا يرونها أن السنوار هو أيضاً يستخدمها ورقة ضغط ضد إسرائيل؛ بلا أي تقدير للمعاناة الإنسانية التي لم يحصل مثلها في التاريخ المعاصر.

فإن أنت ذكرت الأربعين ألف روح التي صعدت إلى بارئها، وإن ذكرت اليتامى والأرامل والثكالى، محملاً المسؤولية للسنوار بقراره المنفرد، فأنت صهيوني، إن لم تحمل إسرائيل وحدها المسؤولية. يجب ألا تذكر أن «حماس» قامت بفعل تعلم علم اليقين بأن إسرائيل تنتظره لتفعل فعلها. إياك أن تذكر أنه من البديهي ومن المسلَّمات ردة الفعل الإجرامية الإسرائيلية، وأنها كانت ردة فعل متوقعة. فإن قلت إن ما فعلته إسرائيل متوقع ومعروف مسبقاً، حتى وإن تمادوا، فإنك تقول بشكل آخر إن السنوار إما جاهل بردة الفعل، وإما تقول إنه يعلم يقيناً حجم ردة الفعل لكنه لم يبالِ، وفي كلتا الحالتين هو لا يقل فتكاً عن نتنياهو وحكومته.

وهذه مشكلة التبعية العمياء، فهم على غير استعداد لمراجعة أخطائهم. ونهجهم الدفاعي يحتم عليهم إدانة كل من ينتقد قراراتهم، ورميه بالانبطاح في حضن العدو وخدمة أجندته؛ في حين أن من يعترض على قرارات «حماس» لا يبرئ الحكومة الإسرائيلية وجيشها من جرائم الحرب والإبادة التي تحصل، فالعالم كله يجرِّمها، إنما المصيبة في مؤيدي «حماس» الذين يريدوننا أن نتغاضى عن جريرة السنوار بعبثه بحياة المدنيين. هنا المشكلة، هنا العقلية التي تتبع تبعية عمياء وتؤيد بتحيز.

إن قيادات المقاومة من الشعوب التي عانت من الاحتلال والفصل العنصري والاستعمار، وكل أشكال الاستعباد، حاربت وقاومت وانتصرت، إنما بذكاء، بدهاء، بصبر طويل. للروح الإنسانية عندهم قيمة، حتى للمدنيين من مستعمريهم ومحتليهم، فلخصومتهم شرف وفروسية. عانوا لعقود، وربما لقرون، في كل القارات الخمس. فلقيادات حركات التحرر قصص حفل بها التاريخ، أغلبها حفر اسمه بفروسيته، لا بتهوره وغبائه وعدم إنسانيته، فإن كان نتنياهو وحكومته أُدينا عالمياً فالسنوار مثلهما.

هل يعلم مؤيدو «حماس» حجم الهجوم الإسرائيلي على نتنياهو وجيشه داخل إسرائيل؟ لا نقول ذلك لأننا نتخذهم مثالاً للديمقراطية وأصحاب القيم الإنسانية والحضارية، إنما لنقول بأن نتنياهو لا يريد لهذه الحرب أن تنتهي مثله مثل السنوار؛ لأن في وقفها ونهايتها انتهاء مستقبل الاثنين السياسي. السنوار سيخرج وستدخل السلطة الفلسطينية، وسيُفرض على إسرائيل وجود دولة فلسطينية بسلطة موحدة، وهذا آخر ما يريده نتنياهو واليمين الإسرائيلي، وكذلك السنوار سينتهي بقبوله وقف إطلاق النار.

لذا، فإن كل ما هو متاح -من أوراق ضغط ولعبة مفاوضات- مشروع للاثنين، بما فيه استغلال أرواح البشر الذين دُهسوا وسالت دماؤهم تحت طموح المحتل والمختل!