لأن رغيف الخبز المشروح بربع دينار.. هل نحن فاسدون؟



منذ سنوات طويلة لا أتناول الخبز المشروح، بعد أن نصحني الطبيب بذلك، وقال إن عجينته السميكة تربك الأمعاء وتسبب التلبك والحموضة. منذ ذلك وأنا لا اشتريه إلا نادرا، وأتناول الخبز الآلي.

أمس دعوت زملاء لي على الإفطار، ومنذ الصباح خرجت لأتزود بالحمص والفول والفلافل، بينما كانت قلاية البندورة تتجهز.

مررت على المخبز الذي في الحي، وطلبت منه 3 أرغفة خبز مشروح، فأعطاني، فدفعت له بدينار، ليرجع لي ربع دينار. وعندها سألته: هل الرغيف بربع دينار؟ فأجابني أنه بالوزن، قلت له وما وزن الرغيف، فقال أكثر من نصف كيلو.

خلف الرجل كانت لوحة كتبت عليها التسعيرة، وهي الكيلو بـ32 قرشاً.

أخذت أرغفة الخبز الثلاثة وطفت عائدا إلى البيت، وتذكرت وأنا في السيارة أن آخر مرة اشتريت فيها الخبز المشروح من مخبز حينا كانت قبل عامين، وأن نفس الحوار قد دار بيني وبين الشاب الذي يبيع الخبز.

في الطريق إلى بيتي تذكرت أنني بحاجة لبعض النعناع للشاي، فمررت على محل الخضار، وعندها خطرت لي فكرة وهي أن أزن الخبز، وعندها وجدت أن الثلاثة أرغفة هي كيلو ونصف، وأن الرجل فعليا باعني كيلو الخبر بنصف دينار! أكثر بـ18 قرشاً من التسعيرة الرسمية، وكنسبة أعلى بـ50%.

في تلك اللحظة فكرت أن أعود إلى المخبز، وألقي بالخبز في وجه الرجل وأقول له أنت محتال، ولكنني أدركت أنني لو فعلتها فسوف يرميني الناس في حينا بالجنون، وسيصفونني بالبخل، لأنني أطالب ببضع قروش!.

هذا المخبز يعمل منذ سنوات، وهو يبيع الخبز بالرغيف، ولكن أحدا من الناس لم يعترض، ولم يشتك!

وأذكر أنه عندما رفعت الحكومة الدعم عن الخبز في 2018 ثارت ثائرة الكثيرين، متهمة إياها بالتغول على حقوق المواطن، والتسبب في جوعه ومحاربته في رغيفه!.

حسنا، الحكومة قررت بيع الخبز وفق سعر القمح العالمي وهو 32 قرشا للكيلو، ولكن المعترضين والناس لم ينبسوا ببنت شفة ضد التاجر الذي يبيع الكيلو بنصف دينار!.

كان بإمكان سكان حينا أن يقاطعوا صاحب المخبز ذاك، وهنا هذه مقاطعة حقيقية مفيدة، تهدف إلى كبح الغش. ولكن أحدا لم يفعل، والمخبز يعمل -ما شاء الله لا حسد- من الصباح حتى المساء، والأرغفة تباع بربع دينار.

نحن نعترض فقط على الحكومة ونزاود، أما عندما نسرق ونغش نحن، فإننا نصمت.

الفساد فينا، نحن نتقبل الغش ورفع الأسعار، طالما اننا نحن المستفيدون.

وطالما أننا نشتري كيلو الخبز بنصف دينار، أرى أن ترفع الحكومة سعره بشكل رسمي، على الأقل عندها نحن نعرف أن 18 قرشا هذه سوف تذهب للخزينة، لتنفق على التعليم والصحة، عوض ان يأخذها تاجر مستغل!.

ولأن رغيف الخبز المشروح بربع دينار، ونحن صامتون، فالفساد فينا نحن.