عمان التي لا تصوت
الصورة النمطية السائدة أن عمان «البرجوازية» غالبًا ما تتخلف عن التصويت بكثافة في كل دورة انتخابية، والاعتقاد أن العديد من سكان عمان يعاملون يوم الاقتراع كما لو كان عطلة أو يومًا للتنزه بحاجة لإعادة نظر.
هذا التنميط والتندر لم يعد دقيقًا في ظل المعطيات الحالية، فالدائرة الثالثة سابقًا، التي تشمل مناطق مثل عبدون وأم أذينة في عمان الغربية ومخيم الحسين والمهاجرين في عمان الشرقية، هي واحدة من أهم الدوائر الانتخابية بفضل تنوعها الاجتماعي والسياسي، وتضم هذه الدائرة مجموعة متنوعة من الطبقات الفقيرة والطبقات الوسطى، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من أبناء المحافظات الذين يعيشون فيها لأغراض السكن والعمل.
عزوف عمان بمكوناتها يحتاج تحليلاً علميًا يستند إلى قاعدة بيانات تفسر السلوك الانتخابي بمساعدة علماء الاجتماع والعلوم السياسية والمختصين، وأطرح هنا مجموعة من الفرضيات التي تحتاج إلى الإثبات أو الدحض.
الفرضية الأولى أن بعض سكان عمان من أبناء المحافظات الجدد، ممزقون بين جذورهم وبين التغيرات الاجتماعية والمهنية والنفسية التي فرضتها طبيعة حياتهم في عمان؛ فكثرة النشاطات الاجتماعية والمتطلبات المدرسية والجامعية، بالإضافة إلى طول ساعات العمل وأزمة السير الخانقة، قللت من فترات تواجدهم في محافظاتهم الأصلية لتقتصر على زيارة الأهل، وتقديم واجبات العزاء والاعراس. وبذلك أصبح الجيل الثاني والثالث من أبناء المحافظات أقرب إلى عمان لكنه لم يندمج فيها لأنه ما يزال ممزقًا بين هنا وهناك.
عدم الاندماج والتفاعل مع عمان المدينة، كأي مدينة في العالم، سبّب العديد من الإشكاليات. أولها فقدان الهوية المدنية التي تتطور من هوية فردية إلى هوية مجتمعية تعمل من أجل الكل، وهي بالمحصلة الدافع للمشاركة المدنية والسياسية. كما أن عدم الاندماج والعزلة الاجتماعية عن المدينة وليس عن الناس، يقلل من معرفتهم بقضايا المدينة وما يجري حولهم فيبدو وكأنهم يعاملون عمان كمقر سكن ومكان نشاط ترفيهي ولا يتفاعلون معها بشكل حيوي. بالطبع، سوء التخطيط الحضري للمدينة وعدم وجود تفاعلات ثقافية ومساحات تفاعلية كغياب المسارح والمتنزهات المجانية والغابات يجذر من هذه العزلة.
أما الفرضية الثانية فتتعلق بالبعض الآخر من سكان عمان من أصحاب المصالح الخاصة مثل رجال الأعمال والمصرفيين والتجار وبعض المجموعات الأخرى، الذين ما زالوا يعتمدون على «التشبيك» من خارج مجلس النواب لاعتقادهم أن هذا المسار الأسرع والأكثر أمنا، فيعززون روابطهم وتأثيرهم مع الدولة عبر قنوات غير رسمية، بشكل قد يؤدي في معظم الأحيان تأثير غير متوازن على عملية التشريع ويضعف الشرعية الديمقراطية.
والجزء المتبقي من أهل عمان جاهز للاشتباك سياسيا ولكنه ما زال يبحث عمن يقنعه ويمثله وباعتقادي لم تخرج أي من القوائم الوطنية للحديث بوضوح عن الحريات العامة والحريات الشخصية وحرية الفن والابداع ولم تدافع عن نوعية حياة الناس وحريتهم بالاختيار ومن دافع قام بذلك باستحياء.
هاتان الفرضيتان عن عمان وسكانها وسلوكها الانتخابي بمعزل عن حصة الإسلاميين فيها وبخاصة عمان الشرقية، لما لحزب جبهة العمل الإسلامي حضورا وجماهيرية فيها.
خلاصة القول، إن عمان التي لا تصوت ليست عمان «البرجوازية» بل هي عمان المستنكفة التي تحتاج إلى خطة إنعاش اجتماعي على طريقة جوزف دوناتو والتي أثبتت نجاحها في فترة الستينيات في لبنان. عمان تحتاج لسياسات اجتماعية وعمرانية وثقافية فعّالة تساعد على تعزيز المشاركة المدنية.
عمان التي لا تصوت ستغير قواعد اللعبة السياسية، فهي مطبخ السياسات ومركز القوى العاملة، والأكاديمية والسياسية والاقتصادية، وتغيير السياسات يحتاج لمزيد من الاندماج مع المدينة ومشاكلها، وهذا يتطلب تدخل الفاعلين على كل المستويات الحكومية والسياسية والحزبية والمدنية لمزيد من الاندماج والاستنفار لهذه الطبقات.
عزوف عمان بمكوناتها يحتاج تحليلاً علميًا يستند إلى قاعدة بيانات تفسر السلوك الانتخابي بمساعدة علماء الاجتماع والعلوم السياسية والمختصين، وأطرح هنا مجموعة من الفرضيات التي تحتاج إلى الإثبات أو الدحض.
الفرضية الأولى أن بعض سكان عمان من أبناء المحافظات الجدد، ممزقون بين جذورهم وبين التغيرات الاجتماعية والمهنية والنفسية التي فرضتها طبيعة حياتهم في عمان؛ فكثرة النشاطات الاجتماعية والمتطلبات المدرسية والجامعية، بالإضافة إلى طول ساعات العمل وأزمة السير الخانقة، قللت من فترات تواجدهم في محافظاتهم الأصلية لتقتصر على زيارة الأهل، وتقديم واجبات العزاء والاعراس. وبذلك أصبح الجيل الثاني والثالث من أبناء المحافظات أقرب إلى عمان لكنه لم يندمج فيها لأنه ما يزال ممزقًا بين هنا وهناك.
عدم الاندماج والتفاعل مع عمان المدينة، كأي مدينة في العالم، سبّب العديد من الإشكاليات. أولها فقدان الهوية المدنية التي تتطور من هوية فردية إلى هوية مجتمعية تعمل من أجل الكل، وهي بالمحصلة الدافع للمشاركة المدنية والسياسية. كما أن عدم الاندماج والعزلة الاجتماعية عن المدينة وليس عن الناس، يقلل من معرفتهم بقضايا المدينة وما يجري حولهم فيبدو وكأنهم يعاملون عمان كمقر سكن ومكان نشاط ترفيهي ولا يتفاعلون معها بشكل حيوي. بالطبع، سوء التخطيط الحضري للمدينة وعدم وجود تفاعلات ثقافية ومساحات تفاعلية كغياب المسارح والمتنزهات المجانية والغابات يجذر من هذه العزلة.
أما الفرضية الثانية فتتعلق بالبعض الآخر من سكان عمان من أصحاب المصالح الخاصة مثل رجال الأعمال والمصرفيين والتجار وبعض المجموعات الأخرى، الذين ما زالوا يعتمدون على «التشبيك» من خارج مجلس النواب لاعتقادهم أن هذا المسار الأسرع والأكثر أمنا، فيعززون روابطهم وتأثيرهم مع الدولة عبر قنوات غير رسمية، بشكل قد يؤدي في معظم الأحيان تأثير غير متوازن على عملية التشريع ويضعف الشرعية الديمقراطية.
والجزء المتبقي من أهل عمان جاهز للاشتباك سياسيا ولكنه ما زال يبحث عمن يقنعه ويمثله وباعتقادي لم تخرج أي من القوائم الوطنية للحديث بوضوح عن الحريات العامة والحريات الشخصية وحرية الفن والابداع ولم تدافع عن نوعية حياة الناس وحريتهم بالاختيار ومن دافع قام بذلك باستحياء.
هاتان الفرضيتان عن عمان وسكانها وسلوكها الانتخابي بمعزل عن حصة الإسلاميين فيها وبخاصة عمان الشرقية، لما لحزب جبهة العمل الإسلامي حضورا وجماهيرية فيها.
خلاصة القول، إن عمان التي لا تصوت ليست عمان «البرجوازية» بل هي عمان المستنكفة التي تحتاج إلى خطة إنعاش اجتماعي على طريقة جوزف دوناتو والتي أثبتت نجاحها في فترة الستينيات في لبنان. عمان تحتاج لسياسات اجتماعية وعمرانية وثقافية فعّالة تساعد على تعزيز المشاركة المدنية.
عمان التي لا تصوت ستغير قواعد اللعبة السياسية، فهي مطبخ السياسات ومركز القوى العاملة، والأكاديمية والسياسية والاقتصادية، وتغيير السياسات يحتاج لمزيد من الاندماج مع المدينة ومشاكلها، وهذا يتطلب تدخل الفاعلين على كل المستويات الحكومية والسياسية والحزبية والمدنية لمزيد من الاندماج والاستنفار لهذه الطبقات.