كوندليزا رايس تكتب: محذرة من.. مخاطر «انعزال» الولايات المتحدة..
هي أشهرُ من أن تُعرّفْ.. وهي صاحبة ومُنظّرِة مشروع «الشرق الأوسط الجديد», الذي أشهرته بـ«قوة» وتفاؤل مُستفِزّ, غداة الحرب الوحشية, التي شنَّها العدو الصهيوني في تموز/2006 على لبنان الشقيق, والتي انتهت بهزيمة نكراء لحلف الشر الصهيوأميركي كما هو معروف. وهي دائماً أحد «صقور» حقبة المُحافظين الجُدد السوداء, الذين أحكموا سيطرتهم على المشهد الدولي, خاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/2001, وهي خاصة/ كوندليزا رايس, التي شاركتْ ديك تشيني/نائب بوش الابن, ودونالد رامسفيلد/ وزير الحرب, في إحكام قبضتهم على إدارة وقرارات أكثر الرؤساء الأميركيين, جهلاً بالسياسة وفقراً في رجاحة الفكر, وهو جورج دبليو بوش (ربما يُقارِبه دونالد ترمب في مساره ومسيرته بهذا الشكل أو ذاك). وقد عادت الآن إلى الأضواء, عبر مقالة مُطولة في فصلية «فورين أفيرز» الأميركية/عدد أيلول وتشرين الأول/2024, (ترجمَها ونشرَها موقع «إندبندت عربي» الإلكتروني).
وإذ ترى «رايس» التي شغلتْ منصب وزيرة الخارجية الأميركية (2005–2009)، ومستشارة الأمن القومي قبل ذلك (2001 ــ 2005). وتشغل الآن مديرة لـِ"مؤسسة هوفر» بجامعة «ستانفورد». نقول: وإذ تزعم رايس في مقالتها هذه, أن «العالم» ما يزال بحاجة إلى حضور «فاعل» لواشنطن. لافتة إلى أن «التيار الانعزالي الأميركي, يُهدّد النظام العالمي الحُرّ", فإن القراءة المُعمقة لمقالتها تزيد من الثقة, بأن رايس لم تُغادر مُربع المُحافظين الجُدد, على الرغم مما حفلت به حقبتهم الدموية التي استمرت ثماني سنوات, من عسكرة مُخيفة للعلاقات الدولية, ومن شن الحروب العدوانية, ودائما في تعميم «مبدأ بوش الابن", الذي يقول: «مَن ليس معنا فهو ضدنا». (بإفتراض أنه من بنات أفكاره. فيما يعلم الجميع أن الثلاثي.. تشيني ورامسفيلد ورايس, هم مَن صاغوا هذا المبدأ الإمبريالي المُتغطرس).
مضامين مقالة رايس تَغرِف من «تراث» استعماري معروف, ينهض على نظرية «تفوّق» الرجل الأبيض, الذي يرى في الشعوب الأخرى (غير البيضاء), شعوباً مُتخلفة لا تصلح إلا لخدمة الرجل الأبيض، صاحب «الحق» في استعبادها ونهب ثرواتها, تحت طائلة الغزو والاجتياح والقتل. لكنها/ رايس في إتكائها على هذا التراث الاستعماري البغيض والمُشين, تُضيء على راهن عالمنا الحالي, خاصة بعد التغييرات التي طرأت على المشهد الدولي, وبدء أفول حقبة ما بعد الحرب الباردة, التي تربّعت فيها «مُنفردة» الولايات المتحدة الأميركية على مقعد الصدارة, دون أن تعترِف/ رايس بذك, بل ذهبت بعيداً في الحطِّ من مكانة روسيا, والتحذير من «استبدادية» الشيوعية الصينية, مُستعيدة أجواء ومناخات الحرب الباردة, ولكن في حال «إنكار» لمرحلة أفول الهيمنة الأميركية على العالم, وبروز مؤشرات جادة وحقيقية على عالم مُتعدد الأقطاب, تكون فيه الولايات المتحدة واحدة بين مُتساوين, وليس «قائدة او كاتبة لجدول أعماله", كما كانت الحال في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة, وتفكّك الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو ومنظومة الدول الاشتراكية.
والحال هذه فإن كوندليزا رايس لا تردّد في القول: إن عالمنا اليوم يعيش أجواء شبيهة بالحرب الباردة (كـ"تشبيه مُفضّل».. كما كتبت حرفياً), مضيفة: أنه ومع تولّي «الصين» حالياً دور الاتحاد السوفياتي, تُواجه الولايات المتحدة مرّة أخرى, خصماً يتمتّع بنفوذ عالمي وأطماع نَهِمة، وبالطبع هذا التشبيه - تُتابع رايس- جذاب بخاصة, لأن الولايات المتحدة وحلفاءها, انتصروا في الحرب الباردة، ولكن الفترة الحالية «ليست تكراراً للحرب الباردة, بل هي أكثر خطورة، فالصين ليست الاتحاد السوفياتي».
في الواقع -تستطرِد- كان الاتحاد السوفياتي «مُنعزلاً على نفسه", مُفضلاً الاكتفاء الذاتي على الاندماج، في حين أن الصين «أنهت عزلتها في أواخر السبعينيات من القرن الـ"20». والاختلاف «الثاني» بين الاتحاد السوفياتي والصين هو دور «الايديولوجية»، فبموجب «مبدأ بريجنيف» الذي حكمَ أوروبا الشرقية، كان على «الحليف أن يكون نسخة طِبق الأصل عن الشيوعية السوفياتية». أما الصين فعلى النقيض من ذلك, فهي «لا تهتم كثيراً بالشؤون والأنظمة الداخلية الخاصة بالدول الأخرى»، وهي «تُدافع بشدة عن أسبقية الحزب الشيوعي الصيني وتفوّقّه»، لكنها «لا تُصر على أن يعتمد الآخرون نظاماً مُطابقاً»، على رغم استعدادها لدعم «الدول الاستبدادية» من خلال «تصدير تقنيات المراقبة, وخدمات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها».
وإذا لم تكن المُنافسة الحالية «نُسخة ثانية» من الحرب الباردة... فما هي إذاً؟. تساءلتْ/رايس بخبث إمبريالي معروف.
ماذا بعد؟ وأين من هناك؟
نُكمِل غداً.