شهادات جنود احتياط في غزة تضع إسرائيل في مأزق
نشرت صحيفة "أوبزيرفر” تقريراً لروث مايكلصن وكويك كيرنزنباوم ذكرا فيه شهادات ثلاثة جنود احتياط إسرائيليين أرسلوا للحرب في غزة، وكيف أنهم يتحدثون عن رغبتهم بالابتعاد عن الجيش.
وبالنسبة للجندي في الخدمات الطبية، يوفال غرين، فقد كان الأمر بحرق منزل هو ما دفعه لإنهاء واجبه في الاحتياط. وقضى غرين 50 يوماً في خان يونس مع وحدة المظليين، حيث كان ينام على ضوء شعلة بالبطارية، وسط الركام والأنقاض.
وبدأ قبل أشهر بالشعور بالشك من هدف وحدته، عندما سمع رفض إسرائيل الاستجابة لمطالب "حماس” وقف الحرب مقابل تحرير الأسرى لديها.
وهو واحد من ثلاثة جنود احتياط أخبروا الصحيفة أنهم لن يعودوا للجيش لو طلب منهم. وأنهى ثلاثتهم الخدمة الإجبارية في الجيش المفروضة على الجميع في إسرائيل. وعادوا إلى الجيش بعد هجوم "حماس”، في 7 تشرين الأول/أكتوبر. لكن السلوك التدميري الذي رأى بقية الجنود في غزة يمارسونه أثار الشكوك التي حملها معه إلى غزة، وشعوره باليأس من دوامة العنف. وقال إنه ظل هناك بدافع من حسّ الرعاية للجنود الذين عرفهم أثناء الخدمة الإلزامية. وكانوا غاضبين بعدما شاهدوا الدمار الذي أحدثته "حماس” على جنوب إسرائيل.
وقال: "شاهدت جنوداً يكتبون الغرافيتي، أو يسرقون طوال الوقت، وكانوا يدخلون بيتاً لأسباب عسكرية، والبحث عن أسلحة، وأكثر من أجل المتعة، وكان لديهم شغف في البحث عن القلادات التي تحمل كتابات عربية ويجمعونها”.
وفي بداية هذا العام "صدر أمرٌ لنا، وكنّا داخل بيت، وأمَرَنا القائد بحرقه”. وعندما طرح الموضوع مع قائد مجموعته "كان الجواب بأنني لست جيداً بما فيه الكفاية. وقلت: إن كنا نعمل هذا بدون سبب فإنني لن أشارك، وغادرت اليوم التالي”.
وتقول الصحيفة إن الرد الإسرائيلي على هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر تحوّلَ إلى أطول حرب تخوضها إسرائيل منذ عام 1948، وأدت لمقتل أكثر من 39,000 فلسطيني في غزة. ويعتقد أن آلافاً آخرين لا يزالون تحت الأنقاض، و90,000 جريح، وتشريد معظم سكان القطاع، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، وفي الوقت الذي بات فيه المراقبون يخشون من توسّع الحرب إلى لبنان. وقال اثنان من الثلاثة إنهم سيعودون للجيش لو تحوّل تبادل الصواريخ اليومي بين إسرائيل و”حزب الله” إلى حرب شاملة.
وذكر ثلاثتهم أسباباً مختلفة لعدم العودة إلى غزة، من الطريقة التي يدير فيها الجيش الحرب، إلى تردّد الحكومة بعقد صفقة تبادل أسرى تنهي الحرب.
وتعلّق الصحيفة بأن حديث الثلاثة عن عدم استعدادهم للعودة إلى غزة يمثّل أقلية، لأن رفض الخدمة العسكرية يعدّ غير قانوني.
والشهر الماضي، وقّعَ 41 جندي احتياط على رسالة أعلنوا فيها أنهم لن يشاركوا في الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح، جنوب غزة. وكتبوا: "أثبتَ نصفُ عام من مشاركتنا في جهود الحرب أن العمل العسكري وحده لن يجلب الأسرى. وكل يوم يمر تتعرض حياتهم للخطر، ولم يوفر الجنود الأمن لمن يعيشون على حدود غزة والشمال”.
ولم يتفق المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، مؤكداً أن "الضغط على حماس أدى لعودة الكثير من الأسرى، كما حدث يوم أمس، عندما اكتشفت الفرقة 98 في الجيش خمس جثث”. وقال إن الجيش "يعمل بناء على القانون في ما يتعلق بالخدمة العسكرية، وتحديد واجبات الجنود. وكل حالة رفض يتم النظر فيها بناء على الظروف المتعلقه بها”.
وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتحقيق النصر الشامل، مؤكداً أن الضغط العسكري على "حماس” هو الوسيلة الوحيدة لإعادة الأسرى.
وقال تال فاردي، المدرس الذي تدرَّبَ ليكون جندي احتياط في الدبابات، في الشمال: "أي شخص له عقل يعرف أن الوجود العسكري لا يساعد على عودة الأسرى”، و”إذا لم نعد الأسرى، فإن كل ما يتسبب به هذا هو الموت على جانبنا وعلى الجانب الفلسطيني. لم أعد قادراً على تبرير هذه العملية أبداً، ولست مستعداً لأن أكون جزءاً من جيش يفعل هذا"، و”هذه العمليات عرّضت حياة الرهائن للخطر، وقتل الجيش الناس بالخطأ”، مشيراً إلى حادث، في كانون الأول/ ديسمبر، عندما قتلت القوات الإسرائيلية ثلاثة من الأسرى في غزة، كانوا يحملون الراية البيضاء ويتقدمون الجيش.
وقال جندي الاحتياط مايكل عوفير زئيف، الذي أثار الحادث لديه حس عدم العودة إلى الجيش عندما ينهي فترته في غزة: "كان هذا سيحدث”. وكان قلقاً من أن النظام يسمح بهذه الأخطاء.
وعاد زئيف إلى الجيش، بعد أيام من هجوم تشرين الأول/أكتوبر، كضابط عمليات، وهو ما عنى قضاء ساعات طويلة في النظر إلى شاشة تقدم بثاً حياً للصور التي تجمعها المسيرات من منطقة صغيرة في القطاع. وعنى هذا مراقبة الحياة اليومية للفلسطينيين، ومتابعة الكلاب الضالة، والسيارات المارة في الشوارع التي قصفت بالغارات. وقال: "ترى فجأة بناية ترتفع في الهواء، أو سيارة كنت تتابعها تختفي في سحابة من الدخان، شيء غير حقيقي”. وأضاف: "كان البعض سعداء لرؤية غزة، وهذا يعني مشاهدة أننا ندمر غزة”. وعندما دخلت القوات البرية القطاع، تغير دوره إلى متابعة الحركة ونشاطات الدعم، وكذا طلب أهداف للغارات.و”كنا نحصل دائماً على موافقة للضرب”، وكانت الموافقة على غارة جوية "مجرد قرار بيروقراطي”.
وشعر بالغضب، مما وصفه بغياب القواعد الواضحة للاشتباك، والتي لم تكن واضحة خلال الخدمة الإجبارية، ولكنها في هذه الحرب مائعة جداً، وفضفاضة بطريقة لم يجربها من قبل. و”بعدما أطلقوا النار على الأسرى الثلاثة، حاولت تذكر إن كان هناك سجل مثل هذا، يفترض اطلاعي عليه”، و”كنت متأكداً من إحاطات للجنود، ولكن بدون سجل يعتمد عليه، فليس من الواضح ما فهمه الجنود”.
ونفى المتحدث باسم الجيش وجود قواعد متساهلة للاشتباك. وأضاف أن الجيش يوفر التدريب المكثف للجنود عليها والتعامل بناء على ذلك، و”بشكل إضافي يتلقى الجنود، قبل أي عملية عسكرية، إحاطات مفصلة بشأن القواعد، وأيّ اتهام لغياب قواعد الاشتباك غير صحيح بالمطلق”.
ويتذكر زئيف أنه بكى في الحمام، عندما فقدت وحدته أثر طفل فلسطيني جريح عند نقطة تفتيش، وأشياء كهذه جعلته يفكر في دوره بالحرب، والهدف العام للقتال. وأضاف أن قرار الدخول إلى رفح، بدلاً من الموافقة على صفقة لتبادل الأسرى، أكد له أنه لن يعود إلى الجيش. وعندما تلقّى مكالمة من قائده للعودة، أخبره بأنه لا يستطيع العودة. و”عدت بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، وفكّرت أنهم ربما ارتفعوا فوق اللحظة، ويستخدمون وجودنا بطريقة مفيدة، ولكنني لست مستعداً للمشاركة في هذا، ولا أثق بالحكومة وما تقوم به”. ولكنه قال: "لو حدث أي شيء في الشمال، هناك فرصة للعودة. ومن جانب آخر أعرف ما سيحدث، وأعرف ماذا فعلنا في غزة، ولا يوجد سبب يجعلني أفكر بأننا سنتصرف بطريقة مختلفة في لبنان”.