لكي لا ندفع ضريبة الجغرافيا وربما التاريخ
ما يدور من نقاشات محدودة، في الغرف المغلقة، حول «الأمن الوطني الأردني «، يجب أن يخرج إلى الفضاء العام ؛ مهمة «الجماعة الوطنية»( لا أقول الطبقة السياسية ) أن تضع هذا الملف على الطاولة، و تصارح الأردنيين بما يواجهه بلدهم من تحديدات وأخطار، وما يُفترض أن نضعه على أجنداتنا من حلول وأولويات.
قضية الأمن الوطني لا تتعلق بالدفاع عن الحدود فقط، وإنما عن الوجود أيضا، أقصد وجود الدولة وهويتها ومصالحها وأدوارها وعلاقاتها، العافية الداخلية والاشتباك مع الخارج، مصادر التهديد وأوراق القوة، حركة السياسة والمصالح، وحصار الجغرافيا، وربما التاريخ أيضا.
نحن مقبلون على أربعة أشهر صعبة، ربما تحدد مصير المنطقة، لا نعرف كيف سندخل إلى عام 2025، وفيما إذا توقفت الحرب او توسعت، الملف الذي يجب أن يحظى باهتمامنا هو حماية الدولة الأردنية وأمنها واستقرارها، هنا، لا يكفي أن نرفع شعار «دعم المقاومة في غزة «كما يفعل الكثيرون ممن لا يرون الأردن إلا من هذه الزاوية، أمن الأردن الوطني يحتاج إلى تعريف آخر يتجاوز ما ألفناه في الماضي، جزء منه أمننا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، صحيح لنا مصلحة وطنية حيوية مع اشقائنا، خاصة في دعم صمودهم على ارضهم في فلسطين، لكن مصادر التهديد التي تواجهنا لا تقتصر على مشروع الاحتلال الصهيوني، على مركزية خطورته، إيران تشكل مصدر تهديد، غياب العمق العربي مصدر ضعف وقلق، علاقاتنا مع الحلفاء في واشنطن والغرب، خاصة مع احتمالية قدوم ترامب وتمدد اليمين في أوروبا، تحتاج إلى تفكير عميق، الميليشيات التي تحولت إلى دولة داخل الدولة، تتقافز من حولنا وتهددنا أيضا.
صحيح، ملفات الإقليم والخارج، ، وما تحمله من فرص محدودة وتهديدات مفتوحة، مهمة في إطار النقاش حول أمننا الوطني، لكن الأهم من ذلك، بتقديري، أسئلة الداخل الأردني : سؤال الهوية وصلابة الجبهة الداخلية وهواجس الوطن البديل، سؤال اللاجئين الذين تحولوا إلى عبء كبير في ظل تخلي المجتمع الدولي عن دعمهم، سؤال الاقتصاد والطاقة والغذاء والفقر والبطالة، سؤال التطرف القادم، ربما، على مركب تصاعد الإحساس بالظلم والقهر، كل هذه الأسئلة وغيرها تحتاج إلى فهم عميق، وحركة مدروسة ومراجعات شاملة ؛ لا يمكن أن نتفرغ لمواجهة أزمات الخارج الا إذا نجحنا في تصفير أزماتنا، وإعادة العافية لمجتمعنا.
مهم أن نعرف كيف تفكر إدارات الدولة، ومهم، أيضا، أن نعرف كيف يفكر الأردنيون، ومهم، ثالثا، أن نعرف كيف يفكر الآخرون -إقليميا ودوليا - اتجاه بلدنا ودورنا، النقطة الأخيرة ( ماذا يُراد لنا؟) تحتاج إلى نقاش واضح وعميق، أكيد لدينا ما يلزم من مجسات لالتقاط الإشارات وفحص المعطيات وتحديد التعاطي مع الملفات، لكن هذا لا يمنع أن يكون ثمة أشياء مسكوت عنها، وأخرى ملتبسة أو مغلفة بالأقنعة، هذه تحتاج إلى مزيد من الوعي والحذر والانتباه.
لنتذكر، هنا، أننا نقع وسط حفرة الانهدام السياسي، وأنه يمكن أن ندفع ضريبة الجغرافيا، وربما التاريخ، وأن بلدنا محاصر بمشاريع تتصارع وتتصالح، تبحث عن الهيمنة والتوسع والنفوذ، لا أصدقاء دائمين، ولا حلفاء يمكن أن نطمئن إليهم تماما.
نخدع أنفسنا إذا قلنا أننا بمنأى عن الزلازل التي ضربت المنطقة، وما زالت ارتداداتها تنفجر في وجوهنا، نظلم بلدنا إذا لم نفتح عيوننا على أطماع الآخرين وأحقادهم تجاهنا، نخطئ كثيرا إذا لم نتوافق على ترسيم محددات لأمننا الوطني، وأولويات لمواجهة التهديدات والأخطار التي تحاصرنا ؛ الأردنيون، في هذه المرحلة، أمام امتحان الحفاظ على دولتهم، والدفاع عن وطنهم، لا مجال أمامهم للانسحاب أو الاعتذار، ولا تسامح مع الآخرين الذين يبحثون عن مصالحهم وخلاصهم الفردي، حتى لو انقلب المركب على ما فيه، لا سمح الله.