مفاوضات تلد أخرى!

من يمتلك حد أدنى من أوليات السياسة يدرك ببساطة، أن مسلسل المفاوضات المتواصل منذ نحو ستة أشهر في الدوحة والقاهرة، بين اسرائيل وحركة حماس عبر الوسطاء «أميركا وقطر ومصر»، بشأن ابرام صفقة تبادل الأسرى ووقف اطلاق النار في غزة وايصال المساعدات الانسانية للقطاع، هو مسلسل ممجوج ويهدف الى اتاحة مزيد من الوقت، لدولة الاحتلال لمواصلة حرب الابادة الجماعية بحق أهالي قطاع غزة، واستمرار اغراق القطاع ببحر الدماء التي تسيل بلا انقطاع، وكأن أهل القطاع يتبرعون بدمائهم الى أمة، يبدو أنها تعيش على جهاز التنفس الاصناعي! ذلك أن دماء ما يزيد عن أربعين ألف شهيد، وعشرة الآف مفقود تحت الانقاض، وما يقارب 95 ألف جريح لم تحرك ساكنا في أمتنا العربية «المجيدة»، رغم كل المناشدات التي يوجهها أهل القطاع والمؤسسات الصحية والخدمية الأخرى، وما تبقى من طواقم الدفاع المدني الذين يحفرون بأيدهم وبوسائل بدائية لأنتشال الشهداء واسعاف الجرحى.. هؤلاء وكافة الطواقم الطبية هم (جهود مجهولون) يستحقون بجدارة أوسمة الشجاعة الحقيقية في مواجهة عدو متوحش يستهدف الأخضر واليابس.. البشر والحجر!.

ورغم التنازلات اللافتة التي قدمتها حركة حماس، بهدف وقف حرب الابادة ضد سكان القطاع، لكن الجانب الاسرائيلي يزدادا تعنتا وغطرسة، ويحاول فرض شروط جديدة في كل جولة مفاوضات.

ويبدو واضحا أن المشكلة تكمن بالوسيط الاميريكي غير النزيه، ومن يراقب التصريحات الأميركية سواء على لسان الرئيس بايدين أو أعضاء الكونغرس، أو وزير الخارجية بلينكن في زياراته المتكررة الى المنطقة، وزيارته الأخيرة شملت اسرائيل ومصر وقطر، يلاحظ دون عناء أن موقف واشنطن منحاز بالكامل الى جانب الكيان الصهيوني، ويجد له الذرائع والمبررات لمواصلة التهرب من أي التزامات، تتعلق بوقف الجرائم التي ترتكبها في قطاع غزة.

ويمكن ببساطة ملاحظة ذلك بما قالته المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية الاميركية كالا هاريس، في ختام أعمال مؤتمر الحزب الديمقراطي وقبولها تزكية المؤتمر لترشيحها لمنصب الرئاسة، حيث عبرت عن دعمها لاسرائيل فيما أسمته «حقها في الدفاع عن النفس"! وهذه كذبة كبرى لا يصدقها أحد، فدولة الاحتلال لا تدافع عن نفسها بل تشن حربا همجية على سكان مدنيين وترتكب بحقهم مجازر مروعة، باستخدام أحدث ما انتجته الصناعات العسكرية الاميركية من أسلحة!

وهذه حقيقة أكدتها فترة الحرب المستمرة منذ أكثر من عشرة أشهر، وتعترف بها صراحة ادارة بايدن التي واصلت تزويد دولة الاحتلال بالأسلحة طيلة هذه الفترة، وهي تدرك أن ضحايا العدوان غالبيتهم العظمى من الأطفال والنساء وكبار السن، الذين ليس لهم علاقة بنشاطات عسكرية.

وفي اطار الحملة الانتخابية الأميركية يقف على الجانب الآخر المنافس لهاريس، الرئيس السابق دونالد ترامب ويزايد على المرشحة الديمقراطية، ويتهمها بأنها «تكره اسرائيل ولم تحضر خطاب نتنياهو أمام الكونغرس، وأنها تسببت في هجوم 7 أكتوير"!

وبغض النظر عمن سيصل الى البيت الابيض في انتخابات 5 نوفمبر المقبل، فان النتيجة واضحة بالنسبة للموقف الاميركي ازاء القضية الفلسطينية، ويمكن قراءة ذلك من خلال المواقف الاميركية منذ نشوء الكيان الصهيوني، حيث كانت واشنطن منحازة بالمطلق الى دولة الاحتلال عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا وفي الدعم الاقتصادي، وأحد المؤشرات على ذلك استخدام واشنطن مرات عديدة «الفيتو»، خلال فترة الحرب على غزة لاحباط مشاريع قرارات، عرضت على مجلس الأمن لوقف الحرب على غزة!.