لماذا يرفض "نتنياهو" الدولة الفلسطينية؟. مقال نادية سعدالدين



لا يؤمن «بنيامين نتنياهو» بحل الدولتين، وليس راغباً في السلام الذي يشكل تهديداً وجودياً للكيان الصهيوني كله ومُعولاً مضاداً لفكرة «أرض إسرائيل التاريخية» المزعومة، كما لا يريد تقديم أيّ شيء للفلسطينيين، سوى الدمار وإراقة الدماء، بوصفه مُنافحاً شرساً لأيديولوجية الحركة الصهيونية القائمة على العنصرية والتوسّع.

تعني إقامة الدولة الفلسطينية وفق حدود العام 1967، بالنسبة للسّاسة الصهاينة إثارة الهاجس الديمغرافي، وضياع الضفة الغربية كظهير استراتيجي للكيان الصهيوني، وتآكل مسوغات توظيف الدين في المشروع الاستعماري لشرقي القدس بالنسبة لحركة صهيونية علمانية لم تجد في المدينة أكثر من مجرد أداة توسعية و»بوتقة» صهر لجذب أطياف المستوطنين المتناثرين في أصقاع العالم.

ولذا؛ فإن أقصى ما يمكن أن يقدمه «نتنياهو»، تحت الضغط الأميركي والدولي، أن تشكل السلطة الفلسطينية نواة لحكم ذاتي محدود وليس تمهيداً للدولة الفلسطينية. ومن هنا ليس مطروحاً «حل السلطة» عند الكيان المحتل، لضمان استمرار التنسيق الأمني معه.

ولا يُعبر «نتنياهو» وحده عن هذا المنظور، إذ تلتف التيارات الصهيونية، اليمينية واليسارية والدينية، مجتمعة حوله، برفص الانسحاب لحدود 4 يونيو 1967، وتقسيم القدس بزعم أنها «العاصمة الأبدية والموحدة» للكيان المُحتل، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، ووقف الاستيطان، مقابل كيان فلسطيني منقوص السيادة ومنزوع السلاح، لا يخرج عن إطار حكم ذاتي معني بالشؤون الحياتية للسكان، خلا الأمن والسيادة الموكولين للاحتلال.

وتتفق الأحزاب الدينية الصهيونية، مثل «يهودوت هتوراة» و»شاس» بثقلهما الحكومي والبرلماني، مع نفس الموقف، بصورة أشد تطرفاً، عبر التمسك باحتلال الأراضي الفلسطينية بالكامل ورفض التسليم بفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة والمتصلة. في المقابل؛ رغم أن بعض اليسار الصهيوني يزعم تصالحه مع فكرة إقامة دولة فلسطينية، إلا أنه يرفض تقديم تنازلات تتعلق بالأراضي المحتلة اللازمة لإقامتها.

إن رفض الاحتلال إقامة الدولة الفلسطينية ينبثق من إنكاره للحقوق الوطنية الفلسطينية، وهذا الانكار يشكل ركيزة المنظور الصهيوني تجاه «الآخر» الفلسطيني العربي، بوصفه «الأدنى» منزلة إنسانية، مقابل الإيمان بنقاء الدم اليهودي الذي أكسب المستوطنين اليهود منزلة رفيعة وتميزاً وتفرداً عن الآخرين، وصاغ مزاعم «الحق التاريخي» «للشعب اليهودي المُختار» في «أرض الميعاد»، و»شرعيّة» السيطرة الأبدية على «أرض إسرائيل الكاملة»، أي فلسطين المحتلة، وتوسيعها إلى ما وراء الحدود الراهنة.

وأمام الصورة الأكثر قتامة؛ فإن التغييرات المستحدثة في الأراضي الفلسطينية لا يمكن أن تؤدي معها إلى دولة، أو بأقل تقدير، «كيان» فلسطيني أشبه بمجموعة من الجزر في بحر يسيطر عليه الاحتلال الصهيوني.

ليس مستبعداً أن تكون مصادقة «الكنيست» الصهيوني على مشروع يمنع إقامة الدولة الفلسطينية خطوة نحو تصعيد أكثر همجيّة ضدّ الضفة الغربية، وهذا نتيجة ما أفرزه مسار «أوسلو» منذ البداية، ليس لأن الاتفاق يحمل بذور فشله أو لاختلال موازين القوى لصالح الاحتلال فحسب، وإنما أيضاً لإصرار الكيان الصهيوني على تحكيم هذا الخلل في عملية فرض واقع مرفوض لا يحقق الحدّ الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني في التحرير وتقرير المصير.