صحيفة إسرائيلية: الضفة الغربية في “نقطة الغليان”.. واليمين المتطرف يصب الزيت على النار
الجيش الإسرائيلي ينفذ منذ الأمس ثلاث عمليات على مستوى ألوية في شمال الضفة الغربية. في مدينة جنين ومخيم الفارعة للاجئين في الغور، وفي مخيم نور شمس للاجئين في طولكرم. خلال أقل من يوم، تم الإبلاغ عن عشرة قتلى فلسطينيين بالنار الإسرائيلية. النشاطات العنيفة تعكس ارتفاعاً كبيراً في حجم الإنذارات حول تنفيذ عمليات قريبة، لكن التوتر يزداد أيضاً على خلفية إسهام إسرائيل الذي يأتي من الحكومة. جهاز الأمن قلق من تأثير استفزازات وزير الأمن الوطني غفير، في الحرم. في موازاة ذلك، تزداد هجمات المستوطنين على القرى الفلسطينية، ويشعر المهاجمون بأنهم يحصلون على دعم من ممثليهم في الائتلاف.
الحرب في الضفة منذ 7 أكتوبر هي الأشد من حيث القوة منذ انتهاء الانتفاضة الثانية في العام 2006. وحتى الآن، الحرب الجارية في القطاع وعدد القتلى الكبير في الضفة- أكثر من 600 شخص خلال عشرة أشهر ونصف- لم تجرف الجمهور الفلسطيني الواسع في الضفة حتى الآن إلى الانضمام مثلما كانت الحال في الانتفاضات السابقة.
لكن المزيج الحالي يقرب الضفة من نقطة غليان جديدة. يجري بين نتنياهو وقادة كبار في جهاز الأمن نقاش مطول حول مسألة متى يجدر إنهاء الحرب في القطاع، لتقليص الجهد الهجومي هناك وتركيز الاهتمام على الحدود مع لبنان في موازاة الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة والشمال.
ولكن هذا النقاش يستند إلى افتراض بأن الضفة الغربية بقيت قطاعاً استثنائياً. نطاق الحرب هناك وعدد العمليات في الضفة التي في جزء منها موجهة إلى مركز البلاد (مثل المخرب الذي جاء من نابلس وفجر نفسه في حي الأمل في تل أبيب منتصف الشهر الحالي)، قد تحولها إلى ساحة رئيسية في الحرب. يحتفظ الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية الآن بـ 19 كتيبة، 7 كتائب منها على خط التماس (توجد كتائب أخرى من حرس الحدود).
في بداية الحرب، كانت هناك 30 كتيبة، وفي ذروة الانتفاضة ضعفا هذا العدد. كل اندلاع أخطر في الضفة سيلزم بضخ إضافي للقوات وإلقاء المزيد من العبء على منظومة الاحتياط المنهكة أصلاً بسبب الحاجة للدفاع عن حياة حوالي نصف مليون إسرائيلي. جوهر التهديد من ناحية إسرائيل موجود في شمال الضفة الغربية، بالأساس في مخيمات اللاجئين. نابلس قادت قبل سنتين توجهاً جديداً للتنظيمات المحلية، حول خلية جديدة أطلقت على نفسها "عرين الأسود”. الاحتكاكات العسكرية في المدينة خفتت قليلاً بعد قتل معظم قادة هذه الخلية أو تم اعتقالهم. ولكن في جنين وطولكرم ومخيمات اللاجئين هناك، ثمة نهضة كبيرة منذ ذلك الحين لمجموعات مسلحة تعمل بإلهام الحرب في غزة، وأحياناً يتم تشخيصها بشكل مباشر مع حماس. قسم كبير من الأموال والتعليمات والسلاح، يأتي من الخارج، من إيران وسوريا ولبنان وتركيا، عبر قيادات الخارج لهذه التنظيمات.
ولأن الحدود الشرقية بين الأردن والضفة مخترقة، فهذا يسهل عمليات التهريب. تبذل إيران وحزب الله في السنوات الأخيرة جهوداً منسقة لتهريب العبوات الناسفة التقنية والبنادق والمسدسات إلى الضفة. يبدو أنهم يحققون نجاحاً غير قليل. وثمة نقطة ضعف أخرى تتعلق بخط التماس، فالعائق الذي أقيم قبل عشرين سنة في فترة الانتفاضة الثانية تم إهماله خلال هذه السنين وفقد بعض نجاعته، وهناك ثغرات لم تغلق أصلاً. الجيش الإسرائيلي و”الشاباك” لا يتعاملان مع منطقة يمكن تطويقها واستيعابها، بل مع منطقة مخترقة، فيها عدد المسلحين والسلاح والدافع للقتال، كلها في تصاعد، بالأساس منذ 7 أكتوبر. كل ذلك يندمج مع تصميم جهات في اليمين على إضافة الزيت على النار باستمرار. الحرم كما يبدو، هو المادة القابلة للاشتعال الأكبر من بينها.
استمرار الملاحقة في القطاع
مسألة إنقاذ فرحان القاضي، أول أمس، وفرت لحظة نادرة من ارتفاع المعنويات. يستند النجاح في هذه المرة إلى حظ كبير. قوة من الفرقة 162 قامت بتمشيط منشأة متشعبة للأنفاق في جنوب القطاع لبضعة أيام. وحسب رواية الجيش، هرب حراس القاضي وتركوه داخل غرفة صغيرة فيها ماء وقليل من طعام. سمع القاضي الجنود أثناء دخولهم إلى النفق، وطلب منهم المساعدة باللغة العبرية. بعد إنقاذ جثة الجندي الذي قتل في 7 أكتوبر أمس جنوبي القطاع، انخفض عدد المخطوفين في القطاع إلى 107، نصفهم تقريباً ليسوا أحياء.
العمليات الأخيرة تعكس تحسناً ما في نتائج الجهود المبذولة لإعادة المخطوفين، ولكن لا يمكن تجاهل أن قوات الأمن حررت حتى الآن ثمانية من المخطوفين الأحياء فقط، وتم العثور على أكثر من عشرين جثة للمخطوفين. في كل عملية مثل هذه العمليات، تبذل جهود استخبارية وعملياتية إلى جانب تعريض حياة المقاتلين للخطر (الأخطار تزداد في عملية إنقاذ مخطوف على قيد الحياة). على الأغلب، تم تأجيل العملية أو تعديلها خوفاً من المس بحياة المخطوفين في أثنائها. مع ذلك، معروف أن عدداً غير قليل من المخطوفين قتلوا في الهجمات الإسرائيلية.
إنقاذ القاضي هو المرة الأولى التي يتم فيها إنقاذ مخطوف على قيد الحياة من داخل نفق، هذا بفضل هروب حراسه. في معظم الحالات، تضع حماس حراسة مشددة على المخطوفين، ونعرف عن مخطوفين قتلوا على يد آسريهم عندما اقتربت قوات الجيش منهم. مع ذلك، تضاف العملية جنوبي القطاع إلى سلسلة عمليات في الفترة الأخيرة التي استأنفت الضغط العسكري على حماس. المنظمة تفقد السيطرة على عدد من الأنفاق. والقادة الكبار الذين بقوا أحياء يشعرون بأنهم مطاردون. في المناطق التي يجري فيها قتال أكثر شدة مثل رفح، ومؤخراً خان يونس مرة أخرى، بدأت قيادة الذراع العسكرية تجد صعوبة في السيطرة على نشاطات المستويات الأدنى، وبدأ اتخاذ القرارات يمنح لقادة الميدان. جزء كبير من سلسلة القيادة العسكرية في حماس تم استبدالها بسبب قتل وإصابة القادة الكبار.
يبدو أن إسرائيل ما زالت تبذل جهوداً كبيرة في محاولة لقتل أو اعتقال رئيس حماس السنوار. ولن يكون هذا بالضرورة عملية حاسمة في الحرب، فقد تغلبت حماس في السابق على تصفية قادتها. ولكن ثمة أهمية للمس بمخطط المذبحة مع محمد ضيف. لذلك، سيتم استكمال تصفية المجموعة العليا التي قادت الهجوم الإرهابي. ليس واضحاً كيف سيؤثر هذا التطور، إذا حدث، على المفاوضات حول صفقة التبادل. السنوار في هذه الأثناء، هو الذي يملي مسار المفاوضات ويقود الخط المتشدد في حماس.