انتخابات 2024: قراءة مبكرة لمشهد متحرك

وسط حالة نقدية لبعض مجريات العملية الانتخابية التي ستبلغ مرحلة الحسم بعد أسبوع تقريبا، يتوقف متابعون عند محطات تستجيب ـ نسبيا ـ لنبض الشارع المتعطش لأجواء انتخابية أكثر حماسة، وأشد تفاعلا على المستوى المجتمعي. وينظرون إلى تلك الحالة من بوابة قوانين الصوت الواحد التي هيمنت على العملية منذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي وحتى آخر انتخابات جرت في العام 2020.


فقوانين الصوت الواحد التي تعددت في أشكالها لكنها حافظت على ذات المبدأ، فرضت على الشارع طقوسا انتخابية محورها تضييق الحلقات الانتخابية وحصرها ـ تقريبا ـ ضمن  إطارات عائلية وعشائرية وأسست لخلافات سببها تعدد المرشحين داخل العشيرة الواحدة، وتقليص مساحات اللعب إلى دوائر صغيرة.
 

فعلى العكس من تلك الصورة جاء القانون الجديد كواحد من القوانين الإصلاحية ليلغي مبدأ الصوت الواحد ويفتح بوابة التواصل المجتمعي على قاعدة تعدد الأصوات، وإمكانية التنسيق خارج الإطار التقليدي عائليا وسياسيا.
فالصورة التي رسمتها تحليلات عديدة وتكررت على مدى دورات انتخابية مضت، لم تعد قائمة حيث وجدت في القانون الحالي متنفسا لها، ونجحت تفاعلات العملية الانتخابية التي بلغت ذروتها في التأكيد على إمكانية التحالف بين العشائر وتبادل الأصوات بين مرشحيها، إضافة إلى إمكانية الدمج بين الحزبية والعشائرية ضمن بوتقة واحدة وصولا إلى مخرجات يعتقد أنها مختلفة بعض الشيء، ومريحة إلى حد مقبول.
فالمطروح حاليا هو حالة من التوافق الحزبي العشائري مختلفة ـ نسبيا ـ عما سبق من تجارب كانت خلالها العشائرية رافدا رئيسيا لمختلف التيارات السياسية ولكن من طرف واحد. فالتوافق الجديد يلغي الفوارق العادية التي كانت قائمة وصولا إلى حالة قريبة من الدمج بين الطرفين.
وهناك شواهد كثيرة على ذلك، من بينها تبني بعض العشائر لأبنائها الحزبيين بشكل كامل، ودخول بعض الأحزاب في عمليات تنسيق مع بعض العشائر. واعتراف متبادل للتعاون من قبل الطرفين. والرد على أي مناكفات ناقدة لتلك الحالة تأكيدا على أن للعشائر دورا في تنفيذ الرؤية الملكية للإصلاح السياسي. وأنها لن تتوانى في القيام بهذا الدور.
وفي المحصلة هناك قراءات تؤشر إلى إيجابيات أخرى لهذا التطور، تتمثل باستعادة اللحمة التي تأثرت سلبا بقوانين الصوت الواحد، وأصبحت هناك لقاءات وزيارات ومجاملات بين أبناء المجتمع الواحد بكل تفاصيله تحت عنوان تبادل المنفعة وتوظيف الأصوات الانتخابية بشكل أكثر فاعلية. وقراءات أخرى ما تزال تحكم على العملية من زوايا سلبية.
غير أن المسألة لا تتوقف عند هذا البعد ـ بحسب قراءات أخرى حيادية ـ، فالعملية الانتخابية بتفاصيلها القانونية تحتاج إلى تفاعل أكثر عمقا واتساعا سواء لجهة ما هو مطلوب منها، أو لجهة ما تتطلبه العملية ذاتها.
فالمطلوب من عملية الإصلاح السياسي أن تفرز نوابا يحظون بقواعد شعبية واسعة، وبالتالي إلى أعداد كبيرة من الناخبين. وتبعا لذلك هناك عتبة لا بد للحزب أو للقائمة الخاصة بالدائرة المحلية اجتيازها. ما يتطلب تفاعلا واسعا من الناخبين مع أشخاص يحظون بقواعد شعبية وبرامج تستجيب لمطالبهم ولحاجات الوطن والمجتمع. 
فالعتبة بالنسبة للقوائم الحزبية تبلغ اثنين ونصف بالمائة من عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم. بينما هي بالنسبة لقوائم مرشحي الدوائر المحلية سبعة بالمائة قبل أن تعطى الهيئة المستقلة للانتخاب صلاحية تخفيضها فيما إذا لم تتعدد القوائم الحاصلة عليها.
وللتقريب، يمكن العودة إلى بعض الأرقام حول انتخابات سابقة، حيث بلغت نسبة التصويت في الانتخابات التي جرت عام 2020 على مستوى الوطن 29.9 %. وهناك حالة تفاؤل بأن تصل النسبة هذا العام إلى 35 بالمائة أو أكثر قليلا.
أما العدد الإجمالي للناخبين في الجداول النهائية للانتخابات لعام 2024، فقد بلغ حوالي خمسة ملايين ومائتي ألف ناخب وناخبة. وبالتالي فإن نسبة الحسم للقوائم الحزبية في حال بلغت نسبة الاقبال ما هو متوقع « 35 بالمائة» لن تقل عن عشرة آلاف صوت. وهو عدد قد لا يكون كبيرا بالنسبة لبعض الأحزاب لكنه كبير جدا بالنسبة لأحزاب أخرى، ويحتاج إلى تحالفات وإلى تنسيق المرشحين بشكل فردي أو جماعي مع عشائرهم. كما يحتاج إلى جهد مضاعف للحصول على أصوات تمكن الحزب من حصد المقاعد، وسط تقديرات بأن الحصول على مقعد نيابي ضمن القوائم الحزبية يحتاج إلى حوالي 40 ألف صوت.
أما القراءات في هذا الصدد فستكون مؤشرا إلى ما ستكون عليه الصورة الحزبية ما بعد العاشر من أيلول الحالي.
فالعديد من القراءات ترى أن ما بين 10 ـ 15 حزبا أو ائتلافا حزبيا فقط يمكنها اجتياز العتبة. من بينها ثمانية ـ تقريبا ـ ستحظى بعضها بمقعد واحد لكل منها والقليل منها بمقعدين. وقد لا تتجاوز أي منها السبعة مقاعد. إلا من خلال الدوائر المحلية التي سترفع منسوب الحزبية في المجلس المقبل إلى مستوى لافت. وبحيث تكون مخرجات العملية الانتخابية مؤشرا على نجاح التحالفات الحزبية العشائرية من حيث العدد، غير أن التعاطي داخل المجلس قد تكون نتائجه عكسية، بحكم أن العملية ليست تنسيقا انتخابيا فقط، وإنما تفاعلا برامجيا وتنسيقا دائما بعيدا عن الفردية التي كانت تحكم الأداء البرلماني لعقود طويلة.
لكن ذلك لا يعني الحكم المسبق على البرلمان المقبل، فكل ما حدث وما يحدث سيكون تجربة يستفيد منها الجميع في تطوير مستوى الأداء وانجاح التجربة ككل بحيث تكون الصورة مختلفة في المجالس البرلمانية المقبلة، وبحيث يتم ترسيخ أعراف برلمانية وانتخابية للبناء عليها أولا بأول. 
وعلى الصعيد الحزبي، تجمع القراءات على أن العديد من الأحزاب ستختفي، وبخاصة بعض التي لا تحقق ما هو مطلوب لعتبة الحسم. أو تلك التي تكون بعيدة عن تحقيق تلك النسبة. ما يعني أن الانتخابات ستكون تمرينا سياسيا مهما، وستسهم في صياغة الواقع السياسي الجديد بأكثر واقعية.