لم يبقَ إلا البحر!
لا تتوقفُ أوامرُ الإخلاء القسري، للدفع بالمواطنين إلى ما تُسمى "المنطقة الآمنة"، في متوالية النزوح القاسية في الحرب المستعِرة منذ أحد عشر شهراً، والتي لها أولٌ، وليس لها آخر.
إلى العُشر من مساحة القطاع، البالغة 365 كيلومتراً مربعاً، تقلّصت تلك المساحةُ الـمُسماةُ "الآمنة"، وليس لها من اسمها أيّ نصيب، بل باتت مصائد للقتل وتصفية الحساب مع ساكنيها، ومعظمهم من النساء والأطفال وكبار السن والمرضى، الذين تنهشهم أنياب الوحوش الطائرة والمجنزرة.
التهجير خارج القطاع الذي أفشلته الجماهير بصبرها، ونزف جراحها، ووجع معاناتها، تحاول دولةُ الإبادة معاقبة رافضيه بتكرار نزوحهم الداخلي، وقضم المساحة التي ينزحون إليها، حتى تقلصت إلى الحدّ الذي لم يعد فيه متسعٌ لموجاتٍ جديدةٍ من النازحين الباحثين عن ملاذاتٍ آمنة، وما هي بآمنة تحت القصف المدفعي والجوي، الذي يخلّف بشكلٍ يوميّ مئات الشهداء والجرحى.
في المشاهد الطالعة من شاطئ البحر قبل يومين، بدت خيامُ النازحين منصوبةً عند المسافة صفر من أمواج البحر، وإذا تكررت أوامر الإخلاء، فإن النازحين لن يجدوا أمامهم غير عُرض البحر يلجأون إليه، بعد أن ضاقت بهم وعليهم الأرض، وسكن الموتُ والدمارُ والخرابُ كلّ مكانٍ في القطاع المحاصر بأعمدة النار والدخان، فأصبح العدو أمامهم والبحر من خلفهم.