وجهة نظر "وين نروح ".. لازمة القرن الأعمى

" وين نروح، من شان الله يا عالم وين نروح...؟؟"، وينتهي هذا القول بتمامِ السؤال، ولا إجابة تُعطي السائل ما يريح سؤاله، ولا المسؤول السّمّاع راحة بالٍ من هذا الوبال، فهذه اللازمة التي تتردد مطلع كل رأس ساعة، وعلى كل لسانٍ ومن كل قلبٍ، ومع كل شهقةِ حسرةٍ تخرج من قاعِ أجسادٍ مُنهكةٍ من الوجع والعِتاب والظمأ والجوع، هذه اللازمة المحفورة على وجه العجز الذي خدَّ أساه بأساسهِ حزوز العجز على جبين الكون، فهذه الحدود اللازمة التي يرتد صداها في قلوبنا الموجوعة أصلًا، منذ أن سُكبَت على عيون الكون غشاوة لا تَرى ولا تُبصر في قرنِ الإنسانيةِ، الذي تتملكه فقط مشاعر الديجتال، قرن الادعاء بحقوق البشر والحجر والسائبة والنطيحة، قرن البشرية العرجاء، وزمن الفضاء الملّون والمُلوث بالادّعاء، هذا الفضاء الذي يرى ويُحدّق بما يجري على رمالِ الجنوب الفلسطيني الذي كان شاهقًا بالعمار وبالحياة، وصار مُسيّجًا بالدمار والقتل والعار والصمت والعَمى.


هذه الجملة الصارخة، والبُحّة الجارحة لحناجرنا التي تتلقفها ولا تقدر على ردّ الصرخة، ويظل الصمت يدوي كدويّ الجارحات الفضية التي ترمي شوّاظها بالجَمر على رأس طفلٍ طريٍّ، وعلى قلب عجوز يرفّ بما ظلّ منه، من ذكرياتٍ كنسرٍ يسعى بحياته للخلاص، ويسعى بروحه للنجاة لتصعد وتسكن مرتجاه الأبدي، مرتجاه بعد أن ضاقت حرّية الكون بحرّيته.


هذه اللازمة، لازمة "وين نروح، يا عالم"، لازمة كاوية تحرق قلوبنا، وتثير براكين الوجع فيها، لازمة سيّان من يَسمعُها، وصارت عادة السّمع تمامًا كعادةِ الصَّمم التاريخيةِ الموشومة في ذاكرةِ جيلٍ يغرسها في وعي جيل، ليرث الجيل ذاكرة لن تبور، ذاكرة بيضاء كحنطةِ المرج، صافية زاهية كزيتِ بلادنا اللاذع الحرّاق، هذه الذاكرة اللازمة لتورق فينا وتخضرّ في ربيع بعد شتاءٍ يحمل غيمُهُ ماءَ البحر الذي ركبه كنعان الجدّ، وصارت الجهات شروق جهاتِ شمسه تلمّ مطالع الحياة، ويصير فجره النديّ يروي منابت كروم الزيتون والعنب ومهاجع الطير العابر مجال تلالنا وسهولنا ومقاثي الخير، وتصير مراحات لتستريح عليها أحلامنا من غولتها.

.......
هذا الفضاء الذي يرى ويُحدّق بما يجري على رمالِ الجنوب الفلسطيني الذي كان شاهقًا بالعمار وبالحياة، وصار مُسيّجًا بالدمار والقتل والعار والصمت والعَمى.