هل يضطر بوتين إلى “الزر الأحمر” وإعلان الحرب الثالثة؟

الغزو الأوكراني لكورسك فاجأ الروس مثلما فاجأ أصدقاء أوكرانيا. المفاجأة الموازية هي الرد الروسي؛ فبدلاً من إرسال قوات غفيرة إلى المكان لطرد الغازي، يسمحون للأوكرانيين بتوسيع سيطرتهم في كورسك ويواصلون تركيز الجهود على تقدم بطيء غرباً في مقاطعة دونيتسك في ظل سعيهم إلى السيطرة على مدينة خيركوف والمنطقة القروية في محيطها، ويشددون وتيرة الهجمات الجوية في كييف ومنشآت الطاقة في أرجاء أوكرانيا. ولئن كان دافع الغزو هو صرف قوات روسية خارج أوكرانيا، فهو هدف لم يتحقق.

لكن بدا أن لهذا الغزو ثلاثة أهداف أخرى على الأقل: أولاً، إجبار الروس على الموافقة على البحث في وقف النار، أو وضع الأوكرانيين في وضعية أفضل وقت المفاوضات، فإن هذا الهدف لم يتحقق؛ لأن الروس أعلنوا بأن الغزو أبعد كل إمكانية للمفاوضات. ثانياً، الإظهار للحلفاء في الغرب بأن استثمارهم الهائل في تأييد أوكرانيا لا يضيع هباء. إذا ما انتصر الديمقراطيون في انتخابات الولايات المتحدة، فربما يجدون أملاً لهذا الهدف أن يتحقق، أما إذا انتصر ترامب، فالأرجح أن يتوقف الدعم دون أي صلة بالتقدم الأوكراني. ثالثاً، رفع المعنويات المنهارة للسكان في أوكرانيا. في المدى القصير، يبدو أنه هدف قد تحقق، لكن الشتاء المقترب ومعه التوقع بانقطاعات واسعة للكهرباء عقب هجمات روسية، سيؤدي إلى انعكاس الميل.

بالمقابل، حقيقة أن الأوكرانيين يسيطرون على أكثر من 1000 كيلومتر مربع من أراضي روسيا الآن وهم على مسافة أقل من 40 كيلومتراً عن محطة توليد الطاقة النووية في كورسك، إنما تخدم موسكو في عدة أهداف: أولاً، تعزيز المشاعر الوطنية من خلال ذكرى المعارك في الحرب العالمية الثانية التي غزت فيها ألمانيا النازية "ماما روسيا” بمساعدة قوات أوكرانية. ثانياً، فرصة للعودة والتهديد لاستخدام السلاح النووي إذا تضرر المفاعل النووي في كورسك. وثالثاً، الغزو يخفف القوات الأوكرانية في دونيتسك وربما يخلق فرصة لتقدم أسرع هناك.

الكثيرون يتمنون أن يؤدي غزو كورسك إلى إنهاء الحرب وانسحاب روسيا من أوكرانيا. وهذا سيناريو غير واقعي. عملياً، اقتراب روسيا من هزيمة مهينة تؤدي إلى الانسحاب من أوكرانيا وفقدان لمقاطع من أراضيها، ينبغي أن يكون مقلقاً أكثر؛ لأن ذلك قد يقرب بوتين بمسافة لمسة من "الزر الأحمر” الذي سيشعل حرباً عالمية ثالثة.

فهل سيغير الغزو مسار الحرب؟ ثمة مكان للأمل دائماً، لكن التاريخ يفيد بأن تغييرات كهذه لا تتحقق إلا من خلال قوى داخلية – روسيا خرجت من الحرب العالمية الأولى بعد ثورة 1917 وانسحبت من أفغانستان عندما بدأ الاتحاد السوفياتي يتفكك من الداخل في 1989. حتى الآن، لا مؤشرات على أن ثورة داخلية روسية ستقع قريباً.

معظم اهتمامنا منصب هذه الأيام على تحديات حربنا، لكن يجب أن نكون يقظين أيضاً لما يجري في حرب روسيا أوكرانيا، لأن التعبير القائل "الشر يأتي من الشمال”، ربما يتحقق في هذا السياق أيضاً.