مهنة التعليم تبقى "الأعظم"

سامحوني – ابتداءً- إن استخدمت – ليس ذكورياً- كلمة الأعظم التي كان يستخدمها الصحفي الراحل الكبير محمد حسنين هيكل في وصف أقوى دولة في العالم بها، بدلاً من العظمي، فرنة الأعظم أكبر من رنة العظمي، وهو ما تستحقه مهنة التعليم.

حقاً، إنها المهنة الأعظم من بين المهن جميعاً في المجتمع، لأنها الوحيدة الموكلة بصياغة الإنسان، والمؤثرة فيه وربما طيلة حياته على النحو الذي صاغته المدرسة (والجامعة)، وربما لأنها تخلد المعلم/ة في التاريخ على يد الأجيال التي علّموها.
 

عندما يُسِن المرء أو يشيخ يسعد بالنفر من هذه الأجيال الذين وصلوا إلى أعلى المراتب السياسية، أو الفكرية، أو الاقتصادية.. لا صاحب مهنة غيرها يتمتع بهذا الامتياز والسعادة، فلا تقارن مهنتك كمعلم/ة بغيرها، أو بصاحب مهنة أخرى أكثر ثراء منك، أو أفضل منك سكناً، أو سيارة.... لأن عطاءك وذكراك في الزمان أكبر وأدوم من عطائه وذكراه.
ولما كان الأمر كذلك فإنه يجب على المعلمين والمعلمات الذين أعتز بالانتماء إليهم، أن يرتفعوا إلى مستوى مهنتهم، وألا يقارنوها سلباً بأي مهنة أخرى، لأنها المهنة الأعظم. إنها فوق جميع المهن. ويجب أن يتعلّم أصحاب تلك المهن رفع أيديهم وإحناء رؤوسهم تحية للمعلم/ة، لأنهم جميعاً تخرجوا من بين يديه.
اعلم أيها المعلم/ة أن رؤيتك لنفسك هكذا، وشعورك الإيجابي نحوها يجعلك معلماً/ معلمة ناجحاً/ ناجحة في عملك في التربية والتعليم، أكثر من عدم شعورك بذلك، فأضيئوا أيها المعلمون والمعلمات المحترمون عملية التعلّم والتعليم بأحسن تعليم، وعلامة ذلك نقل تلاميذكم وتلميذاتكم هذا الضوء بحماس عظيم للتعلم، ومعهم إلى الآباء والأمهات والمجتمع.
يرى أحد المفكرين (ثوماس كارليل: 1795 - 1881) أن التعليم يبدأ بإيقاد نيران صغيرة في داخل المتعلم/ة تظل مشتعلة فيه طيلة حياته وأياً كان عمله أو مهنته في المستقبل. وهو ما رأيته إبان عملي في مركز الوزارة (1967-1970) في مدرسة طينية مُجمّعة بائسة في الغور وبرفقة مربٍ بريطاني (1968) حيث رأينا حماس الأطفال فيها «وشطارتهم» في الإجابة على جميع الأسئلة، مما أذهل المربي البريطاني. 
لقد أشعل المعلم/ المدير في تلك المدرسة نار التعلم في أطفالها لدرجة جعلت هذا المربي يقول: إنهم يتفوقون على الأطفال في المدرسة الشاملة في بريطانيا في كل موضوع. العبرة في التعليم في المناخ الصفي والمدرسي المؤاتي للتعلم.
وأعلم أيها المعلم/ة أن المعلم/ة الجيد/ة هو الذي يجعل التعلّم أكثر من التعليم، والمتعلم/ة معلماً نفسه. واعلم كذلك ان المعلم/ة الجيد/ة هو الذي يعلّم الأطفال في المدرسة (فهم أطفال حتى نهاية سن 18) كما لو أنه يعلّم أطفاله في البيت، وأنه لن يقدر على تعليمهم ما لم يصبر على تعلّمهم ويصل إليهم، ويحسن التواصل معهم، وإن كان يرى أنه واصل أو متواصل معهم فيزيقياً. إن هذا لا يكفي. وليبقى المعلم/ة معلماً/ة بالمعنى الصحيح والجميل للكلمة يجب أن يظل يتعلّم كتلميذ.
ويرى مربون أنك لن تكون معلماً جيداً أو تكوني معلمة جيدة ما لم تجعل المتعلم/ة يفكر مستقلاً لا تابعاً لك ومتمسكاً بك (Subject) أي أنه لا يجعل الأطفال يشعرون بالدونية مقارنة به.
والمعلم/ة الجيد/ة يكون قدوة حسنة بل أحسن قدوة في المدرسة والمجتمع، في تعليمه وبسلوكه الخاص في المدرسة، وفي سلوكه العام في المجتمع، وإلا فلن يكون معلماً/ة صالحاً أو صالحة، وغير منتمٍ صادق أو غير مخلص لمهنة التعليم، أي للأطفال الذين يعلمهم. إنه مجرد عامل مؤقت في التعليم، أُجبر عليه لأنه لم يجد غيره، وسيتركه عندما تلوح فرصة أفضل. مثل هؤلاء الناس أخطر ما يكونون على التعليم والتعلّم والقدوة.
والمعلم/ة ليس مراقباً أو صياداً ينتظر مخالفات الأطفال ليوقع العقاب عليهم، وإنما يستخدمها كمناسبة للتعلم كي لا يقعوا ثانية فيها، فالمعلم/ة قائد/ة ومرشد/ة السير الصحيح على الطريق إلى حين التخرج.
لا يكون معلماً/ة من لا يكون لديه مشاعر الدفء والمحبة والصبر نحو التلاميذ والتلميذات والمدرسة مهما كانت أحوالها الفيزيقية سيئة. له/ا أن يطالب دوماً بتحسين هذه الأحوال ولكن مشاعره في الدفء والمحبة والصبر لا تنفد.
وفي الختام أدعو المعلمين والمعلمات إلى رفع مستواهم ومستوى مهنتهم باستمرار، وإلى جعلها الأعظم فعلاً، وأقول لهم اكسروا جميع الدراسات التي تتحدث عن تراجع المهنة وتقهقرها، بنقابة أو بدون نقابة، وإنما على مستوى على كل واحد/ة منكم. انظر إلى نفسك هكذا وتصرف على هذا الأساس ولا تجعل أحداً يجرك إلى العكس، فالتعليم رسالة وأنت رسول. وليعلم المعلمون والمعلمات المحترمون أن تجديد معلوماتهم ومهاراتهم وتعليم التفكير في المدرسة يبعد عنهم الزهايمر أكثر من أصحاب أي مهنة أخرى.
لقد حارب جيلنا من المعلمين والمعلمات في أواسط خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي وسجن بعضنا سياسياً، ولكن حماسنا واخلاصنا للتعليم لم يتغير.
كم أحببت هذا العمل، وكم تمنيت أن أموت في الصف/ المدرسة، وقد كدت مرتين، فارفع رأسك يا عزيزي فوق السحاب وقل بملء فيك أنا معلم/ة  ولا تجعل ظروفك الخاصة تنال من حماسك للتعليم لأن التعليم رسالة وليس مجرد خدمة.
وبما أن لكل مهنة زيا خاصا بها والزي لغة فإنني بهذه المناسبة أدعو المعلمين إلى تبني هندام/ زي يميزهم في المدرسة وفي خارجها شبيه بزي الشرطة الجميل في الأردن صيفاً وشتاء. طبعاً بدون إشارات الشرطة، ولكن مع ربطة مناسبة. إنه يجعل المعلم أنيقاً ووسيماً. أما المعلمات فأدعوهن إلى التخلص من اللون الأسود القاتم الدائم (وليس البشرة السوداء الجميلة) الذي يشيع الكآبة في المدرسة. وربما يحسن بهن التزيي بزي الضباط في القوات المسلحة صيفاً وشتاءً ولكن طبعاً بدون الإشارات العسكرية. إنه يجعل المعلمة أجمل ومناخ المدرسة أطيب.
لقد لخصت الأستاذة روبن جي. فورجرتي التي علمت في جميع المراحل من الروضة إلى الجامعة التعليم المدرسي الجيد بثلاث كلمات: 
INVITE , EXCITE , IGNITE  أي ادعُ الأطفال للتعلم/ رحب بهم، واستثيرهم، وأشعل روحهم للتعلّم.