المرأة الأردنية وصندوق الاقتراع
ذهبت بعض الدساتير والقوانين الانتخابية الى جعل حق الانتخاب مقصوراً على الرجال دون النساء( الذكور دون الاناث)، وبقي هذا الحال حتى اوائل القرن العشرين سمةً غالبة لمعظم الأنظمة السياسية في العالم، ولم يكن إعطاء النساء الحق في الانتخاب- في تلك الفترة- إلا أعجوبة دستورية.
الا انه ومع استقرار الأنظمة السياسية وتشبعها بروح الديمقراطبة الحقيقية، وتزايد نمو وانتشار حركات تحرير المرأة، فقد ذهبت غالبية الدساتير والقوانين في العالم الى الاعتراف للنساء بحق الانتخاب والترشيح.
وكان الاتحاد السويسري ونيوزلاندا من اواخر الدول التي قررت حق الانتخاب للنساء، حيث أخذت به سويسرا عام 1971 ونيوزلندا عام 1983.
ويبرز الأردن كأنموذج رائد في توفير الفرص المتساوية للمشاركة السياسية للمرأة من بين البلدان التي تسعى إلى تعزيز دور المرأة في الساحة السياسية. فالدستور الاردني لعام 1952 لم يتطرق الى مسألة التمييز بين الرجل والمرأة في موضوع الانتخاب، وان كان قد عبر بشكل موجز في المادة 67 عن حرصه على تقرير مبدأ الانتخاب العام في انتخابات أعضاء مجلس النواب. ولذلك جاء قانون الانتخاب ليساوي بين الرجل والمرأة في حق الانتخاب بحيث عرف الاردني " كل شخص ذكر أو انثى يحمل الجنسية الأردنية". أما القانون الحالي رقم 4 لسنة 2022 فلم يفرق بين الذكر والأنثى في أحكامه، اذ عرف الناخب " كل اردني له الحق في انتخاب مجلس النواب وفق احكام القانون"
ودور المرأة في ابداء الرأي والمشاركة في الحياة السياسية كان منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد شاركت النساء في بيعة العقبة الثانية اذ شاركت امرأتان من الاوس في هذه البيعة وهن نسيبة بنت كعب المازنية ( ام عمارة) و اسماء بنت عمرو بن عدي، ولذلك فان الشريعة الاسلامية قد منحت المرأة مكانتها في عهد مبكر منذ انطلاق الدعوة الاسلامية وكانت السباقة في ذلك قبل الانظمة الغربية التي لم تعترف بهذه المكانة الا في عهد قريب.
واليوم تستعد المرأة الأردنية لخوض غمار الانتخابات البرلمانية في ظل التعديلات الدستورية التي منحها إياها قانون الانتخاب الجديد، بدءا بالاشتراط لترخيص الحزب ألا تقل نسبة عدد السيدات الأعضاء فيه عن 20 بالمئة من كامل عدد أعضاء الحزب، مرورا بإضافة بندين أساسين على المادة السادسة لدعم المرأة، فأصبحت الكوتا على مستوى الدائرة الانتخابية بدل المحافظة، ما يعني أن الحد الأدنى لوجود المرأة في مجلس النواب المقبل سيكون 18 على عدد الدوائر الانتخابية، وليس 15 كما كانت سابقا، وعلى مستوى القائمة الحزبية من أول 3 مترشحين يجب أن تكون امرأة، ومن أول 6 يجب أن تكون امرأتين.
وتعتبر التعديلات الدستورية على القانون الجديد دفعة قوية للمرأة في العمل السياسي، ما يفرز عددا غير مسبوق من النساء في مجلس النواب الـــــ 20. حيث ستجري انتخابات 2024 وفقا لقانون انتخاب جديد يتعلق بمشاركة المرأة بصورة أوسع في الحياة السياسية والبرلمانية، سواء بالنسبة للكوتا أو بالنسبة لترتيبها في القائمة الحزبية على أساس مبدأ التنافس، ما رفع وتيرة الاستعدادات بالنسبة للنساء الراغبات في المشاركة، وترشيح أنفسهن لخوض انتخابات 2024، ولا سيما من خلال القائمة الحزبية نظرا لكونها تجربة جديدة، تحمل في طياتها أفقا لتطور الحالة السياسية في المملكة.
ولهذا فإن الأردن الرسمي والشعبي يستعد لكتابة فصلاً جديداً في تاريخه السياسي وذلك على اعتبار أن هذه الانتخابات هي الأولى بعد صدور التعديلات الدستورية والقانونية، خاصة تلك المتعلقة بقانونيّ الإنتخاب والأحزاب.
وعلى هذا الأساس، فإنه من المتوقع أن نشهد أول حكومة بنكهة برلمانية، وأن الأردن السياسي بعد العاشر من ايلول سوف يكون بلا شك مختلفاً عن الأردن السياسي الذي عرفناه سابقا.
أما فيما يتعلق بالمرأة الأردنية بصورةٍ خاصة فإن الانتخابات النيابية القادمة ستكون لها فرصة تاريخية غير مسبوقة، حيث ولأول مرة -كما اشرنا- يُخصص للمرأة 18 مقعد على نظام الكوتا علاوة على أن قانون الإنتخاب الحالي يُلزم الأحزاب الأردنية بتخصيص مقعدين على الأقل للمرأة من ضمن المقاعد الستة الأولى التي سوف تخوض بها الاحزاب الانتخابات البرلمانية القادمة.
وهذا يلقي على المرأة الأردنية عبئاً ومسؤولية كبيرة، فهي مطالبة اليوم اكثر من اي وقت مضى بالعمل الجاد والحثيث للوصول إلى مجلس النواب من خلال التنافس الحر؛ فمن غير المقبول أن تبقى المرأة الأردنية معتمدة بالكامل على مقاعد الكوتا المخصصة للمرأة من ضمن مقاعد مجلس النواب أوعلى المقاعد المخصصة للمرأة التي فرضها قانون الانتخاب في القائمة العامة!!!
وهذا المطلب أو الطموح ليس صعبا أو مستحيلاً بل هو مُحتملاً جداً، سيما وأن المجالس النيابية السابقة شهدت عدداً لا بأس به من الأردنيات حصلنّ في على مقاعد من خلال التنافس الحُر.
وبناء عليه فان المرأة الأردنية اليوم مطالبة بأن تُشارك باندفاع أكبر في الانتخابات القادمة، فهي تتحمل جانباً من المسؤولية في انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية السابقة. وبالتالي فإن عليها واجب وطني في رفع نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة لتصل الى نسبة 50% على الأقل، وذلك لأن الوصول الى هذه النسبة من المشاركة في الانتخابات هي فقط الكفيلة بإفراز مجلس نواب يُمثّل حقيقة المجتمع الأردني بكافة أطيافه.
فكلما كان مجلس النواب مُتمكناً ومؤهلاً لتحمل مسؤولياته، كلما نجحنا في مواجهة التحديات التي نعاني منها وخاصةً تلك المتعلقة بالحريات وتحقيق العدالة الاجتماعية بإتاحة فرص التعليم النوعي والتأمين الصحي الشامل والحماية الاجتماعية ومحاربة الفقر والبطالة وتهيئة البيئة الآمنة للاستثمار وغيرها.
كما ينبغي على المرأة الأردنية أن تثق هي بنفسها وبقدراتها أولاً وأن تثق أيضاً بقرينتها المرأة التي قررت تمثيله وخوض الانتخابات نيابةً عنها. فثقة المرأة بالمرأة وتقديرها لقدراتها هي اساس لإيصال أكبر عدد ممكن من النساء لقبة البرلمان، سيما وانه وبحسب الهيئة المستقلة للانتخاب فقد بلغ عدد الاناث ضمن جداول الناخبين
2,689,926 ناخبة وبنسبة 52.6% بينما بلغ عدد الذكور 2,425,293 وبنسبة 47.4%، مما يعني ان هناك فرصة ذهبية لاكتساح المرأة صناديق الاقتراع.
ولكن لا بُد من الإشارة هنا الى ما تم رصده في الانتخابات البرلمانية والمحلية السابقة بأن عدد الأصوات الذي كانت تحصل عليه المرشحات من الصناديق المخصصة لإقتراع الرجال كانت أكثر من تلك التي كانت تحصل عليها المرشحات من الصناديق المخصصة لإقتراع النساء.
فهل تفعلها المرأة الأردنية و تُحدِث نقلة نوعية وتدفع بأعداد غير مسبوقة من الأردنيات الى قبة البرلمان ليس فقط على أساس المقاعد المخصصة للكوتا النسائية في القائمة العامة والقوائم المحلية بل من خلال التنافس الحر؟
*اقتصادي وقانوني وخبير مصرفي