الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي: وجهان لعملة واحدة؟!

يعود تأسيس الحزبين: الجمهوري والديموقراطي في الولايات المتحدة إلى ما يزيد عن مئتي سنة تقريباً (تأسس الحزب الديموقراطي في عام 1828، وتأسس الحزب الجمهوري في عام 1845)، ولذا فهما يُعتبران من أقدم الأحزاب السياسية في العالم، وقد عُرف الحزب الجمهوري برمزه (الفيل)، وباللون الأحمر، وعرف الحزب الديمقراطي برمزه (الحمار) ولونه الأزرق، وغني عن القول أنهما يسيطران على الحياة السياسية الأمريكية منذ نشأتهما، ويشكلان ثنائية حزبية من الصعب خرقها، وقد حدث أن تأسست بعض أحزاب أخرى وفازت ببعض مقاعد النواب والشيوخ ولكنها ظلت أحزاباً هامشية ولم يكن لها أيّ ثقل سياسي حقيقي في الحياة السياسية الأمريكية.

ولعلّ مما يجب أن يُشار إليه في هذا السياق أنّ المرجعية الفكرية لكلا الحزبين هي واحدة وهي: الأيديولوجية الرأسمالية والليبرالية ولذا فلا غرابة أن نجد الفروق بينهما ضئيلة نسبياً وبخاصة في القضايا الداخلية، أمّا في السياسة الخارجية التي تنبع في العادة من مصالح الدولة فلا يكاد يكون هناك خلاف بين توجهات الحزبين.

وإذا أردنا أن نغامر في توصيف عام لهوية الحزبين فإنّنا يمكن أن نقول بأنّ الحزب الجمهوري (Republican party) هو حزب البيض المحافظ، الذي يُركّز على الأرياف، ويميل إلى الاتجاه المحافظ في الاقتصاد (أقل قدر من تدخل الدولة في الاقتصاد)، وفي موضوع القيم (أكثر التزاماً بالمنظومة القيمية التقليدية السائدة في المجتمع)، وفي موضوع الهجرة (الحد من الهجرة وبالذات من دول معينة)، وفي موضوع الإجهاض (عدم السماح بالإجهاض وتركه للولايات للبت فيه)، ومن الملاحظ أنّ معظم «المسيحيين الإنجيليين ينتمون إليه».

أمّا الحزب الديمقراطي (Democratic party) فهو الحزب «الليبرالي» بشكل عام إذْ يميل إلى الوسط ويسار الوسط، ويضم الاقليات (ذوو الأصول الإفريقية، اليهود، ذوو الأصول الهندية واللاتينية والعربية....)، ويستقطب أبناء المُدن، وهو على النقيض من الحزب الجمهوري إذْ لا يرى مانعاً من دورٍ أكبر للدولة في الاقتصاد، ولا يرى مانعاً من فتح الأبواب للمهاجرين ضمن ضوابط معينة، كما أنه يتبنى موقفاً أكثر وضوحاً من قضايا المرأة وحقها في الإجهاض، بل ويبدو أكثر تسامحاً في قضايا خلافية «كالمثلية» مثلاً، أمّا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية التي تنبع من مصالح الدولة أساساً كما أشرنا آنفاً، فلا يكاد يُوجد خلاف مُميِّز بين الحزبين فموقفهما من روسيا والصين كأقطاب مُنافِسة (الأولى عسكرياً والثانية اقتصادياً) واحد أيّ الوقوف في وجههما بكافة الطرق والوسائل، وموقفهما من حلف الناتو (NATO) واحد وهو تَزعُّمه وتَدْعِيمُه إلى أقصى حد (وبغض النظر عن موقف ترامب الذي يريد مساهمات أكثر من الدول الاوروبية مقابل «الحماية» الأميركية)، وموقفهما من الاتحاد الأوروبي (27 دولة) هو الدعم والتأيّيد مع ممارسة النفوذ عليه.

أمّا موقفهما من بريطانيا وإسرائيل فأشد توحداً ووضوحاً، فالولايات المتحدة سواء أكان رئيسها جمهورياً أو ديمقراطياً ترى في بريطانيا الحليف الأوروبي الوثيق ذا الوضع الخاص، وكذلك الأمر بالنسبة لإسرائيل حيث ترى فيها الولايات المتحدة–وبغض النظر عن الانتماء الحزبي للرئيس- الحليف الأول وربما الأهم بالنسبة للولايات المتحدة على مستوى العالم.

ومن الجدير بالذكر هُنا فإنّ الرئيس الأميركي هو أقوى رئيس تنفيذي في العالم (بمعنى أنّ له صلاحيات كبيرة وواسعة) وهو قد تكون له اجتهادات ورؤى معينة تطبع فترته الرئاسية، وهذا يعني أن هناك عاملاً مهماً في النظام السياسي الأميركي وهو -وفضلاً عن الحزب الذي يحكم- فلسفة الرئيس، وطبيعة شخصيته، وخبرته، والمكانة التي يريدها لنفسه في التاريخ.

وإذا قارنّا الحزبان الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة مع الأحزاب الأوروبية فإننا نلاحظ بوضوح أنّ الأحزاب الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا) -وبرغم أنّ مرجعيتها الفلسفية والفكرية هي الرأسمالية والليبرالية كما هو الوضع في الولايات المتحدة- إلّا أنها تتمايز عن بعضها بوضوح كما هو الحال في الفارق بين حزب المحافظين وحزب العمال في بريطانيا، وبين الحزب الاشتراكي وأحزاب الوسط في فرنسا، وبين الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي في ألمانيا، حيث أن بعض هذه الأحزاب مثل حزب العمال البريطاني، والحزب الاشتراكي الفرنسي، والحزب الاشتراكي الألماني ذات نزعة اشتراكية واضحة، وهي بالطبع اشتراكية أوروبية تكيّفت مع النظام الرأسمالي والليبرالية والديمقراطية وليست اشتراكية بالمعنى الماركسي اللينيني.

وختاماً فإنّ الحزبين: الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة ليسا وجهين لعُملة واحدة بالمعنى الحرفي الدقيق للكلمة، ولكنهما بالقطع يتشابهان إلى حدٍ كبير في طروحاتهما على المستوى الداخلي، ولا يكادان يختلفان في شيء فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ولعلّ مطالعة سريعة لبيانات الحزبين في مؤتمريهما الأخيرين اللذين رشحا فيهما من سيمثلهما في الانتخابات الرئاسية القادمة يُوضح ذلك بكل جلاء.