الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية وآفاق العدالة للشعب الفلسطيني



ستصدر محكمة العدل الدولية في 19 تموز/ يوليو 2024، رأيها بخصوص العواقب القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، منذ عام 1967، وذلك استجابةً لطلب قدّمته الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول/ ديسمبر 2022. ويهدف رأي المحكمة الاستشاري غير الملزم إلى تقديم توجيهات قانونية بشأن سياسات إسرائيل في الأراضي المحتلة.



قدّمت 52 دولة حججها أمام محكمة العدل الدولية بهذا الخصوص، مع تحذيرات من استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وتأثيره السلبي على استقرار الشرق الأوسط. وتواجه المحكمة، التي تتولّى فض النزاعات بين الدول، ضغوطاً دولية متزايدة تجاه إسرائيل، خاصة في ظل حرب الإبادة المستمرة في غزة.



رغم عدم إلزامية رأي محكمة العدل الدولية، فإنه يمثل خطوة مهمة نحو زيادة الضغط الدولي على إسرائيل. وكانت الولايات المتحدة قد شدّدت على أهمية عدم إلزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلا بعد الحصول على ضمانات أمنية، ما يبرز تأثير اللوبي الصهيوني الكبير في السياسة الأمريكية، ويعزز استمرار الدعم غير المشروط لإسرائيل، ويشّكل عائقاً أمام الجهود الدولية لحل الصراع، ويزيد من التعقيدات والتوترات في المنطقة بشكل عام.



يتجاوز الدعم الأمريكي لإسرائيل المساعدات العسكرية والاقتصادية، حيث يشمل أيضاً دعماً سياسياً ودبلوماسياً غير محدود، فمنذ تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي، اتّخذت الولايات المتحدة موقفاً ثابتاً وداعماً لها في المحافل الدولية، بما في ذلك استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمعارضة القرارات التي تندد بإسرائيل، أو تطالبها بالانسحاب من الأراضي المحتلة، ما يتطلّب وقفة جادة من المجتمع الدولي تجاه السياسات الأمريكية، إذ أن ما تقوم به عديد من الدول، خاصة العربية منها، من فصل الدور الأمريكي عن الإسرائيلي في القضية الفلسطينية لهو تجسيد للنفاق والتبعية، وسيبقى مجرد وهم، ما لم تحدث تحولات حقيقية في السياسة الأمريكية تجاه القضية.



تواصل إسرائيل منذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2023 حملتها العدوانية ضد شعبنا في قطاع غزة ، فيما تواصل سياساتها التوسعية في القدس والضفة الغربية، بهدف فصل وتقسيم الضفة الغربية إلى مناطق معزولة بواسطة المستوطنات والجدران الفاصلة، بهدف إحباط أي فرصة لتأسيس دولة فلسطينية مستقلة ومتصلة جغرافياً. وعلى الرغم من التحديات العسكرية والسياسية والاقتصادية، يظل الفلسطينيون متمسكين بحقوقهم غير القابلة للتصرف، بما في ذلك حقهم في تقرير مصيرهم. وتظهر إرادة الشعب الفلسطيني في مقاومته المستمرة للاحتلال الإسرائيلي روح الصمود والإصرار على مواجهة السياسات الإسرائيلية الظالمة، وتمثّل هذه المقاومة الشجاعة الدليل الوحيد لتحديد اتجاه البوصلة لليوم التالي للحرب على غزة.



لا يمكن تحقيق العدالة في فلسطين إلا من خلال تغيير جوهري في مواقف المجتمع الدولي تجاه الاحتلال الإسرائيلي والتدخلات الأمريكية. ويتوجب على المجتمع الدولي أن يتبنى بجدية وبدون تحيز تنفيذ قرارات الشرعية الدولية بطريقة عادلة وموضوعية، بما في ذلك القرارات التي تصدر عن محكمة العدل الدولية، ولكن هذه الخطوات لن تكون كافية، ما لم تُترجم إلى إجراءات فعلية تتوافق مع إرادة الشعب الفلسطيني القوية التي استمرت لأكثر من 76 عاماً في مواجهة الظلم والاحتلال.



في الختام، يمكن القول إن قرار محكمة العدل الدولية المرتقب، على الرغم من عدم إلزاميته، يمثل خطوة قانونية هامة قد تعكس تحولاً في الإدراك الدولي بضرورة حماية الشعوب المحتلة واحترام حقوقها. ومع استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وتوسّعه الاستيطاني وانتهاكاته المروّعة التي لم يشهد لها مثيل في تاريخ البشرية، يتوجب على المجتمع الدولي التحرك بقوة وابتكار سبل جديدة وفعّالة لتنفيذ القانون الدولي، والقرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وضمان حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، فالمستجدّات الخطيرة التي فرضها السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2023، تُمثّل اختباراً مصيرياً للمجتمع الدولي، وسيحدّد كيفية استجابته مسار العدالة الدولية للأجيال القادمة في العالم بأسره.



يمكن القول إن قرار محكمة العدل الدولية المرتقب، على الرغم من عدم إلزاميته، يمثل خطوة قانونية هامة قد تعكس تحولاً في الإدراك الدولي بضرورة حماية الشعوب المحتلة واحترام حقوقها.