مأساة 3 شقيقات تخلى عنهن الأهل واحتضنهن كهف بلا حياة على أطراف البلقاء

"عتاب" و"اعتمار" و"رحاب" ... ثلاث شقيقات تجاوزن العقد الثالث من أعمارهن يعشن خارج حدود الزمن وبعيدا عن أنظار البشر في ظل وضع أقل ما يمكن وصفه بالمأساة الإنسانية .. فمنذ نعومة أظفارهن أفقن على العيش في جرف صخري لا يصلح أن تعيش فيه حتى الحيوانات ولا تتوافر فيه أدنى مقومات الحياة في منطقة جبلية تقع في الأطرف الشمالية لمحافظة البلقاء وتبعد عن أقرب منطقة مأهولة بالسكان كيلو مترات عديدة ولا يمكن الوصول إليها إلا بعد قطع مسافة طويلة من الطرق الوعرة وغير المعبدة والسير على الأقدام .

في حالة الشقيقات الثلاث فقد انقلبت قاعدة « عقوق الأبناء للوالدين « إلى « عقوق الوالدين لبناتهم « فقد تخلت عنهن عائلتهن المكونة من والدين وشقيقين وأربع أخوات متزوجات منذ ما يزيد عن عشر سنوات ليعشن في هذا الجرف الصخري القاسي في ملامحه دون معيل لهن فتركن لمصيرهن دون أدنى رحمة أو شفقة فغابت كل المعاني والقيم الإنسانية والدينية دون وازع من ضمير .

الشقيقة الوسطى « اعتمار « تروي للدستور التي زارت الشقيقات برفقة رئيسة جمعية أبواب الرحمن منى الزعبي مأساتهن حيث أنهن ولدن وتربين في هذا الجرف مع عائلتهن التي تمتهن تربية الماشية من أغنام وأبقار وغيرها وأنهن لم يذهبن إلى المدرسة باستثناء شقيقتهن الصغرى التي أكملت حتى الصف التاسع لكونها ترافق شقيقها للمدرسة وبعد أن كبر والداها وأصاب الوالدة المرض انتقلا للعيش في منزل لهما في القرية المجاورة لتلك المنطقة وبعد زواج أخويها وأربع من أخواتها تركن ليعشن وحدهن في هذا الجرف بعد أن طردهن والدهن ورفض أن يسكنهن في منزله معتبرا أن وجودهن في هذه الحياة فقط من اجل رعي أغنام ماشية شقيقيهما وخدمتها في تلك المنطقة الموحشة .

وتواصل « اعتمار « سرد قصتها هي وشقيقتيها وتقول انهن يفضلن العيش في هذه الظروف على العودة إلى منزل والدهن لما فيه من قسوة وسوء المعاملة رغم أنهن غير مرحب فيهن على كل الأحوال .. و حول كيفية حصولهن على الطعام تقول من خلال ما نجده من نباتات وأعشاب في المنطقة ومن بعض الزوار الذين يأتون إلى هذه المنطقة بهدف السياحة وحب المغامرة وعندما اكتشفوا وجودنا هالهم ما شاهدوه وأصبحوا كل فترة يأتون لنا ببعض الطعام والحاجيات الأخرى أما الماء فنحصل عليه من خلال نبع عين صغير موجود في نفس المنطقة وهن لم يلجأن إلى أي جهة رسمية أو أهلية لمساعدتهن للخروج من هذا العذاب لجهلن كيفية الوصول إلى تلك الجهات . وفي مفارقة مضحكة مبكية تقول الشقيقة الوسطى أن أفضل أيام حياتها كانت عندما رقدت في المستشفى اثني عشر يوما بعد أن لدغتها أفعى أثناء رعيها للأغنام وسارت مسافة طويلة حتى وصلت لاحدى المزارع التي يعمل بها مجموعة من العاملين الوافدين وقاموا بإسعافها للمستشفى حيث نامت لأول وأخر مرة على سرير وتذوقت الطعام الحقيقي وحظيت بعناية ورعاية لم تختبرها في حياتها أبدا متمنية تكرار هذه التجربة أما الشقيقة الكبرى فقد تعرضت في صغرها لكسر في يدها وتم إهماله ولم يجبر فتسبب ذلك لها بعاهة في يدها تعاني منه حتى الآن.

رئيسة جمعية أبواب الرحمن منى الزعبي تشير إلى أنها عندما سمعت بقصة الشقيقات في البداية لم تصدقها حتى قامت بزيارتهن فصعقت بما رأته وسمعته وتؤكد .. أن ما يحدث لهن تعدى مرحلة الاستعباد فحتى العبيد يحظون بالمأكل والملبس والسكن أما هن فتم التخلي عنهن من الجميع دون أدنى شعور بالذنب أو عذاب الضمير فلم يشفع لهن وازع من ضمير أو رادع ديني أو قيمي أو أخلاقي فكيف يعقل أن تترك ثلاث فتيات في مقتبل العمر أن يعشن وحدهن في هذه المنطقة الموحشة والقاسية والبعيدة دون أن يكون لهن معيل وفوق ذلك كله يجبرن على العمل في رعي الأغنام دون أن يكون لهن الحق حتى في الحصول على ما يسد رمقهن من حليب أو غذاء من خير هذا الحلال كما روين لها.

وتضيف الزعبي أنها ستعمل من خلال الجمعية والجهات المعنية الأخرى على نشل الشقيقات الثلاث من بؤس العيش والحياة التي يواجهنها والعمل على ايجاد حياة أفضل لهن ويكفيهن ما تكبدن خلال السنوات الطويلة الماضية مناشدة أهل الخير والإحسان إلى نجدة الفتيات من الأوضاع المزرية التي يعشنها فقصتهن لا تشبه أي قصة أخرى .