الصندوق الأردني للاستثمار في البنية التحتية
مجد شفيق
يشكل تطوير البنى التحتية في بلدان الشرق الأوسط، والأردن من ضمنها، تحديا كبيرا لحكومات تلك الدول، وبالأخص من منظور ترتيب التمويل المطلوب لهذه المشاريع المتعددة في قطاعات مختلفة كالمياه والطاقة والمواصلات وغيرها. حيث تواجه حكومات المنطقة سؤالا أساسيا يتمحور حول كيفية الحفاظ على حجم الاستثمارات اللازمة لتطوير البنى التحتية من جهة، والضرورية لدعم النمو الاقتصادي والقدرة التنافسية للدولة، وضرورة السيطرة على عجز الموازنة وخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، من جهة أخرى ــ والسؤال الأكثر أَرَقاً لحكومات الدول العربية، خاصة الغير نفطية.
تواجه دول المنطقة تحديات اقتصادية مماثلة بدرجات متفاوتة من الحدة، كضرورة زيادة وتيرة النمو الاقتصادي، وخفض البطالة، وتحفيز الاستثمار المحلي والدولي (المباشر وغير المباشر)، والسيطرة على عجز الموازنة، والسيطرة على عجز الحساب الجاري، وزيادة احتياطيات النقد الأجنبي، ومعالجة تحديات التمويل والسيولة التي تواجه القطاعين العام والخاص.
ويغلب على تمويل مشاريع البنى التحتية في منطقتنا طابع التمويل بالاقتراض، سواءً كان هذا الاقتراض من قبل الحكومات أو من قبل المشاريع ذاتها، ومن مصادر محلية كالبنوك التجارية، أو من مؤسسات تمويل دولية أو حكومات أجنبية، وبشروط تفضيلية أو تجارية بحتة، حسب الظروف.
إلا أنه، ونظراً للواقع المالي الجديد الذي بدأ بالظهور شيئا فشيئا في الدول العربية، من نمو في أعداد السكان وما يولده ذلك من ضغوطات على بنى تحتية مهلهلة وضرورة انشاء أخرى جديدة تلبي حاجات الحاضر والمستقبل، ومن ارتفاع في سقوف توقعات الشعوب العربية فيما يتعلق بمستويات معيشتها وما باتت تتوقعه تلك الشعوب من حكوماتها من دعم للحفاظ على ما تم الحصول عليه أو على الأقل عدم خسارة جزء من حقوق أضحت مكتسبة، بدأت حكومات المنطقة بالتفكير "خارج الصندوق" في كيفية الاستخدام الامثل الموارد للمالية المتاحة لتلبية احتياجات متعددة متزايدة، بما في ذلك متطلبات تطوير البنى التحتية.
وبدء مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، كأحد الأساليب التي من الممكن استخدامها لرفد الموارد المتاحة لتمويل مشاريع البنى التحتية، بالظهور وبأشكال مختلفة في عدد من الدول العربية. وعلى الرغم من أن هذا المفهوم ما زال في طور التمحور إلا أن تطبيقاته الأولية تشير إلى أن تنفيذ مشاريع البنى التحتية من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص سيكون له أكبر الأثر في رفع سويتها من منظور توفير التمويل اللازم لهذه المشاريع، بما في ذلك جلب الاستثمارات الإقليمية والدولية لبلد معين، واستقطاب الإدارة المتخصصة والخبرة الفنية لبناء وتشغيل هذه المشاريع بمهنية عالية تضاهي الممارسات العالمية المُثلى.
إن تمويل مشاريع البنى التحتية له نكهة مختلفة مقارنة بتمويل الاستثمارات والمشاريع التجارية ــ فمشاريع البنى التحتية عادة ما تكون كبيرة، وتتطلب ما يسمى بلغة المال والتمويل "فحصا نافيا للجهالة (العناية الواجبة)" أكثر كلفة. وكثيرا ما تحدث تأخيرات في تنفيذ مشاريع البنى التحتية لأسباب مختلفة، مما يزيد من كلفة هذه المشاريع، كما أن بعض مشاريع البنى التحتية الضرورية لاقتصاد بلد ما قد لا تكون مجدية من منظور تجاري استثماري بحت، وعادة ما تتطلب استثماراً مقدماً ضخماً يتم سداده على مدى فترة طويلة من الزمن، وتميل عمليات السداد إلى الاعتماد على رسوم الاستخدام التي ستدفع من قبل مستخدمي بنية تحتية معينة، كأوتوستراد أو مشرع نقل مياه، كما أن الحصول على رأس المال الطويل الأجل ليس بالأمر السهل، خاصة للدول ذات أسواق رأس المال الأقل تطوراً، وقد يتطلب توفير ضمانات إضافية من جهات تمويل دولية لتعزيز الملاءة المالية للمشروع.
إن إدخال مفهوم الشراكات بين القطاعين العام والخاص مؤخراً في المناقشات الاقتصادية والمالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يشكل تطوراً صحياً فيما يتعلق بتمويل مشاريع البنى التحتية، حيث تسمح هذه الشراكات بالاعتماد على نقاط القوة لدى كل من مؤسسات القطاع العام والصناديق الاستثمارية في القطاع الخاص للحد من مخاطر تمويل هذه المشاريع وتحفيز أصحاب المصلحة على المشاركة في تطويرها وإدارتها.
وتُعَد ما يسمى بصناديق الاستثمار في البنى التحتية من أدوات التمويل الأساسية المنبثقة عن مفهوم شراكات القطاع العام والقطاع الخاص. وعادة ما تكون هذه الصناديق كيانات قانونية مستقلة، تستثمر في وتُقرض أموالها لمشاريع بنى تحتية مختلفة، مما يسمح بتوزيع مخاطر الاستثمار بين عدة قطاعات. وتستهدف هذه الصناديق المستثمرين الافراد والمؤسسات لجمع الأموال منهم، كما يمكن إدراجها وحداتها الاستثمارية في بورصة (سوق أوراق مالية) مما يمكن من الدخول أو الخروج من الصندوق الاستثماري خلال فترات زمنية محددة وبسعر "القيمة الصافية للأصول" في الصندوق في تلك الفترة.
ومع قرب البدء بتنفيذ مشروع البنية التحتية الأهم والتاريخي في المملكة الأردنية الهاشمية، وهو مشروع الناقل الوطني للمياه، قد يكون من المناسب على الحكومة الأردنية التفكير خارج الصندوق فيما يتعلق بتمويل هذا المشروع، وإنشاء صندوق أردني للاستثمار في البنى التحتية يكون الاستثمار فيه متاحا للمواطن الأردني والمؤسسات المختلفة المحلية والعربية والدولية، تدرج وحداته الاستثمارية في بورصة عمّان، ويقوم الصندوق بدوره في الاستثمار بجزء من رأس مال مشروع الناقل الوطني للمياه.
ومما لا شك فيه أن مثل هذه الخطوة ستوفر مصادر مالية مرادفة لما هو مطلوب لتنفيذ مشروع الناقل الوطني، وستدعم سوق الأوراق المالية الأردني، وستوفر قناة استثمارية للمواطن الأردني لاستثمار جزء من مدخراته في صندوق استثماري يدار بمهنية وحرفية عالية، مع ما يتأتى من ذلك من شفافية وعدالة في توزيع المكتسبات الاقتصادية في البلد.