الحرب الاقتصادية الأخيرة
يخوض الجنرالات في أمريكا "الحرب الأخيرة" بسبب الفشل في توقع المتغيرات، ويبدو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يخوض نفس المعركة الخاسرة. ديزموند لاخمان ناشيونال إنترست
لقد أصبح التعافي الاقتصادي بعيد المنال بسبب المخاطر العديدة الواضحة التي تهدده. حيث جاءت أرقام الناتج المحلي الإجمالي أقوى من المتوقع، مما يعطل إمكانية بنك الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة في اجتماعه السياسي المقبل. وبالتالي قد تكون فرصة تفادي الركود الاقتصادي قد فاتت، وفقا لنائب المدير في إدارة تطوير السياسات والمراجعة بصندوق النقد الدولي سابقا، ديزموند لاخمان.
إن السمة المميزة لبنك الاحتياطي الفيدرالي بقيادة جيروم باول هي نهجه المتخلف في السياسة النقدية. ففي عام 2021، كان بنك الاحتياطي الفيدرالي بطيئا بشكل لا يمكن تبريره في رفع أسعار الفائدة في وقت كانت فيه علامات تسارع التضخم واضحة. واليوم، أصبح بنك الاحتياطي الفيدرالي بطيئا للغاية في خفض أسعار الفائدة، في وقت توجد فيه علامات واضحة على تباطؤ التضخم وتزايد المخاطر السلبية على الاقتصاد.
ومن المرجح أن يقول بنك الاحتياطي الفيدرالي إن أرقام الناتج المحلي الإجمالي اليوم لا توفر له الطمأنينة الكافية بأن التضخم سينخفض إلى هدفه البالغ 2% على أساس مستدام. وفي دفاعه عن موقفه، سوف يشير بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني تسارع إلى 2.8%، وهو معدل أسرع من المتوقع. وسوف يشير أيضا إلى أن معامل انكماش الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي، وهو مقياس التضخم المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي، ارتفع بنسبة 2.7% مقارنة بالعام الماضي.
يبدو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي ارتكب خطأ أساسيا في عادات التسوق بعد الوباء بتخفيض أسعار العقارات التجارية، وبدء مطوري العقارات بالفعل في التخلف عن سداد قروض عقارية بقيمة 900 مليار دولار تستحق هذا العام. وسوف يضرب هذا البنوك بشدة في وقت ألحقت فيه أسعار الفائدة المرتفعة أضرارا جسيمة بمحافظ القروض والسندات. وتشير التقديرات إلى أن البنوك تجلس حاليا على أكثر من تريليون دولار من الخسائر في القيمة السوقية لتلك المحافظ.
ووفقا لدراسة حديثة أجراها المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، فإن ما يقرب من 400 بنك صغير ومتوسط الحجم قد ينهار بسبب أسعار الفائدة المرتفعة وأزمة العقارات التجارية. وإذا ما تحققت مثل هذه الإخفاقات، فإنها سوف تذكرنا بأزمة الادخار والقروض في ثمانينيات القرن العشرين، والتي ساهمت بشكل كبير في الركود الاقتصادي.
وهناك خطر آخر قد يعرقل التعافي الاقتصادي يتمثل في انجراف الولايات المتحدة نحو سياسات الحماية، وخاصة ضد الصين. ومن المؤشرات الواضحة على هذا الانجراف التركيز في دورة الانتخابات الحالية على الحاجة إلى حماية الوظائف الأميركية من المنافسة الأجنبية. فقد أوضح دونالد ترامب أنه إذا فاز في الانتخابات، فسوف يفرض تعريفة جمركية بنسبة 60% على الواردات من الصين وتعريفة جمركية بنسبة 10% على صادرات جميع البلدان الأخرى. وهذا من شأنه أن يحمل في طياته خطر الانتقام من قِبَل شركائنا التجاريين والعودة إلى سياسات إفقار الجار المدمرة اقتصاديا التي كانت سائدة في ثلاثينيات القرن العشرين.
وإذا نظرنا إلى الخارج، فسنجد أن المخاطر السياسية والاقتصادية التي ينبغي لبنك الاحتياطي الفيدرالي أن ينتبه إليها لا حصر لها. فالحرب مستمرة في أوكرانيا، في حين قد تمتد الحرب بين إسرائيل وحماس إلى بقية الشرق الأوسط. وتكافح الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والتي كانت حتى وقت قريب المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي، للتعامل مع التداعيات المترتبة على انفجار فقاعة الإسكان والأسهم الضخمة. وفي الوقت نفسه، تثير فرنسا المثقلة بالديون وغير القابلة للحكم شبح جولة أخرى من أزمات الديون السيادية في منطقة اليورو.