باحث مغربي يقترح «التأمين على الزواج والطلاق» لمواجهة ظاهرة الطلاق وهشاشة العلاقات الزوجية
عبّرت شابة عشرينية عن إعجابها بأسرة صغيرة مكونة من أربعة أفراد، الأب يمازح ابنته والأم منهمكة في مداعبة ابنها، صديقتها خطفت منها البسمة، وأوقفت سيل الأماني والأحلام في تكوين أسرة، حين قالت لها، «الطلاق أكثر من الزواج في المغرب» وأضافت بواقعية «هذا الأب لو قدّر الله وطلق زوجته، فلن يلتزم بالنفقة وستكون القضية في المحاكم، وقد تنتهي بالسجن أو بالأداء وهو مرغم على ذلك». هذا الحوار الذي دار بين الفتاة وصديقتها وهما على متن «الترام» من سلا إلى الرباط، يلخّص وضعا وصفه عدد من المتتبعين بـ«المقلق» صارت فيه عدد الزيجات في تناقص في مقابل تزايد حالات الطلاق، وما بينهما العديد من القضايا في المحاكم على ذمة النفقة وعدم التزام الزوج بها لزوجته السابقة وأبنائه.
بعد أن كان الطلاق «أبغض الحلال عند الله» صار أقرب وأقصر الطرق لهدم حياة كاملة، وهنا تبرز إحصائيات صادرة عن وزارة العدل، سجلت خلال سنة 2020 ما مجموعه 20372 حالة طلاق، هذا في محاكم الاستئناف، أما المحاكم الابتدائية فقد سجلت 68995 حالة طلاق للشقاق، فيما بلغ عدد حالات الطلاق الاتفاقي 24257 بينما طلاق الخلع فقد جرى تسجيل 6611 حالة.
وتشهد ظاهرة الطلاق في المغرب تزايدا حادا، خاصة بعد جائحة كوفيد-19 ما يكشف عن عدم التوافق بين الأزواج. منذ إصلاح قانون الأسرة في عام 2004 ارتفع عدد حالات الطلاق بشكل ملحوظ، حيث وصل إلى ما يقرب من 135.724 في عام 2021. ويظهر هذا الاتجاه ارتفاعًا في حالات الطلاق السريعة وزيادة لجوء النساء إلى تقديم طلبات الطلاق، ما يعكس مشاكل في الزواج.
وعلى الرغم من أن هذا التطور يشير في جانب منه إلى مسألة الاختيارات الشخصية، فإنه يثير أيضًا ـ حسب ملاحظين ـ مخاوف بشأن عبث الزيجات، حيث إن العديد من حالات الطلاق تكون مدفوعة بأسباب لا طائل من ورائها. ويؤثر الاستهانة بالطلاق بشكل خاص على الفئات الاجتماعية الضعيفة، ما يؤدي إلى عواقب وخيمة على الأطفال، مثل ترك المدرسة وانعدام الأمن.
ويعكس هذا الوضع تغيراً اجتماعياً عميقاً يتطلب اهتماماً عاجلاً ووقفة تأمل كما يؤكد على ذلك علماء الاجتماع، ويستدعي إجراءات عملية للحد من هذا السيل الجارف الذي سيغرق الأسرة المغربية، وبالتالي ستضيع لحمة المجتمع من خلال أكثر الروابط قدسية، وانهيار السقف الذي يحمي جيل الغد الممثلين في الأبناء.
أما خبراء القانون، فهم على يقين أن حالات الطلاق وملفاتها في المحاكم توازيها حالات الاخلال بالالتزامات المادية (النفقة) للزوج تجاه مطلقته وأبنائه، وهو ما تدل عليه الأحكام القضائية في هذا الاتجاه التي لا تمنح للزوج أي فرصة للهرب من مسؤولياته، حتى أن بعض المحامين قارنوا بين فورية الإخلال بـ«النفقة» وإصدار «شيك دون رصيد» الشيء الذي يوضح حرص القوانين المغربية ومنفذيها والحاكمين بها، على حماية الأسرة.
وتدخل «مدونة الأسرة» (قانون الأسرة) في هذا الباب، وليس النقاش المستفيض والجدل الذي يرتفع منسوبه في قضايا خلافية سوى ملمح من الوجه العام للأهمية التي يوليها المغاربة لمؤسسة الزواج وللأسرة كنواة لمجتمع سليم خال من أي شوائب.
بالنسبة لقضايا «النفقة» فقد أفادت إحصائيات بأن عددها في محكمة الاستئناف بالرباط العاصمة فقط، سنة 2022 بلغ ما مجموعه 1521 قضية، قد يبدو الرقم صغيرا مقارنة مع عدد حالات الطلاق، لكن الأول يهم محكمة واحدة بينما الثاني يهم كل محاكم المغرب.
السؤال المقلق فعلا، ماذا حدث لقدسية الزواج في المغرب؟ هو ما تجيب عنه الأرقام المخيفة المذكورة، التي تؤكد أن الأسرة طرأت عليها مستجدات عديدة، لذلك يؤكد الخبراء على ضرورة مواكبة ذلك بمستجدات في صيغ الحلول الممكنة، فقهيا وقانونيا واجتماعيا واقتصاديا.
مخاطر تهدد الاستقرار المجتمعي
وفي ذلك يقترح الباحث والفاعل في الحركة الحقوقية النسائية، سامر أبو القاسم «التأمين على الزواج» كحل، لأن «أحوال الأسرة اليوم تدعو إلى الالتزام بوضع حد للممارسات التي تنطوي على مخاطر تهدد الاستقرار المجتمعي، والتوجه نحو اعتماد أنظمة للكشف عن المشاكل التي تزداد تعقيدا في الواقع الأسري، والعمل على تحسين ظروف وشروط إنشاء أسرة لضمان الفعالية والنجاعة والوقاية من التداعيات والمخاطر، ومنع خروج الأوضاع عن السيطرة».
وتحدث أبو القاسم عن المجتمعات الإسلامية بصفة عامة، في تصريحه لـ «القدس العربي» وذلك «باعتماد معطيات وعناصر التطور الحاصل في بنيتها» وأيضا «باستيعاب ضرورة حضور فكر متجدد مستحضر لشروط بناء مسار تحديثي مسترسل».
ووفق ما ذكر، يؤكد الباحث المغربي الحاجة إلى «التفاعل مع العديد من المقترحات ذات الأبعاد السوسيوثقافية والقانونية والفقهية، وضرورة لفهم مقاصدي يجلب مصالح إنسانية ويحمي من أخطار ومفاسد مهددة للكيان المجتمعي، وتعبئة لتحرير الإنسان وتحقيق توازنه المجتمعي والروحي، في أفق إنجاز طموح تنموي مستدام».
ومن هذه المنطلقات، يوضح المتحدث، «لابد من الإقرار بهشاشة العلاقات الزوجية، وهو ما يفرض تفادي إفقاد طابعها التعاقدي بين طرفين متساويين في الحقوق والواجبات؛ خاصة بالوقوف على غياب للحماية الاجتماعية والقانونية، فهشاشة البنية الأسرية، وظروف العيش الصعبة لعائلات النساء المطلقات، وانحياز القانون للرجل، كل ذلك يعزز جعل الطلاق بيد القضاء وأحقية تولي المطلقة الحاضنة المسكن العائلي وحصولها بالتساوي مع المطلق على الممتلكات الزوجية، ويُرسِّخ قناعة وجوب المواكبة الجماعية لنمو الأولاد وتنشئتهم دون تملص أي طرف من هذه المسؤولية المشتركة إلى غاية وصولهم إلى بر الأمان، ويؤكد على أهمية دور مؤسسات الدولة في توفير الحماية الاجتماعية لضحايا الطلاق، الذي ما فتئت نسبه تعرف تزايدا مطردا».
وتابع أبو القاسم توضيح أسباب نزول مقترحه بكون «حل عقد الزواج وإنهاؤه يرتبط بهدم كيان الأسرة الأساسي في البناء المجتمعي بصفة عامة، وبتقويض العلاقات الزوجية والأسرية كجزء من الحياة الاجتماعية، لذلك فالعقل والحكمة يقتضيان ترتيب شروط تأمين سلامة الأسرة واستقرارها. والأصل في توقيع هذا الإنهاء للعلاقة الزوجية القائمة ينبغي أن يقوم على أساس الخضوع لإجراءات وقيود ومسطرة تجعل الطرفين أمام وضعية تقدير المسؤولية وتحملها في اتخاذ القرار النهائي بشأن حل هذا الميثاق والإجراءات المرتبطة به».
تنظيم العلاقة الزوجية
وبالنسبة للفاعل في الحركة الحقوقية النسائية، فإن «مصلحة المجتمع تتطلب إعادة النظر من جديد برؤية منفتحة ومتطورة في طبيعة تنظيم العلاقة الزوجية وانتظامها، وفي صيغ توقيع الطلاق مراعاة للأسباب والدواعي التي تقتضيه، إذ المقصد العام هو رفع الضرر حيثما وجد، يتساوى في ذلك الرجل والمرأة، دون تمييز. ولذلك وجب وضعه في يد القضاء للتثبت من الأسباب والدواعي، بعد استنفاد مساعي الصلح مراعاة لمصالح وحقوق الأطراف من زوجة وزوج وأولاد».
ويتوقف المتحدث عند «بروز ظاهرة عدم القدرة على الوفاء بالالتزامات الناتجة عن الطلاق أو التحايل من أجل التنصل من المسؤولية تجاه حقوق الزوجات والأولاد، والتي تؤدي في بعض الحالات إلى الزج بالمُطلِّق في السجن، من دون أن تكون للأطراف المتضررة أية مصلحة في ذلك، ومع قصور واضح للفقهاء في الاجتهاد من داخل مصادر التشريع الإسلامي لإبداع حلول لهذا العطب المُدمِّر للكيان المجتمعي داخل هذه البلدان بفعل انغلاقهم وعدم قبولهم بالتفاعل مع الحلول العصرية المُبتكَرة، وفي غياب سياسات عمومية عصرية قادرة على تفادي الانعكاسات السلبية لهذه الظاهرة على الأسرة، أصبح الطلاق يتطلب تأمينا على الأشخاص والممتلكات لتسديد خدمات ذات طبيعة إنسانية وحقوقية وتعويضية للمتضررين من مكونات الأسرة».
لذلك، يوضح أبو القاسم، «فقد أصبحت المؤسسة الزوجية تخضع لثقل وضغوط الواقع المعيشي للمواطنات والمواطنين بشكل كبير ولا يطاق، من حيث حجم المشاكل التي أصبحت تعانيها، والتي يكون في الغالب مؤداها الوقوع في أبغض الحلال وإنهاء عقد الزواج».
وحسب الباحث فإنه «مع ارتفاع نسب الطلاق في البلدان الإسلامية بشكل ملفت ومريع، وفي ظل التيه من حيث تحصيل واستخلاص ما يترتب عنه من حقوق ومستحقات متعلقة بمؤخر الصداق والمتعة والنفقة والسكن والحضانة يثبت الواقع اليوم أن لهذا القرار المصيري بالنسبة للأسرة أضرارًا تؤثر بشكل كبير وخطير على الوضع والأفق المستقبلي لمكوناتها. وهو ما يتطلب البحث عن حلول قد تَعِدُ بنوع من الضمان لتسديد مبالغ الحفاظ على الحقوق والمكتسبات لكافة المكونات الأسرية، خاصة الزوجات والأولاد».
ومن ثم، يرى سامر أبو القاسم أن «التأمين على الزواج بالمفهوم العصري بإمكانه أن يغطي المخاطر التي يُتوقَّع حدوثها على المؤمن له المشار إليه في عقد التأمين بسبب الطلاق (مطلقات، أولاد) وقد يضمن أداءً بناء على اختيار المؤمن عليه (رأسمال أو معاش) في حالة وقوع الطلاق». ويزيد موضحا، «خاصة وأن المبدأ هو التأمين على الضرر، الذي قد يُمكِّن من تعويض مستحق من قبل المؤمن يغطي قيمة الأضرار التي قد تلحق بالمؤمن له المُتضرِّر (متعة، حضانة، نفقة، سكن، مرض، عجز، إعاقة) عبر تحديد مبالغ مؤمنة بموجب عقد التأمين؛ والذي ينبغي أن يشمل تأمينا على الممتلكات لضمان تعويض على ضرر قد يلحق بالمؤمن له نتيجة خسائر أو أضرار تطال حقه في الممتلكات، وتأمينا على المسؤولية لضمان عواقب مالية للمسؤولية المدنية التي قد تقع على عاتق المؤمن له نتيجة أضرار جسدية أو مادية أو غير مادية قد تطال الغير (زوجات وأولاد)».