حرب كوّنية على "واتس آب"

منذ أسبوع تقريبًا اشتعلت مجموعات الواتس آب، ومواقع إلكترونية أخرى مثل التلغرام بالحرب بين إيران وأذرعها في المنطقة، وبين إسرائيل التي تنتظر الرد على عمليات الاغتيال التي قامت بها، سواء في طهران أو الضاحية الجنوبية في بيروت، وصحيح أن حالة الترقب فرضت نوعًا من التوقعات والتكهنات، وتأخر الرد زاد من عمليات التحليل والتفسير وأغرقنا في تحليلات متوقعة وأخرى حالمة خيالية أكثر من الخيال، إلا أن المتابع للكثير من مجموعات الواتس آب وغيرها يجد نفسهُ في دائرة الحرب التي لا تهدأ، فسيل الأخبار يتدفق ولا ينضب، وتوالي التحليلات يجعل المتابع في رحى معركة افتراضية بعيدة عن الواقع، حتى إذا خرج المرء في جولة للطريق ونظر من حوله، شاهد حياة طبيعية وشوارع تزدحم بالمشاة والمركبات، وكأن كل ما كان يطالعه عبر هاتفهِ مُجرد أكاذيب أو محض خيال، أو شائعات تسطو على أرض الواقع، فتملأ المجالس واللقاءات بالكلام القائم على توقعات أساسها شائعة، مفادها استقطاب مشاهدات وقرّاء وأعداد لعالم افتراضي يبحث فيه البعض عن الترند، وهذا يجعلنا كلما جلسنا أمام هواتفنا نطالع الأخبار وجدنا أنفسنا نغرق في سيل الأخبار التي لم نعد نميز الصدق فيها من الشائعة، وهذا يحدث مهما حاولنا اعتماد موقع أو اثنين على أنهما مواقع إخبارية رسمية صادقة ومعروفة المصدر، فلا مفر من سيل الشائعات التي تنهمر من كل الجهات، والتي تجعلك تعيش حربًا بأخبارٍ بعيدةٍ عن الواقع، وتحضُر نقاشات تحتوي على تأملات الكلام الضائع في الوقت الضائع في المكان الضائع.

مجالسنا كلها حوارات سياسية زادت في زمن الحرب، الأمر ليس بجديد، صحيح أن لتلك المجالس نكهة خاصة، وفيها فيض من التوقعات والأمنيات، لكنها في زمن الحرب مدعاة للتوتر أحيانًا، ففي يد كل واحد منا جهاز هاتف مليء بمجموعات الأخبار، وبين خبر يقوله أحدهم، خبر آخر يأتي على هيئة العاجل، وبين العاجل العاجل، عاجل، وسريعًا نجد اللقاء وقد تحول إلى أخبار مزدحمة بالعاجل، بينما الحرب لم تبدأ بعد، والانتظار والترقب هما سيد الموقف، فوحدها حرب الإبادة في غزة مستمرة، ووحدها حقيقة الموت والجوع والعطش في غزة تضعنا في حيز القهر والحزن على ضعفنا الرهيب وحالة أبناء شعبنا الذين يبحثون عن النجاة ويعيشون ظروفًا مستحيلة في خيام النزوح ومراكز الإيواء.

متابعة أخبار مجموعات الواتس آب تحتاج إلى صبر طويل، كما تحتاج إلى وقت أطول فاليوم الواحد لا يكفي لمطالعة كل ما يرد من أخبار، خاصة حين تزدحم المجموعات والقنوات بآلاف الرسائل التي لا تجد وقتًا يسعفك لمطالعتها، فتلقي بها إلى سلة المهملات، وهذا طبيعي جدًا، أما الشيء غير الطبيعي أنك إذا جالست أحدهم وأصغيت لما يقوله، وفي حواركما حاولت تصحيح بعض المعلومات أو الأخبار، وجدته يصرّ على رأيه، رادًا بالقول: أنه يأتي بالأخبار من مصدر موثوق؛ ثم بعد أقل من دقيقة يأتي الخبر اليقين من مجموعة أخرى، مكذبًا للمصدر الموثوق.

الحرب على الواتس آب أكبر بكثير من الحرب المنتظرة في الإقليم.

متابعة أخبار مجموعات الواتس آب تحتاج إلى صبر طويل، كما تحتاج إلى وقت أطول فاليوم الواحد لا يكفي لمطالعة كل ما يرد من أخبار