قرار الكنيست لم يأت بجديد
إن واقع سياسات دولة الاحتلال ورؤيتها لن يستجيب لأي حلول سياسية تنهي الاحتلال الاستيطاني، ويوقف عدوان الإبادة وجرائمها المستمرة غير المسبوقة في التاريخ الحديث للشعوب، ومحاولتها إحلال مشرعهم بدولة يهودا والسامرة بدل الدولة الفلسطينية. لذلك، يتوجب الحذر من رؤيتهم لمحاولة الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، والتي يُفترض أن تشكل وحدة واحدة من أراضي الدولة الفلسطينية، والانتباه أيضًا إلى عدم تكرار تجارب سابقة لم تؤدِ سوى إلى ما وصلنا إليه الآن، ليس لأننا نريد ذلك، ولكن لأنه أصبح واقعاً قائماً بحكم التعاطي مع سياسات الولايات المتحدة السرابية، وتنكر الاحتلال لكافة الاتفاقيات، بل واعتبارها لاغية، والانخراط في مناقشة مسارات حلول أمنية واقتصادية أمام وصول المشروع السياسي لحالة الفشل بعد اتفاقية أوسلو، وغياب أفق سياسي واضح يعتمد رؤى بديلة.
والآن، وبعد قرار الكنيست يوم أمس، الذي أكد ما ذكرته في بداية المقال، فإنه لا وقت، وليس من المجدي إصدار إعلانات الشجب والتنديد بالقرار المذكور، الذي يُسقط عنهم ورقة التوت إن كان هناك ورقة باقية بالأصل في رفضهم لدولة فلسطين، ولحل الدولتين وفق الخيارات الأممية، بل هو محاولة لاستكمال مخطط ورؤية تدمير الكيانية الفلسطينية القائمة على حق مبدأ تقرير المصير لأصحاب الأرض الأصلانيين، وحقهم في دولتهم كاملة السيادة التي نادت بها القرارات الأممية، وأكدتها عبر القرار الصادر عام ٢٠١٢، وما تبعه في قرارها الأخير في أيار الماضي من هذا العام ٢٠٢٤.
إن الانتقال إلى تشريع رؤيتهم تلك، بشكل قانوني عبر قرار بالكنيست، يؤكد مرة أُخرى العداء المطلق لشعبنا، والرفض المطلق لتجسيد الهوية الوطنية الفلسطينية في وطننا، واعتبار فلسطين خارج القانون من جانبهم، وإسقاط ذلك على كل ما يترتب حتى على الوجود الفلسطيني بحد ذاته.
المطلوب الآن باعتقادي، هو ما كان مدار حديث سابق، أن يتم إعلان دولة فلسطين تحت الاحتلال، وفقاً للقرارات الأممية، وما أقرته الشرعيات الفلسطينية سابقاً، وأكدت عليه مراراً وتكراراً فى دوراتها المختلفة، بما يتطلب من إجراءات قانونية تقوم بها منظمة التحرير، خاصة بعد أن أعلن نتنياهو أن أتفاق أوسلو أصبح في حكم المنتهي.
إن زيارة نتنياهو المرتقبة للولايات المتحدة، والتي تأتي بعد زيارته السابقة للكونغرس عام ٢٠١٥ التي أثارت جدلاً حينها، وفي وقت حساس تشهد فيه حرب الإبادة والتطهير العرقي الإسرائيلية تصعيدا كبيراً وخطيراً ضد شعبنا الفلسطيني، خاصة بتنفيذ جرائم الحرب في غزة ومخيمات الضفة، وتهديدات الاحتلال بتقويض أشكال الحياة، مما يعزز من أهمية وفهم أبعاد وتأثيرات هذه الزيارة القريبة القادمة خلال أيام.
إن استقباله بالكونغرس الأمريكي والإدارة الأمريكية يعكس التماهي السياسي حول رفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة ديمقراطية ذات سيادة على كامل الأراضي المحتلة وعاصمتها القدس الشريف، فكل حديث الإدارة الأمريكية الحالية لا يختلف في جوهرة عن رؤية ترامب السابقة بالخصوص حول تجسيد "كيان الجبنة السويسرية" في الضفة الغربية دون سيادة، إضافة إلى ما يُخطط له الآن لفصل غزة، بعد كل ما حل بها من تدمير وقتل ودمار بأن جعلها مكاناً غير قابل للحياة، وعنوان تضارب وتنافس حول ما يسمى باليوم التالي للعدوان الإجرامي الذي يتواصل حتى اليوم في ظل وضع نتنياهو عصيّ في دواليب الصفقة الممكنة.
هذا إضافة إلى التماهي حول منهج الفكر الاستعماري العنصري الكبير بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فكلا الرؤيتين تنطلق أساساً من تقاطعات الفكر السياسي الذي قام على أساس التطهير العرقي والتهجي والممارسات العنصرية لإحلال استيطاني لجماعات مكان شعوب أصلانية أخرى بالمكانين أمريكيا وفلسطين رغم تباعدهما الجغرافي.
الآن مطلوب، وأمام هذا الواقع القديم الجديد الذي يتضح أكثر بشكل يومي، لمن كان متوهماً بحلول قريبة، اتخاذ كل الإجراءات اللازمة بعقول وقلوب واعية وصادقة نحو تجسيد وحدة كافة أبناء شعبنا بشكل ديمقراطي في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، بالمكانة الدولية التي تحظى بها كعنوان تمثيلي شرعي، والتحضير العاجل لانعقاد المجلس الوطني أو المركزي في حالة تعذر عقد السابق بعضوية تمثل الكل الوطني الفلسطيني، خاصة الشباب والمستقلين، إلى جانب الفصائل والقوى والمؤسسات الشعبية والأهلية للتوافق حول رؤية وبرنامج عمل وأدوات لمواجهة التحديات القائمة، وخطورة الأوضاع ومستقبل شعبنا وقضيتنا الوطنية.
.......
إن الانتقال إلى تشريع رؤيتهم تلك بشكل قانوني عبر قرار بالكنيست يؤكد مرةً أُخرى العداء المطلق لشعبنا، والرفض المطلق لتجسيد الهوية الوطنية الفلسطينية في وطننا، واعتبار فلسطين خارج القانون من جانبهم، وإسقاط ذلك على كل ما يترتب حتى على الوجود الفلسطيني.