نيويورك تايمز تدعو الأمريكيين لعدم انتخاب ترامب
قالت صحيفة "نيويورك تايمز” في افتتاحيتها التي زادت عن أربعة آ لاف كلمة، اليوم الخميس، إن دونالد ترامب ليس مؤهلا للقيادة، فهو خطير بالقول والفعل، وهو يضع نفسه فوق الدولة ويكره القوانين التي نعيش في ظلها. فللمرة الثالثة سيتم ترشيح ترامب للسباق الرئاسي عن الحزب الجمهوري الذي كان مرة حزبا عظيما ولكنه أصبح يخدم مصالح رجل واحد، ومن الواضح أنه غير مناسب لمكتب الرئيس وأكثر من رجل ترشح له في تاريخ الجمهورية الطويل. وهو رجل تتعارض قيمه ومزاجه وأفكاره ولغته مباشرة مع معظم ما جعل هذا البلد عظيما.
وتقول الصحيفة إن اختيار ترامب يثير القشعريرة ويأتي ضد اللحظة الوطنية، فعلى مدى عقدين من الزمان، عبرت غالبية الأمريكيين عن عدم رضاها عن مسار البلد ومرحلة ما بعد كوفيد والتضخم العنيد والانقسام الاجتماعي والجمود السياسي والذي ترك الكثير من الناخبين محبطين ويائسين.
وذكّرت الصحيفة بمثل ومبادئ الحزب الجمهوري الذي طالما بحث عن القوة من الناخبين من أجل حل هذه المشاكل ولبناء "المدينة المشعة على التلة”، كما كان رونالد ريغان يحب أن يقول. وكانت رؤية الحزب للولايات المتحدة متجذرة في موظفي الخدمة المدنية المبدئيين من جورج هيربرت بوش إلى جون ماكين وميت رومني، وعبرت عن قيم الحرية والتضحية والمسؤولية الفردية والخير العام. وانعكست هذه المبادئ من خلال أجندة الحزب المحافظة. وقد تخلى الكثير من الجمهوريين عن مظاهر القلق ودعموا ترامب بسبب مواقفه من الهجرة والتجارة والضريبة. إلا أن رهانات الانتخابات الحالية ليست عن الخلافات الأساسية بشأن السياسة، بل هي تأسيسية: فما هي الكفاءات الواجب توفرها في الرئيس الأمريكي والقائد الأعلى للقوات المسلحة؟.
وقد أظهر ترامب شخصية رجل لا يستحق أن يتحمل مسؤوليات الرئاسة. وكشف عن قلة احترام للدستور وحكم القانون والشعب الأمريكي. وبدلا من تقديمه رؤية مقنعة لمستقبل البلاد، ما يحركه هو التعطش نحو السلطة واستخدام مفاصل الحكومة خدمة لمصالحه وإرضاء رغباته ونزاعاته والانتقام ممن يعتقد أنهم أخطأوا معه. فهو ببساطة لا يصلح للقيادة.
وأضافت الصحيفة أن الحزب الديمقراطي منشغل بنقاشاته حول مناسبة الرئيس جو بايدن لولاية ثانية. والنقاش شديد نظرا لمظاهر القلق المشروعة من أن يكون ترامب خطرا على البلد، قوته وأمنه وشخصيته الوطنية. ولهذا فبديل ديمقراطي قوي هو الطريق الوحيد لمنع ترامب من العودة إلى السلطة.
وتقول الصحيفة إن فشل الجمهوريين في إجراء نقاش حول غياب الأخلاق والمزاج وعدم مناسبة حامل رايتهم للحكم هو مأساة وطنية. وبدلا من ذلك استبعدوا قيمهم الطويلة ووحدوا الصفوف وقرروا تجاوز ما قاله من عملوا مع الرئيس السابق عن عدم صدقه وفساده وعجزه.
ومن هنا، فالمهمة تقع على عاتق الشعب الأمريكي، "نحث الناخبين للتنبه إلى مخاطر ولاية ثانية لترامب ورفضها. فالرهانات والأهمية للرئاسة تتطلب رجلا لديه مؤهلات وقيم لكي يحصل على ثقتنا”. وتشير إلى أن الرؤساء يواجهون تحديات يومية لا تحتاج إلى قوة وإيمان فقط، بل صدق وتواضع وإنكار للذات وثبات ومنظور نابع من الحكم الأخلاقي السليم. ولو كانت هذه المزايا موجودة في ترامب، فإن الشعب الأمريكي لم ير أيا منها.
وتتابع أن أقوال وأفعال ترامب كشفت قلة احترام للحقوق الأساسية وغيابا للكفاءة والأخلاق التي يتطلبها منصب الرئيس. وهو يكذب بوقاحة وخبث وتبنى سياسة عنصرية وانتهاك النساء، ولديه غريزة تلميذ مدرسة يستهدف الضعاف. ويفرح في تضييق الخناق على الساحة السياسية وإثارة انقساماتها بلغة نارية. ترامب الراغب في الحصول على الشرعية يفضل أكاذيب زعيم معاد [فلاديمير بوتين] على تقارير وكالاته الاستخباراتية. وقد قوض مزيج من الاندفاع وانعدام الأمن وغياب اليقين المدروس، طريقة تعامله مع الأمور الروتينية والأزمات الكبرى. ويظهر السجل ما يحدث لبلد يحكمها شخص كهذا، فقدان الثقة وتشوه الصورة وغياب الانسجام الداخلي.
وتوضح الصحيفة "لا يوجد مثال على محاولته تقويض أسس الديمقراطية الأمريكية أوضح من رفضه نتائج الانتخابات وتحريضه على الفتنة في الكونغرس”. ففي 6 كانون الثاني/يناير 2021 حرض ترامب الغوغاء بأكاذيب تنضح بالكراهية، ووقف متفرجا عندما نفذ مئات من أنصاره كلامه وداهموا الكونغرس، في محاولة لترهيب أعضائه وتغيير نتائج الانتخابات. ولا يزال حتى اليوم يمدح المشاركين بالفتنة ووصفهم بالوطنيين ويعيد بث نشيدهم الوطني ويعطيهم دورا مهما في حملته، بل ويعد بالعفو عن الذين سجنوا لو عاد إلى السلطة. ولا يزال يلوم البلد على انتخابه بايدن ووصف الانتخابات بالمسروقة، رغم ما أثبته المحاكم وتصريحات المسؤولين في الولايات التي يديرها الجمهوريون وتأكيد وزارة العدل من كذب مزاعمه.
وتعلق الصحيفة أن شخصا يصلح للحكم لا يمكنه نطق هذه الأكاذيب المدمرة والخبيثة المقوضة للقيم الديمقراطية، إلا ترامب الذي لا حدود لتعطشه إلى السلطة والانتقام ولا بوصلة أخلاقية لديه. وعليه فمنح رجل بهذه المزايا سلطة الرئيس هو بمثابة خطر على مصالح أمريكا في الداخل والخارج. وعلى القائد الأعلى القسم من أجل "الحفاظ، حماية والدفاع عن الدستور”، وهذا هو أقرب ما لدى هذه الأمة العلمانية من الأمانة المقدسة. فمهام الرئيس الأمريكي هي الإعلان عن حرب نووية ولديه السلطة لإرسال الجنود الأمريكيين إلى الخارج وكذا استخدام القوة الفتاكة ضد أعداء الولايات المتحدة. وقد كشف ترامب وأكثر من مرة أنه ليس حاميا للأمة او الدستور، ففي أكثر من مرة طلب من قادته العسكريين انتهاك قسمهم. وفي أحيان أخرى طلب من القادة انتهاك الأعراف والقيم العسكرية بطريقة تفتح المجال لاستخدام المؤسسة العسكرية لأغراض شخصية. ورفضوا تلبية الأوامر اللا أخلاقية وغير القانونية لأنها انتهاك للقسم الذي أقسموه.
وتقول الصحيفة إن غياب القاعدة الأخلاقية تقوض موقف ترامب حتى في السياسات التي يعتقد الناخب أنه أقوى من بايدن فيها، مثل الهجرة والجريمة. فلم يتورع ترامب عن وصف المهاجرين بأنهم "يسممون دم بلدنا”، وقال مستشاروه إنه قد يفتح مراكز اعتقال جماعي للمهاجرين غير الشرعيين ويريد إنهاء حق المواطنة بسبب الولادة. وهدد بأنه سيدعو الجيش إلى شوارع المدن لو واجه زيادة في الشغب أو الجريمة. وسأل مساعديه إن كانت هناك طريقة لإطلاق النار على المهاجرين على أرجلهم ولإبطاء حركتهم. وقال إنه قد يستخدم قانون الفتنة لنشر قوات ضد المحتجين.
وتضيف الصحيفة أن أيا من هذا لم يحدث في ولايته الأولى نظرا لرفض المسؤولين تنفيذ أوامره، إلا أن الخطر في ولايته الثانية بسبب وجود أشخاص حوله لا يريدون كبح غرائزه السيئة. وكان قرار المحكمة العليا في 1 تموز/يوليو لمنح الرؤساء "حصانة مطلقة” لأعمال رسمية بمثابة عقبة أزيلت أمام محاكمة ترامب على غرائزه السيئة.
وتشير الصحيفة إلى التناقض بين ترامب وبقية الرؤساء والمرشحين الرئاسيين الجمهوريين، فقد استخدم ريغان سلطته لمواجهة الاستبداد في الثمانينيات وعين أول امرأة في المحكمة العليا، وتعاون مع الديمقراطيين في مجال الضريبة وإصلاح قانون الهجرة. أما جورج هيربرت بوش، فقد دافع عن الكويت ضد العراق ومرر قانون أصحاب الإعاقة. وبالرغم من أخطائه وفشله بعد 9/11 لم يستخدم جورج دبليو بوش الحدث لإثارة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين. ودافع جون ماكين عام 2008 عن منافسه باراك أوباما والأكاذيب التي نشرت حوله. أما ميت رومني فقد غامر بموقعه في الحزب الذي مثله مرة وصوت ضد ترامب في محاكمته أمام الكونغرس. وقد أثبت ترامب احتقاره لمواقف القادة التي تعبر عن مبادئ البلد وأعجب بالطغاة مثل فيكتور أوربان وفلاديمير بوتين وكيم جونغ- أون.
وخلال فترة حكمه الأولى، حاول ترامب حكم أمريكا مثل "الرجل القوي”، مصدرا الأوامر والمراسيم عبر تويتر، وأصدر سياسات مفاجئة، بدون مشاورة مع مستشاريه حول من تحق له الخدمة في الجيش أو سياسة التجارة او كيفية التعامل مع روسيا أو كوريا الشمالية. وليس أدل على وضعه المصالح الشخصية والسياسية فوق المصلحة الوطنية من طريقة معالجته وباء كورونا حيث نشر نظريات المؤامرة وتجاهل نصيحة الخبراء ورفض معايير السلامة الرئيسية التي كانت ستنقذ أرواحا. وتبنى نفس الأسلوب في تعامله مع حلفاء أمريكا في الخارج، كما في نهجه من الناتو الذي ترك أوروبا أقل أمنا وشجع اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا. وخرج من الاتفاقية النووية مع إيران، مما سمح لها بزيادة نشاطها النووي.
وتضيف الصحيفة أن ترامب في ولايته الثانية، سيحاول استرضاء بوتين مما سيضع علامات تساؤل حول مستقبل أوكرانيا كبلد مستقل وديمقراطي. وقال إنه يستطيع وقف حرب غزة حالا، لكن ليست لديه خطة حقيقية. وأشار إلى أنه سيضع تعرفات جمركية على البضائع الصينية بنسبة 60% وتعرفة بنسبة 60% على كل البضائع المستوردة من الخارج، مما سيزيد من الأسعار على المستهلك الأمريكي. وفي الوقت الذي منع الكونغرس والمحاكم والموظفين والخبراء تحركات ترامب السيئة، كما فعل ماكين عندما أنقذ نظام أوباما الصحي، ورفض المحكمة العليا للكثير من مطالبه وأكثر من أي رئيس منذ فرانكلين روزوفلت، إلا أن فترته الثانية ستكون مختلفة، فهو ينوي ملء إدارته بالمتملقين الذين لا يترددون عن تلبية ما يطلبه ترامب منهم. وينوي طرد من يمثلون عقبة أمامه، من خلال تمرير قانون يسهل طرد أي موظف لا يتماشى مع أوامره. وسيؤدي هذا إلى مناخ من الخوف، يخدم فيه الموظفون مصالح الرئيس لا الناس. وعليه فولاية ثانية ترامب تعني ضررا كبيرا على الحكومة.
وتقول الصحيفة إن ترامب ومنذ حملته الأولى عام 2016 لم يظهر أنه لديه شخصية يمكن الوثوق بها، وبخاصة بعد هجومه على منافسيه وعائلاتهم. ومن عرفوا ترامب عن قرب، وبخاصة من عينهم بمناصب أثناء ولايته الأولى، أعربوا عن شكوك من مناسبته للحكم. ووصف جون كيلي، الجنرال المتقاعد بأربعة نجوم وعمل مسؤولا عن طاقم البيت الأبيض، ترامب بقوله "هو شخص معجب بالمستبدين والديكتاتوريين القتلة، شخص لا يكن إلا الاحتقار لمؤسساتنا الديمقراطية ودستورنا وحكم القانون”.
وقال النائب العام بيل بار عن ترامب إنه "رجل يضع مصالحه وإرضاء رغباته فوق مصالح الجميع بما في ذلك مصالح البلد”. وقال جيمس ماتيس، وزير الدفاع السابق: "دونالد ترامب هو أول رئيس في حياتي لا يحاول توحيد الشعب الأمريكي ولا يريد التظاهر بهذا”. والأكثر من هذا فقد تخلى مايك بنس عن رئيسه السابق، وهو أول نائب في تاريخ الولايات المتحدة ينبذ رئيسه:”أعتقد أن أي شخص يريد وضع نفسه فوق الدستور يجب ألا يكون أبدا رئيسا للولايات المتحدة”.
وتتابع: لقد حاول ترامب أن يفحص حدود النظام، ولم يتغير أي شيء عليه منذ أربعة أعوام، فقد حاول تخويف أي شخص شهد ضده وهاجم نزاهة القضاة. وقد استخدم تعبيرات ضد الناخبين، كما فعل هذا الشتاء في إيوا مثل كذبة ومحتالين ومنحرفين وغشاشين والزواحف والهوام، أي رئيس يلجأ لهذه اللغة مع أبناء وطنه؟ ولا تنس أنه وصف عام 2017 دعاة التفوق العرقي الأبيض في شارلوتسفيل بأنهم "أناس طيبون”. وعلى العموم ترك خطاب ترامب مجتمعا منقسما، فيما فشل الحزب الجمهوري التحرك ومنعه من السيطرة عليه.
وفي النهاية فالحالة ضد ترامب قوية، ولم يتبق أمام الناخب الأمريكي سوى أربعة أشهر. ومن هنا يطالب مجلس تحرير "نيويورك تايمز” الناخب القيام بواجب مدني في هذا العام الانتخابي "استمعوا لما يقوله ترامب وانتبهوا لما فعل كرئيس واسمحوا لأنفسكم بالعيش فيما وعد بعمله فيما لو عاد إلى المكتب” و”على الناخبين المحبطين من التضخم او الهجرة أو جذبتهم قوة شخصية ترامب التوقف لحظة والتفكير بما قاله ووعد به، فلا علاقة لها بالوحدة والتعافي وكلها تدعو إلى الإنقسام والغضب في مجتمعنا الواسع وأكثر حدة مما هي عليه بالفعل”. و”لقد قرر الحزب الجمهوري خياره، ولكن الأمريكيين سيقررون قريبا خيارهم، فماذا سيفعل ترامب في ولايته الثانية؟ فقد أخبر الأمريكيين من هو وكشف لهم عن طبيعة القائد الذي سيكونه. وعندما يفشل شخص في الكثير من الامتحانات الأساسية، فأنت لا تعطيه أهم وظيفة في العالم”.