كيف تتمثل نسخة "الردع النووي" الزهيدة لدى "حزب الله"؟ تقرير حول الحرب بين إيران وإسرائيل
رصد تقرير نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية، التصورات حول حرب شاملة بين إسرائيل من جهة، وإيران وحلفائها من جهة أخرى، عقب اغتيال قياديين في "حماس" و"حزب الله" مؤخرا.
كيف تتمثل نسخة "الردع النووي" الزهيدة لدى "حزب الله"؟ تقرير حول الحرب بين إيران وإسرائيل
وحسب تقرير نشرته "التايمز" لمايكل كلارك، وهو أستاذ في دراسات الدفاع في كلية "كينغز لندن"، كيف ستبدو الحرب بين إسرائيل وإيران؟
كثيرا ما يخشى البعض أن تتحول الاغتيالات الفردية إلى حروب. وقد بدا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية صباح الأربعاء في طهران، بعد ساعات فقط من اغتيال إسرائيل للقيادي الكبير في "حزب الله" فؤاد شكر بغارة على الضاحية الجنوبية لبيروت، وكأنه قد يتقدم خطوة جديدة على الطريق إلى حرب شاملة بين إسرائيل وإيران.
وزعمت إسرائيل أن شكر كان وراء القصف الذي ربما كان عرضيا لملعب الأطفال في مجدل شمس في 27 يوليو وأدى إلى مقتل عدد منهم، في حين أن الحزب نفى مسؤوليته عن ذلك، مؤكدا أن الصاروخ الذي سقط على الملعب كان صاروخا اعتراضيا إسرائيليا.
وعندما سافر هنية إلى طهران لحضور تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود يزشكيان، تم اغتياله في أحد بيوت الضيافة. ولم تتبنّ إسرائيل الاغتيال ورفضت التعليق عليه، في حين أن إيران و"حماس" وجهتا أصابع الاتهام إليها.
كان هنية دائما على رأس قائمة الأهداف التي تسعى إسرائيل إلى قتلها في "حماس"، وكانت هناك فرص أخرى لقتله، لكنهم اختاروا اغتنام هذه الفرصة بالذات في تحد للإيرانيين واستفزازهم لبدء حرب عندما ترد طهران عليه ــ وهو ما ستفعله بالتأكيد ــ في غضون الأيام القليلة المقبلة، وفق التقرير.
إيران أبلغت الأمم المتحدة يوم الجمعة أنها تتوقع هجوما على إسرائيل من "حزب الله"، وأن الحزب "لن يقتصر في رده على الأهداف العسكرية".
في العواصم الغربية، يُشار إلى أن إسرائيل وإيران لا تريدان حربا شاملة.
ويُعتقد أن إيران ستحفز حلفاءها الآخرين، بما في ذلك "حماس" والحوثيين في اليمن، على القتال دعما لـ"حزب الله"، علما أن طهران وحلفاءها أطلقوا في المرة الأخيرة التي افترضت فيها إسرائيل هذا، في هجومها في أبريل على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، 350 صاروخا وطائرة بدون طيار على إسرائيل لكنها لم تلحق سوى أضرار طفيفة فيها.
ولكن هناك قلق متزايد، وخاصة في واشنطن، من أن تجعل غرائز البقاء على سطح السياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والصهاينة المتطرفين الذين يدعمون حكومته يستعدون لمواجهة "حزب الله" في لبنان عاجلا وليس آجلا، وهم يزعمون أن "حماس" ليست مشكلتهم الأمنية الرئيسية، ولا غزة، على الرغم من كل البؤس الذي يعيشه مليونا شخص، وأن التهديد الرئيسي هو من "حزب الله" في لبنان ومن الطريقة التي تستخدمه بها طهران لمواصلة حربها المفتوحة ضد إسرائيل. لقد حان الوقت لتوطينه في لبنان وإجبار إيران على الاختيار بين التراجع أو مواجهتهم بالكامل، حسب التقرير.
هذه ليست وجهة نظر تشمل كل النخبة السياسية أو الجمهور في إسرائيل، لكن قوات الدفاع الإسرائيلية استوعبت هذا السيناريو منذ فترة طويلة في تخطيطها الاستراتيجي، ويشعر الكثيرون في الجيش أن وقته حان بعد هجمات السابع من أكتوبر.
لا يريد أي جيش خوض حرب على جبهات متعددة، إلا أن الجيش الإسرائيلي يواجه نصف دائرة من الخصوم الذين يتحدون دفاعاته الجوية، من لبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن، كما أن الاضطرابات في الضفة الغربية تقترب من نقطة الغليان، وقد تم تقليص حرب غزة إلى مجرد مكافحة المقاومة في المناطق الحضرية حيث يعتمد جيش الدفاع الإسرائيلي بشكل أساسي على القصف والتوغلات البرية القصيرة. وما زالت لا توجد خطة سياسية واقعية لمستقبل غزة. ولكن أحد الثوابت القليلة في سياسة جيش الدفاع الإسرائيلي الأخيرة كان سحب قواته البرية من غزة لجعلها متاحة للعمل في الشمال.
إذا كانت الحكومة الإسرائيلية مستعدة لفتح جبهة قتالية جديدة في لبنان، فما الذي قد تنطوي عليه حرب لبنان في عام 2024؟
من المؤكد أنها لن تكون مثل الحروب السابقة في عام 1978 أو 1982 أو 2006. فحزب الله أقوى بكثير مما كان عليه قبل عشرين عاما، بعد جيل من الدعم الإيراني الحازم. والتقدير يشير إلى أن حزب الله يمتلك أكثر من 150 ألف صاروخ، مقارنة بنحو عشرة آلاف صاروخ كانت تنسب في الأصل إلى "حماس"، ربما يكون هذا تقديرا أقل من الواقع. فهناك أيضا الطائرات بدون طيار وقذائف الهاون والمدفعية الصاروخية، ويستطيع "حزب الله" مهاجمة إسرائيل بما يقرب من نصف مليون مقذوف.
وفقا للتقرير، هناك شبكات من الأنفاق لدى "حزب الله" - أكثر بكثير مما لدى حماس في غزة - عبر جنوب لبنان وعلى طول الحدود السورية، وهناك المخابئ العميقة ونقاط إطلاق النار في منطقة جنوب نهر الليطاني وصولا إلى الحدود مع شمال إسرائيل. في غزة ، تحارب حماس كقوة مقاتلة، لكن حزب الله ، مع ما يصل إلى 50000 مقاتل مدرب، هو أكثر من ضعف حجم "حماس" ويتم تدريبه على العمل على حد سواء كجيش نظامي وكجيش لحرب العصابات.
لدى "حزب الله" الآن، في الواقع، نسخة زهيدة من "رادع نووي" تتمثل بعدة آلاف من الصواريخ الطويلة المدى، وكلها تستهدف شمال إسرائيل. فإذا أطلقها جميعا في عدد قليل من رشقات ضخمة، فإنها ستتغلب على الفور على الدفاعات الجوية لإسرائيل ويمكن أن تدمر المراكز السكانية والبنية التحتية في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك تل أبيب وحيفا.
إذا لم يتمكن الإسرائيليون من التعايش مع هذا الخطر، فسوف يضطرون إلى تنفيذ سلسلة من الهجمات السريعة في عمق لبنان للسيطرة على مواقع إطلاق الصواريخ ومخزونات الصواريخ وأنظمة الأنفاق وكل شيء. إذا لم تتمكن إسرائيل من تحقيق ذلك، فقد تحاول شن حملة جوية شرسة وخاطفة لتحييد التهديد الصاروخي. ولكن في النقطة التي يكون فيها الهجوم الجوي ناجحا حتى في النصف، سيكون لدى حزب الله حافز كبير لإطلاق النصف الآخر من ترسانته "النووية"، على حد وصف التقرير.
وإذا تعثرت قوات الدفاع الإسرائيلية في الأراضي الجبلية في لبنان، أو وجدت نفسها تقصف أهدافا أبعد إلى الشمال مع تأثير استراتيجي ضئيل، أو تقاتل بقوة داخل الحدود السورية مع استغلال حزب الله للملاذ الآمن، فسوف تكون عملية مرهقة، تهدد باستمرار حرب شمال إسرائيل بينما ستكون الهجمات المتجددة من "حماس" في غزة والضفة الغربية ومن الحوثيين في اليمن أمرا مؤكدا تقريبا.
إن احتمالات نجاح جيش الدفاع الإسرائيلي ضئيلة في كل هذه السيناريوهات. ولا بد أن يبدأ في التحرك قبل منتصف أو أواخر أكتوبر عندما يتغير الطقس في الجبال اللبنانية.
ومع ذلك سحب الجيش الإسرائيلي وحدات من غزة وأعاد تجهيزها، وأعاد بناء مخزونات الأسلحة، ومدد إشعارات استدعاء قوات الاحتياط، وأعد ستين ألفا من السكان الإسرائيليين الذين تم نقلهم من المنطقة لفترة إجلاء طويلة. ويبدي الجيش الإسرائيلي كل نية في نقل مركز عملياته من غزة إلى لبنان.
قد يكون كل شيء خدعة لتخويف "حزب الله" وحثه على التراجع والكف عن تكرار هجماته اليومية. هذا اسمه الردع. ولطالما كانت السياسة الإسرائيلية تستند إلى مثل هذه المبادئ، الردع بقوتها النووية، وصولا إلى الردع بالطريقة التي اغتالت بها استخباراتها أي شخص تعتبره عدوا قاتلا. ويشعر الكثيرون في جيش الدفاع الإسرائيلي هذا الأسبوع بأنهم "يعيدون تأسيس" ردعهم التقليدي بعد الضربة التي تعرضوا لها في هجوم 7 أكتوبر.