صيحة حب إخوانية: عن الاستبداد المتلبس بعباءة الدين!

اخبار البلد حلمي الاسمر- أتابع منذ فترة بحب وقلق وخوف السجال الساخن في مصر حول أداء جماعة الإخوان المسلمين منذ فوزها الكبير في الانتخابات التشريعية، والخلافات العميقة التي أثارتها طريقة اختيار اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور، وأخيرا التصريحات المؤسفة لمرشد الجماعة د. محمد بديع، التي هاجم فيها الصحفيين والإعلاميين، ووصفهم بأنهم سحرة فرعون الذين أوحى الشيطان إليهم بالهجوم على الجماعة ، تصريحات د. بديع هذه، جاءت لتصب الزيت على نار النقد المرير التي اشتعل أوارها نتيجة لطريقة اختيار الإخوان للجنة كتابة الدستور، وموقف الجماعة من ترشيح شخصية إخوانية لموقع رئاسة الجمهورية.

بالنسبة للقضية الأولى، فالنقاشات لم تصمت بعد، والانتقاد الشديد لم يتوقف، كما لم يتوقف سيل الانسحابات من لجنة كتابة الدستور، بل إن شخصية إخوانية مرموقة كالصحفي الإخواني العريق محمد عبد القدوس، لم يستطع أن يمنع نفسه من انتقاد موقف الإخوان من كيفية اختيار أعضاء اللجنة، عبدالقدوس، وهو وكيل لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، وصف تجاهل الجماعة للكنيسة والأزهر الشريف بأنه «عدم احترام».

حيث كان من المفترض على الإسلاميين بالبرلمان (الأغلبية) أن يرسلوا خطابات إلى الكنيسة والأزهر لترشيح أسماء تمثلهم فى الجمعية التأسيسية لوضع الدستور.

كما وصف الاختيارات التي تمت بتشكيل «التأسيسية للدستور» بأنها يؤسف لها، فلابد للأغلبية البرلمانية أن تتواجد بشرط أن يتم تمثيل جميع طوائف المجتمع، ولكن ما تم هو تجاهل الكثير من الشخصيات العامة وعلى رأسهم د. أحمد كمال أبوالمجد، أستاذ القانون، وعمار الشريعي، وفهمي هويدي الذي كان يدافع عنهم طيلة الوقت وعدم اختيارهم له «غلط كبير منهم»، كما تعجب من عدم اختيارهم لمفتي الجمهورية وشيخ الأزهر.

وبالمحصلة، فهو شأنه شأن كثيرين جدا «غير راض عن تشكيل الجمعية التأسيسية بشكل عام» رغم انتمائه لجماعة الإخوان الذين اختاروا 5 نقابات مهنية فقط من أصل 25 نقابة، موضحًا أن وضع الدستور بحاجة لوجود نقابات الأطباء والمعلمين والزراعيين، لافتا إلى أن الإخوان اختاروا جميع أنصار التيار الإسلامي غير المعروفين – على حد قوله - ليحكموا السيطرة على اللجنة!

وفيما يتعلق بالمسألة الثانية وهي تراجع الجماعة من حيث المبدأ عن الإحجام عن ترشيح شخصية إخوانية لمنصب رئاسة الجمهورية، فقد أثار هو الآخر عاصفة كبرى في الإعلام وغيره، علما بأن مجلس شورى الجماعة سيتخذ قرارا حاسما بهذا الشأن يوم الثلاثاء القادم، بعد أن تعسر عليه اتخاذ موقف الأسبوع الماضي، هذه القضية أثارت الشيخ يوسف القرضاوي - رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فكتب على صفحته على فيس بوك رسالة مفتوحة للجماعة، طالبهم فيها «ألا يتبنوا موقفا معينا، ويتركوا للشباب والأفراد التوجه بحسب ضمائرهم»، مع التأكيد على ألا يشهر بوجه من يجتهد في التصويت إرضاء لضميره سلاح الضغط، أو التهديد بالفصل».

طبعا لم تتوقف حركة النقد هنا لموقف الإخوان من إخوانيين فحسب، بل تعدى ذلك إلى نقد سلفيين لحزب النور السلفي، حيث أعلن ياسر صلاح القاضي، وهو عضو مجلس الشعب عن حزب النور السلفي، رفضه للطريقة التي تعامل بها حزبا الأغلبية البرلمانية الحرية والعدالة/ الإخواني و النور/ السلفي مع باقي الأحزاب والفئات المختلفة في المجتمع عند انتخاب الجمعية التأسيسية للدستور، مؤكدا أنها لا تعكس تنوع المجتمع المصرى ولا تلبي طموحات المصريين، ومعلنا رفضه أية محاولة للانفراد بوضع الدستور، ودعا لوقف التعامل بسياسة القطيع، وفتح العقول والقلوب للحوار دون إقصاء أي فصيل من أجل التوصل إلى توافق وطني .

وكان للشباب الإخواني رأي من هذه القضية، فقالت مجموعة صيحة إخوانية ، والتي نظمت أول وقفة لشباب الإخوان، أمام مكتب الإرشاد مؤخرا، فقد طالبوا الجماعة بتمسكها بقرارها السابق بشأن عدم المنافسة على منصب رئاسة الجمهورية، حفاظًا على مصداقيتها، ولأنها صاحبة مبادئ لا يمكن أن تخدع الناس أو تتكلم بلسانين أو أن تظهر بوجهين ، لأن الخلط بين العمل التربوي الدعوي والعمل الحزبي في سياقه السياسي التنافسي يعرِّض جماعتنا لمخاطر الاستقطاب والتفكك، كما يهدد مصر بالاستبداد المتلبس بعباءة الدين.

كما طالبوا بدعم وحدة الصف في مواجهة المتربصين به ووقف أسلوب التهديد بالتوقيف والفصل والاستجواب لمجرد تقديم النصيحة أو إعلان الرأي، لافتين إلى أن الصيحة الإخوانية التي أطلقوها هي صيحة حب ، بحسب وصفهم.

في مقابل هذا النفس الاستئثاري الإخواني في مصر، نشهد موقفا مغايرا لفصيل إخواني آخر، حيث تعلن حركة النهضة الإسلامية - التي تقود الأغلبية والحكومة في تونس - إن الإسلام لن يكون المصدر الأساس للتشريع في الدستور الجديد لتحسم بذلك الجدل الدائر حول هوية الدولة منذ الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي العام الماضي.

وقال عامر العريض المسؤول بحركة النهضة «الحركة قررت الاحتفاظ بالفصل الأول من الدستور السابق كما ورد دون تغيير.»

وينص الفصل الأول من الدستور السابق على إن تونس دولة حرة لغتها العربية والإسلام دينها دون أن تكون أي إشارة إلى أن الإسلام هو مصدر أساس للتشريع. وأضاف العريض «نحن حريصون على وحدة شعبنا ولا نريد شروخا.»!!

نضع قلوبنا على أيدينا خوفا على تجربة إخوان مصر، لأن فشلها لا سمح الله، سينعكس سلبا على بقية الساحات العربية، وإن كنت أنا شخصيا مع تسلمهم لرئاسة الجمهورية، كي لا تتكرر تجربة الإخوان مع عبد الناصر، حين احتضنوا الضباط الأحرار وثورة يوليو، ثم عفوا عن المناصب، فكان مصيرهم السجن والتشريد والاستئصال!