في خضم الحراك الذي تشهده المنطقة العربية ، تعمل الولايات المتحدة على إستيعاب ' الربيع العربي ' و ' تحويله إلى ' خريف ' ربما لا تكون ليبيا آخر أوراقه و آخر غنائمه . حيث يحرك الأمريكي قطع الشطرنج فوق رقعة الشرق الأوسط و ما جاوره ، فهو يضحي ببيدق هنا و آخر هناك معطيا الخصم إحساسا وهميا بالنصر ، في الوقت نفسه يقدم فيه أحصنة طروادة و بيادق أخرى لتقوية تركيا و إعطاءها دورا أكبر يوازي الدور و النفوذ الإيرانيين في المنطقة ، و يوجه 'الربيع العربي' بعيدا عن بوصلة القدس و فلسطين . إيران الحالية التي يعتبرها الأعداء قبل الأصدقاء و كل الخبراء الإستراتجيين ، التهديد الحقيقي و الجدي لتواصل وجود ' إسرائيل ' على أرض فلسطين .
و بنظرة موضوعية ، نرى غزلا و ويكيلكسا خرجا إلى العلن بين العم سام و الكثيرين في أكثر من بلد عربي، فالنموذج الأردوغاني نال رضا و تزكية الأمريكي لإدارة المرحلة و و النية تتجه لتعميمه في دول الربيع من تونس إلى مصر مرورا بليبيا .
هذا التقارب الأمريكي الايدلوجي هو دعم مشبوه لطرف دون الاخر وموجه ضد إيران كمقدمة لفتنة سنية شيعية تحاصر إيران و حزب الله و تريح إسرائيل من أعداءها الأقوياء و تطيل عمرها. لهذا أعتقد أن المستقبل 'في المدى المتوسط ' سيشهد إعادة إحياء رسمية للحلف الأمريكي الوهابي الذي أثمر هزيمة الإتحاد السوفياتي في أفغانستان قبل أكثر من 32 عاما .
أول بوادر هذا التوجه هو 'الإعلان عن مقتل بن لادن' و المفاوضات الأمريكية مع حركة طالبان و ما تبعها من إعلان قطري عن فتح مكتب للحركة في الدوحة . فكما حارب 'الإسلاميون' بالوكالة عن الأمريكي في أفغانستان و ساهموا في إنهيار الإتحاد السوفياتي ، هاهي أميركا اليوم تعد العدة ليوم تظطر فيه لإستدعاء هذا السيناريو و توجيه هؤلاء من حيث يدري بعضهم و لا يدري بعضهم الآخر ، إلى تحقيق أمنية إسرائيل و مهاجمة إيران و توريطها في صراع إسلامي إسلامي يطيل عمر الكيان و يضمن لأميركا فترة أخرى من السيطرة على المنطقة و مقدراتها .
يحدث هذا وسط إحتقان طائفي غير مسبوق و شحن إعلامي موجه و ممنهج تدعمه أصوات شيوخ طائفيين تنفخ في نار الفتنة و تقرع طبولها .
و لأن الغرب لن يسمح أبدا و مهما كلف الثمن بوصول إيران إلى مرحلة اللاعودة في مشروعها النووي و في دعمها لحركات المقاومة ، فإن الخيار العسكري المباشر يبقى واردا و هو ما يؤكده كلام ساركوزي منذ فترة عن أهمية توجيه ضربة إستباقية وقائية لإيران و أن هذه الضربة مكلفة و مؤلمة لكنها ضرورية .
كما تؤكده الدرع الصاروخية الأطلسية المنصوبة على أرض الجار التركي . في المقابل ، و لأن الحرب على إيران تعني مغامرة مجنونة برتبة حرب إقليمية شاملة غير مضمونة النتائج ، فإن الخيار يتجه إلى إنتظار ما ستؤول إليه الأمور في سورية ، فلكي تضرب المقاومة العصية ، و عملا بمقولة فرق تسد ، إضرب داعمها السوري و ربطة الوصل بينها و بين إيران و إستبدله بآخر مطيع و منبطح ، يؤدي دور حسني مبارك في التضييق عليها و محاصرتها و يوجه ضربة حقيقية إلى الجمهورية الإسلامية مقابل صعود النفوذ العثماني الجديد و هو نفوذ محمود و مدعوم أمريكيا و إسرائيليا. من ناحية أخرى أعتقد أن الولايات المتحدة و أدواتها الإقليمية يستعدون لدبلجة 'الثورة السورية' إلى الفارسية تمهيدا لتصوير 'نسخة قوية' منها في إيران.
و إعتمادا على ما سبق ، أعتقد أن المزاج الأمريكي و الإسرائيلي يتجهان إلى مواصلة الرهان على قلب النظام في دمشق و الإعداد لثورة شعبية في إيران تأتي بنظام وديع و مسالم و هو ما يجنبهم مغامرة مكلفة و غير مضمونة النتائج .
بعد كل هذا ؛ يبقى السؤال عن إيران و خياراتها في التعامل مع هذه الإستحقاقات و المؤامرات داخليا و إقليميا دون أن ننسى تأثير الوضع السوري في كل هذا. و لأن كل شيء ممكن في السياسة ، فإنني أتبنى ما ذهب إليه الأستاذ سامي كليب عندما قال إن المنطقة مقبلة إما على حرب شاملة أو تسوية شاملة ، وأعدل هنا فأضيف إحتمالا ثالثا و هو أن تبقى حالة الحرب الباردة و توزع مناطق النفوذ إلى أن تحين ساعة الصفر و ساعة المواجهة و هي آتية لا ريب