الحكومة تخطئ عناوين الشارع
بعد حالة وطنية من التفاؤل رافقت تشكيل حكومة القاضي عون الخصاونة، وارتفاع مستوى التوقعات حول إمكانيات الحكومة التي بدا أنها قادمة لإحداث التغيير والإصلاح فقد بات واضحا اليوم وبعد انخراطها في مجالات العمل اللازمة انها تكرار لنمطية الحكومات المتعاقبة التي تُمضي الوقت دون انجازات ملموسة، بل وتعمد إلى زيادة منسوب الشكوى والاحتقان، ولا تترك أثرا حقيقيا في حياة شعبها، وتأتي وتذهب والقضايا هي ذات القضايا، ومكامن الخلل باقية ، والإنسان الأردني عرضة للتطرف بسبب تراكم الأزمات، وسوء الأحوال المعيشية، وانفصال الطبقة السياسية عن معاناة الفقراء، وتفهم احتياجاتهم الملحة في هذه الحياة.
وقد درجت الحكومة كما يبدو على عدم الاكتراث بخطورة الأوضاع الداخلية المتأثرة بالوضع الإقليمي ، ولكونها لا تحظى بجهات تعمل على دعمها من الخلف بدت مواطن ضعفها السياسية، وباتت عاجزة تماما عن معالجة أزمات الداخل ، وتحولت في كثير من سياساتها إلى ضرب التطلعات الوطنية لولوج مرحلة جديدة في الحياة العامة.
وهي حكومة عادية تأتي في ثنايا مرحلة استثنائية، وأضفت مزيدا من عوامل التوتير على الشارع على خلفية مواصلتها سياسة الحكومات السابقة التي تمضي مددها الدستورية في اختزال الأردن في إطار الأحزاب والصالونات السياسية ، وتخلي مسؤوليتها عن شعب يترامى خلف عمان ، وقد مكنت الظروف الإقليمية من إدخاله إلى حيز التأثير السياسي، وبات من الضرورة أدراجه في صميم السياسة، والخطط الحكومية لتحقيق النجاح، والحفاظ على الاستقرار. فهذا الشعب الذي لم تؤطره الحكومة، واكتفت بمحاورة النخب التقليدية في عمان أصبح في حالة غليان، ولم يعد يقبل بدور النظارة في مسرح الحياة السياسية المدارة وطنيا لمصلحة الطبقة السياسية بتبايناتها المختلفة.
وقد اخطأت الحكومة منذ يومها الأول في الوصول إلى عناوين الشارع، وراحت تلاحق بعض تجليات الحياة الحزبية في عمان، وأهملت ممثلي الشارع السياسي، والاجتماعي الحقيقيين، وتجاوزت طبيعة المجتمع الأردني، وقواه الاجتماعية، وتمكنت من تحويل أجزاء كبيرة من خط الموالاة إلى خصوم جدد للسياسات على خلفية الإهمال، ولم تربح بدورها المعارضة التقليدية التي واصلت تشكيكها في قدرة الحكومة على تحمل أعباء المرحلة. وفي سياق هذه المرحلة تحركت المجاميع على شكل معارضة مستجدة، وانصهرت في مظاهر متطورة من التعبيرات الشعبية، وربما أن بعض وجوه، وقادة الموالاة التقليدية أصبحوا يقودون الحراك المعارض بسبب عدم قدرة الحكومة على الاحتفاظ بهذا الخط الذي حفظ استقرار المملكة، وضمن هدوء الساحة المحلية لعقود خلت.
الحكومة فشلت في إقناع الأردنيين بجديد تحمله في جعبتها في مجالات الإصلاح، والتغيير، وإنها جادة في التعامل مع متطلبات المرحلة غير المسبوقة، وان أولويات الشارع الأردني ستجد طريقها للتنفيذ، وأهمها اجتثاث جذوة الفساد، ونصب موازين العدالة في الإدارة الأردنية، وتطوير أداء المؤسسات العامة، وبث الروح الايجابية في الموظف العام وتحفيزه، والوصول إلى صيغة تفاهم مجتمعي حول الإصلاح، وإشعار المواطن بإمكانية بناء منظومة العدالة الاجتماعية بعد عقود من الفساد الذي دمر سمعة المؤسسات العامة، ومن ثم إطلاق عملية سياسية تؤدي إلى نقل حراك الشارع والنخب إلى المؤسسات، سدا للأبواب المشرعة على الفوضى والاضطراب وخسران ميزة الأمن والاستقرار في الأردن.
وقد بدأ الأردن يشهد حالة مما يشبه الانفلات، ولا تكاد الحكومة تستشعر خطورة الوضع لتنتقل إلى الميدان، وتعمل على فكفكة الأزمات، واجتراح التشريعات، والقوانين الملحة لتحريك المياه الراكدة في الحياة العامة، ولم تفتح جسرا مع الشعب، ولم تنقّ الحياة العامة من الشوائب، وحتى القضايا اليومية في المحافظات فتبقى عالقة، ولا تجد لها حلا ممكنا مهما كان بسيطا.