لا يهم من هو المسؤول عن فضيحة
خصخصة الفوسفات، هذه مسألة يفترض ان تحسمها العدالة حتى لو تواطأ بعض
النواب على طيها، المهم هو ان ما جرى في الفوسفات او مثلها في البوتاس
وموارد والكازينو والكهرباء والاتصالات "امنية” وغيرها من ملفات "الوهم”
الاستثماري كان بمثابة "قرصنة”: (سمه ان شئت فسادا)، دفع الشعب الاردني
ثمنا باهظا له، ومن حقه الآن ان يستعيد حقه فيه، وان يحرره بالكامل من قيود
الاذعان التي وقعها البعض لبيعه بأبخس الاثمان.
من حق "المتهمين”
ان يبرئوا انفسهم امام الرأي العام، وأن يدحضوا الشبهات التي لحقت بهم، لكن
الناس ليسوا قضاة لكي يدققوا في التهم والادلة والقرائن، ويوازنوا بين
البينات التي تقدم هنا وهناك، ولهذا فان اقصر طريق الى "كسب” البراءة هو
طريق المحكمة، هذا لو كان المتهمون يمتلكون الشجاعة للذهاب –طواعية- اليها
ليقدموا امامها دفوعاتهم ووثائقهم، عندئذ يمكن ان يعودوا الى الناس ويشهروا
امامهم "صكوك” براءتهم ولا يملك احد بعد ذلك ان يشكك في القرار.
لا
يوجد لدى الاردنيين "ثأر” شخصي مع اي شخص متهم بالفساد، مهما علا منصبه،
لكنهم يشعرون "بالاهانة” نتيجة استغفالهم والاستهانة بحقوقهم وبموارد
بلدهم، وبتعب آبائهم واجدادهم وهم بعد ان تكشفت امامهم حقيقة ما جرى لا
يريدون ان يردوا هذه الاهانة فقط، وانما يريدون ان يقتص لهم القضاء العادل
ممن قصروا في حمل هذه الامانة، واذا كان ثمة فساد مالي يمكن ان تجري تسويات
ما معه باسترداده مثلا فان ثمة فسادا سياسيا لا يمكن التصالح مع اصحابه
الا اذا صارحوا الناس به، واعتذروا عنه وعندها يصبح قبول "توبتهم” مرتبطا
بقدرة المجتمع على التسامح معهم، لان ما فعلوه لا يخضع لحسابات مالية يمكن
استردادها او تقسيطها وانما بحسابات "قيمية” دفع المجتمع تكاليفها من دمه
وعمره ومستقبله ايضا.
لا يمكن اقناع المواطن الاردني بان عملية
"الخصخصة” كانت نظيفة، ففي معظم هذه الملفات ثمة رائحة كريهة لا تستطيع كل
"التصريحات” ان تمنع وصولها الى الرأي العام، وثمة "وقائع” تشير الى ان هذه
العمليات التي جرت بعيدا عن اعين الناس كانت بمثابة "نهب” للمال العام،
واذا كانت حكومة ما تشعر بأنها "امتثلت” لمقررات حكومات سبقتها، او جرى
استغفالها فان مجرد الصمت طيلة هذه السنوات كفيل بادانة الجميع، لا لمجرد
المشاركة في القرار وانما بسبب هذا الصمت الذي لا يعني الا شيئا واحدا وهو
"التواطؤ” سواء أكان بقصد أم بلا قصد.
حتى الآن لم يخرج اي مسؤول
اردني ليقول انه اخطأ ومستعد للاعتذار عن خطئه، ومن المفارقات هنا اننا
جميعا متفقون على ان اخطاء لا بل فضائح ارتكبت في السنوات الماضية ولكننا
ما نزال نقيدها ضد مجهولين، او نختار –في حالات نادرة- اشخاصا من الوزن
الخفيف لتحميلهم مسؤولية هذه الاخطاء، فيما الحقيقة ان الحكومات التي كانت
بيدها الولاية العامة ويفترض ان تتحمل مسؤولياتها هي اول من تهرب من فضيلة
الاعتراف بالخطأ و مواجهة المحاسبة عليه ايضا.
اذا اردنا ان نخرج من
دوامة "الصراع” على الاصلاح فان اقصر طريق يمكن ان نسلكه هو "المصارحة”:
مصارحة المسؤول للناس بانه اخطأ ثم الاعتذار عن هذا الخطأ وتسديد
استحقاقاته، وعندها يمكن للناس ان يقبلوا او يرفضوا.. واغلب الظن انهم
سيقبلون وسيذهبون الى المحطة المطلوبة وهي: المصالحة، هذه التي ستطوى صفحات
مرحلة ملغومة وتفتح صفحات مرحلة جديدة تعيد للناس احساسهم بالكرامة..
وتسقط ايضا عن كاهل "المتهمين” ما عليهم من "ديون” مستحقة لا يجوز ان تظل
مقيدة ضد مجهولين.