اعترافات جنود إسرائيليين: أطلقنا الرصاص عشوائياً وحرقنا منازل وتركنا الجثث في الطرقات وللكلاب
في مقابل نكران الرواية الإسرائيلية لجرائم الاحتلال في غزة، يؤكد موقع عبري قيام الجنود الإسرائيليين، وفق اعترافاتهم، بخرق المنازل الفلسطينية، وإطلاق الرصاص بشكل عشوائي، وترك جثامين الضحايا في الطرقات.
ويقول تحقيق لموقع "سيحاه ميكوميت” إنه، مع بداية شهر حزيران/يونيو، نشرت شبكة "الجزيرة” فيديوهات مُقلقة يظهر فيها جنود إسرائيليون يطلقون النار ويقتلون، حسبما يبدو، فلسطينيين يسيرون على الشاطئ في غزة، في طريقهم شمالاً للعودة إلى مدينة غزة. وفي ثلاث حالات مختلفة، جرى إطلاق النار من مسافة بعيدة، وكان يبدو أن الفلسطينيين غير مسلحين، كما أنهم لم يحاولوا إلحاق الضرر بالجنود بأيّ شكل من الأشكال. وعنونَت "الجزيرة” هذه المقاطع بـ: إعدام فلسطينيين في غزة.
ويوضح الموقع العبري أن هذا التوثيق من قطاع غزة نادر، لأن الصحافيين لا يستطيعون الدخول، تقريباً، للعمل في القطاع. إلّا أن إطلاق النار هذا، الذي لا يبدو أنه يوجد أيّ مبرر عسكري له، أو منطق دفاعي، يتماشى مع شهادات 6 جنود خدموا في غزة في جيش الاحتياط والجيش النظامي، وتحدث موقع "سيحاه ميكوميت” معهم خلال الأشهر الماضية.
حسب التحقيق، وَصَفَ بعض الجنود حالات مشابهة لِما تم نشره في فيديو "الجزيرة”: إطلاق نار على أشخاص غير مسلحين، فقط لأنهم دخلوا إلى المنطقة التي قرر الجيش أنه يُمنع الدخول إليها، أو لأنهم اقتربوا من الجنود. وقال أحد الجنود: "كان إطلاق النار مسموحاً عليهم جميعاً”.
بحسب معطيات الأمم المتحدة، منذ بداية الحرب حتى 3 تموز/يوليو، قُتل في غزة 37953 فلسطينياً، منهم 7797 من الأطفال (21% من القتلى، أو 32% من القتلى الذين تم تشخيصهم).
وبحسب شهادات الجنود، لم يكن هناك سياسة منظمة لإطلاق النار في غزة، وفي كثير من الحالات، يتم إطلاق النار من دون أهداف محددة، وضمنه إطلاق النار العشوائي، وأنه تم منح التصريح بإطلاق النار بشكل تلقائي، حتى في اتجاه المباني.
وبحسب الشهادات، فإن مصطلح "إطلاق النار الصحيح”، الذي كان من المفترض أن يفرّق بين إطلاق النار من طرف الجيش وإطلاق النار من طرف العدو، تحوّلَ، في كثير من الأحيان، إلى كلمة تعبّر عن إطلاق النار من دون سبب.
وفي الخلاصة، قال الجنود إنه لا يوجد أيّ قيود حقيقية على إطلاق النار.
ووصف الجنود خدمتهم في القطاع قائلين إنهم شاهدوا جثثاً كثيرة لفلسطينيين منتشرة في الميدان، وإن الجيش لا يعمل على إخلائها. أحد الجنود قال إن الجيش "نظف” المنطقة من الجثث فقط قبل دخول قافلات المساعدات الإنسانية التابعة لمنظمات دولية. وبحسب اثنين من الجنود، كان هناك سياسة ممنهجة لحرق المنازل التابعة للفلسطينيين، بعد خروج الجنود منها.
لا يجب شرح أيّ شيء
ويؤكد التحقيق أن الجيش لا يكشف عن أوامر إطلاق النار، منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، وهناك عدد كبير من الاستئنافات في المحكمة العليا طالب بالكشف عن الأوامر، وتم رفضها. واستجابةً لاستئنافٍ تم تقديمه في سنة 2018، بشأن كشف أوامر إطلاق النار على المتظاهرين في محاذاة الجدار في غزة، اكتفت الدولة بالرد، قائلةً إنها "تتماشى مع القانون الإسرائيلي والقانون الدولي”. وحسبما هو معروف، ينقل الضباط أوامر إطلاق النار إلى الجنود، وهي غير مكتوبة.
وبحسب الباحث ياغيل ليفي، الذي أجرى مقابلة في موقع "سيحا ميكوميت”: "منذ الانتفاضة الثانية، لا يتم إصدار أوامر إطلاق نار مكتوبة إلى الجنود، وهو ما يسمح بالتحليلات المتعددة لها”.
ويتابع الموقع العبري: "قابلنا في هذا التقرير 6 جنود، جميعهم قالوا إن سياسة إطلاق النار من دون أيّ قيود. واحدٌ منهم فقط، يدعى يوفال غرين ويبلغ من العمر 26 عاماً، من القدس، خدم في جيش الاحتياط ضمن الكتيبة 55 التابعة للمظليين في غزة خلال شهرَي تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر، وافق على إجراء المقابلة مع نشر اسمه. وهو أيضاً وقّعَ بياناً مع عدد من الجنود الذين أعلنوا فيه رفضهم العودة إلى الخدمة في غزة. وبحسب معطيات جيش الاحتلال، منذ بداية المناورة البرية، يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر، قُتل 324 جندياً.
أمّا الجندي (ب)، الذي خدم شهوراً طويلة في الجيش النظامي برتبة ضابط، فإنه وصف أوامر إطلاق النار بالقول: ” كان النهج الحرية المطلقة”.
مؤكداً: "من الجندي البسيط فما فوق، كان النهج أنه في حال كان هناك تهديد، أو شعور بالتهديد، لا يجب شرح أيّ شيء؛ يتم إطلاق النار”.
وأضاف (ب): "إذا اقترب أيّ شخص، فمن المسموح إطلاق النار على مركز جسده، وليس في الهواء”. مضيفاً أن "إطلاق النار على الجميع مسموح به، ولو كان على فتاة، أو عجوز. أمّا في حال كان طفلاً، فيجب تفسير ذلك. وفي المجمل، يكون إطلاق النار على الفتاة أو العجوز على الأرجل، أو بالقرب منهما، ونأمل أن يهربوا. لكن في داخل المدارس أو المستشفيات، يمكن إطلاق النار، فقط بتصريح.
لقد سمعنا كثيراً من التصريحات، على شاكلة "لا يوجد أبرياء”، و”لماذا لم يهربوا”، و”هذه منطقة حرب”، و”لماذا لم يذهبوا إلى رفح”.
وبحسب شهادة الجندي، "من الصعب معرفة المدني، جميعهم يرتدون ملابس مدنية. ناشطو "حماس” يتجولون من دون سلاح، يأخذونه من المنزل، يطلقون النار، ثم يهربون. كل رجل في عمر يتراوح ما بين 16 و50 عاماً هو مشتبه فيه بـ’الإرهاب’.
ممنوع التجول خارجاً، وكل مَن في الخارج مشتبه فيه. إذا وقف رجل أمام النافذة، فهو مشتبه فيه. ويطلقون النار عليه. إنسان يقف أمام النافذة وينظر، قد يكون ’مخرباً’”.
مضيفاً: "إن الفلسطينيين تعلموا من ذلك، وباتوا لا ينظرون إلى قوات الجيش. التوجه هو أن التعامل مع المجتمع يشكل خطراً على القوات، وممنوع النظر إلى الجنود بأيّ شكل من الأشكال. لقد تعلم الفلسطينيون أنه عندما ندخل، يجب عليهم أن يهربوا. هذا يخلق دائرة آمنة، نظيفة، نوجد فيها نحن و’المخربون’ فقط.
وقال الجندي أيضاً إنه بعد أن أطلق الجنود النار على ثلاثة مخطوفين إسرائيليين وقتلوهم، على الرغم من أنهم رفعوا العلم الأبيض، ولم يشكلوا أيّ تهديد للقوات، خلال شهر كانون الأول/ديسمبر، لم تتغير أوامر إطلاق النار، مع أن الجيش قال إن "إطلاق النار يتعارض مع أوامر الجيش”. وبشأن المخطوفين، قال إنه "لم يكن لدينا أيّ توجيهات خاصة”. وبحسبه، "بعد إطلاق النار على المخطوفين، قالوا إنه تم الحديث مع الجنود في الميدان، لكن لم يتحدث إلينا أحد ". ولم يعلم، لا هو، ولا الجنود الذين كانوا معه، أيّ شيء يتعلق بإطلاق النار على الجنود إلّا بعد أسبوعين ونصف على الحادثة، بعد خروجهم من غزة.
إطلاق نار على كل مَن يخرج من المدرسة
طبقاً للتحقيق العبري فإن (د) جندي خدم في القطاع في الاحتياط، ذكر أنهم أقرّوا في المنطقة التي خدم فيها بأنه "يوجد خط أحمر وخط أخضر. نحن كنا نتمركز إلى جانب أحد المعابر، واحد مدني، وآخر إنساني. تسير قوافل المساعدات الإنسانية هناك، بتنسيق مسبق (تم إجراء المقابلة قبل مقتل موظفي المطبخ العالمي). عندما لا يكون هناك قوافل، يتم توجيه البنادق إلى كل مَن يدخل إلى المنطقة الخضراء. فإذا دخل إلى الخط الأحمر، يتم الإعلام عبر جهاز الإرسال، ولا حاجة إلى تصريح. يمكن إطلاق النار”.
ويضيف (د) أن هناك مدنيين وصلوا إلى منطقة قوافل المساعدات من أجل "لمّ بقايا” الغذاء، وتم إطلاق النار لمنع المدنيين من الدخول. وقال إن "المدنيين يشعرون باليأس، لأنهم لاجئون، ولا يملكون أيّ شيء. يحاولون الوصول إلى المساعدات للحصول على المساعدات، قبل وصولها إلى ’حماس’. كل يوم، هناك حالتان أو ثلاث لأشخاص عاديين، أو أشخاص اشتبهنا في أنهم يراقبون لمصلحة ’حماس’ ".
أمّا (ب)، الذي خدم في الجيش النظامي، فأدلى بشهادة تتعلق بحادثة قتل مدنيين في مدخل مدرسة في مدينة غزة، في حيّ الزيتون، وكانت مأوى للنازحين.
لقد طلبوا من الناس الذين كانوا في الداخل الخروج، ومِن كل مَن لديه سلاح أن يرفعه إلى الأعلى، ومنعوا الناس من التوجه يميناً، بعد خروجهم من المدرسة، لأن القوات كانت موجودة هناك.
ويضيف: "كان هناك معلومات استخباراتية أن ’حماس’ تريد خلق حالة هلع”. وأضاف: "بدأت معركة هناك، فهرب الناس. بعضهم هرب يساراً في اتجاه البحر، وآخرون هربوا يميناً (في اتجاه الجنود)، وكان بعضهم من الأطفال. كل مَن توجّه يميناً قُتل. 15-20 شخصاً، كان بعضهم أطفالاً. كان هناك كومة من الجثث. وبعدها أجروا تحقيقاً، سألوا عما حدث في جهاز الاتصال. إن قتل المدنيين ليس جيداً للحرب، لأن هذا سيصل إلى الخارج”.
لامبالاة بمصير المخطوفين
غرين أيضاً وَصَفَ إطلاق نار بحُرية تقريباً: "لم يكن هناك قيود على الذخيرة، يتم إطلاق النار بحُرية. كان البعض يطلق النار، فقط بسبب الملل. خلال أحد أيام عيد "الحانوكا”، كانوا يريدون القيام بشيء خاص. الكتيبة كلها أطلقت النار على شكل ألعاب نارية. وهذا ما أدى إلى ألوان مجنونة، وأضاء السماء، لأن هذا "عيد الأنوار”، وهو شيء رمزي. جميعهم أطلقوا النار معاً من أسلحة مختلفة. قالوا إن هذا كان ممتعاً”.
وقال غرين إنه في المنطقة التي كان فيها، قالوا لهم إنه لا يوجد مدنيون. ويتذكر "يمكن أن أكون أخطأت”. مضيفاً أن "التخوف المركزي هو من النيران الصديقة، إنه خطر على الحياة. وكانت تحدث كثيراً، لقد دفعني هذا إلى الجنون”.
وفي نظر غرين، كان هناك حالة من اللامبالاة بمصير المخطوفين. وقال: "لقد تحدثوا عن طريقة تفجير الأنفاق، وفكرت في أنه في حال وجود مخطوفين هناك، فإنهم سيموتون. بعد أن قتل الجنود المخطوفين في الشجاعية، قال غرين إنه شعر بالغضب، لكنهم قالوا له: "لا مفر، سمعت كثيراً إن المخطوفين ماتوا، وليس لديهم احتمالات نجاة، جميعهم موتى، ويجب التنازل عنهم”.
بعد إطلاق النار على المخطوفين، قال غرين إن الضباط "شددوا على التعليمات، وقالوا إنه يجب الانتباه، وأن يكون هناك حساسية، لكنهم تحفّظوا، وقالوا إننا في منطقة حرب، ويجب أن نكون جاهزين.
أكثر ما أزعجني عموماً أنهم كانوا يقولون لنا طوال الوقت: "إننا هنا من أجل المخطوفين”، لكن كان من الواضح أن الحرب تضرّ بالمخطوفين. كان هذا ما فكرت فيه حينها. والآن، تبيّنَ أن هذا صحيح”.
فحص ما إذا كان هذا كلباً، أو إنساناً
وحسب التحقيق العبري أيضاً، يظهر في كثير من التوثيقات التي خرجت من القطاع جنود الاحتلال وهم يطلقون النار من دون أيّ سبب عملياتي. يطلقون النار، وبعدها يقولون إنه كان إطلاق نار صحيحاً، هذا بحسب (ش)، وهو جندي احتياط دخل إلى شمال القطاع عشرات المرات منذ بدء الحرب. وبحسبه، فإن "هدف إطلاق النار هو استنهاض الميدان، وإخراج الناس (من الأماكن التي يختبئون فيها)، أو إثبات وجود”.
وبحسب (ش)، فإن إطلاق النار العشوائي هذا "يصل من الأعلى، ومن الأسفل: سفن سلاح البحرية، والدبابات، والطائرات، وأيضاً السلاح الخفيف.
كل ما يجده الجندي البسيط، يستعمله لإطلاق النار. أنا شخصياً، خرجت إلى الموقع، وأطلقت النار بشكل عشوائي على البحر، أو على الرصيف، أو على مبنى متروك، من دون أيّ هدف. وبعدها نقول إنه إطلاق نار صحيح، كرسالة، معناها إنني أشعر بالملل فأطلق النار. كان هناك حالات تم فيها إطلاق النار لمعرفة ما إذا كان الذي يتحرك كلباً، أو إنساناً”. وبحسب (ش)، فإن الجنود الذين وصلوا إلى المواقع التي يتمركز فيها الجيش، كانوا يطلبون عادةً الذهاب إلى الموقع من أجل إطلاق النار.
ويتذكر قائلاً: "إنهم يريدون الشعور بالحدث”. مضيفاً: "أنا أقرف من نفسي، والقوات الموجودة في الموقع فترات طويلة لا توافقني في الرأي”.
وتابع: "أحدهم مكث في الموقع ساعتين، أو ثلاثاً، ولم يحدث شيء استثنائي. بعد ساعة، أطلقوا النار من الموقع نفسه على عائلة كانت هناك، وسمعت هذا الخبر من خلال جهاز الاتصال. قالوا في البداية إنهم "أربعة أشخاص”، وبعدها تحوّلوا إلى طفلين واثنين من كبار السن. وفي نهاية المطاف، تسمع أنهم رجل بالغ وامرأة وطفلان. وأنت تركّب الصورة وحدك”.
(م) هو جندي خدم في القطاع في جيش الاحتياط، قال إن الحديث كان يدور، في عدة مرات، حول قرارات للمستويات في الميدان: "حين لا توجد قوات إضافية تابعة للجيش في المنطقة، فإن إطلاق النار واسع، وبما معناه على باب الله. وليس فقط أسلحة خفيفة، بل أسلحة ثقيلة ودبابات وقذائف. إن لم توجد قوات أُخرى، فيجري إطلاق النار من دون تفرقة. هذا ما نطلق عليه عبارة إثبات الوجود، ومقولة نحن هنا”.
ويضيف أن أوامر إطلاق النار هذه أيضاً تصل من الأعلى. وبحسبه، "فإن الضابط المسؤول يريد إطلاق نار من أجل إثبات الوجود في المكان الذي توجد فيه معلومات عن وجود أنفاق، أو فتحات. نخيف ’المخربين’، بمعنى أن تسبقنا النيران. وهناك أيضاً إطلاق نار من المستويات الأدنى، من الجنود العاديين. يجب أن نضع الأمور على الطاولة: المستويات ذات الرتب المتدنية تريد إطلاق النار، وتحصل على تصريح بذلك. في كثير من الأحيان، كان هذا جنونياً”.
المعنى الحقيقي لـ "إطلاق النار الصحيح”
وطبقاً لموقع "سيحاه ميكوميت” فإن (ج) هو جندي خدم في القطاع وشرح المصطلحات. وبحسبه، فإن "إطلاق النار الصحيح” هو تعريف لحالة يُسمع فيها إطلاق نار، وتسأل قوة أُخرى موجودة في المنطقة عنه، وإن لم يكن هذا الجواب، فهذا يعني أن العدو موجود هنا، ويمكن إطلاق النار. وبحسبه: "هذا مذهل، لقد أطلقوا النار بكل قوة، بحسب رغبتهم”. مضيفاً أن الخطر الأكبر هو من النيران الصديقة من قوات أُخرى، واصفاً الأمر بأنه ’أخطر من حماس’”.
جندي آخر في جيش الاحتياط قال لموقع "بوليتيكلي كوريت” عن إطلاق النار من دون حاجة، إن هذا تم تعريفه لاحقاً بأنه "إطلاق نار صحيح”. وأشار إلى أنه: "كنّا محاطين بكثير من الأحداث غير العملياتية والخطِرة”. وقال: "أحدهم أطلق قنبلة يدوية. ومن غير الواضح علامَ كان يرد. الجيش لم يعلمني إطلاق النار من دون معرفة الهدف. وأنا لا أعرف جيشاً يرمي أحد جنوده قنبلة يدوية من دون معرفة، علامَ، وإلى أين. البعض يطلق النار لأنه يريد ذلك، وبعدها يصرخون إنه كان "إطلاق نار صحيحاً”. لا يوجد أيّ صحيح في هذا”.
"إصدار الضجيج هو الهدف، عليهم أن يشعروا بوجودنا. كل بضع ساعات، يجري هذا لكي يبقى ناشطو ’حماس’ في داخل المخابئ، ولكي يشعروا بأننا هنا. عندما يسمع ’المخرب ’ إطلاق النار، لا يخرج”، هذا بحسب جندي نظامي خدم في غزة.
وبحسبه، ” كان لدينا كثير من الذخيرة في المناورة البرية (في المرحلة الأولى للاجتياح). ما عليك إلّا أن تطلب، قنابل، أو مواد متفجرة. كان هناك تبذير. أنت في الخارج، فتطلق النار من دون سبب. تنتقل من هنا إلى هناك، وتطلق 10 رصاصات على الحائط. إذا كان هناك ’مخرب ’، يجب أن يخاف. ولم يكن هناك أيضاً أيّ قيود على إطلاق النار من الدبابات، بحسب رغبتك. وقالوا إنه بمجرد الشعور برائحة العمليات، من المسموح إطلاق النار، لا يوجد مَن يعدّ”.
أجواء الانتقام في غرفة العمليات الحربية
ويقول التحقيق العبري أيضاً إن الجندي (أ) هو ضابط خدم في قسم العمليات، ووصف كيف كانت تبدو سياسة إطلاق النار من غرفة العمليات الحربية. وتذكر قائلاً: "عموماً، كان الشعور في داخل غرفة العمليات هو أنه يجب إطلاق النار أولاً، ثم نطرح الأسئلة بعدها”. وبحسبه: "كان يوجد إجماع على هذا”. وفي نظره، هذا هو سبب حادثة المخطوفين في الشجاعية، وقال: "كان من الواضح أن الأمر سينتهي هكذا”.
لقد قال الضابط إن قيادة الألوية لم تتلقّ أوامر واضحة بشأن إطلاق النار، ولم يتم تمرير أيّ أوامر كهذه للمستويات في الميدان. وتابع: "منذ لحظة الدخول، لا توجد أيّ توجيهات”. وأضاف: "لا يحصلون على توجيهات، لا من القيادة، ولا من الضباط، ولا يتم تمرير أيّ شيء للجنود أو الضباط. كان هناك أوامر بشأن الأماكن التي لا يتم إطلاق النار فيها، المحاور الإنسانية. وأنت تكمل الفراغ بشأن بقية المناطق، من دون وجود أيّ توجيهات أُخرى. هذه هي الطريقة: إذا كان هناك ممنوعاً، فإنه مسموح هنا.
يقول (أ) إن هذه التعليمات مختلفة عمّا عرفه قبل الحرب. ويتابع: "بصفتي كجندي وضابط، أذكر الفرق بين التوجيهات التي يحصل عليها الشخص، وبين ما يمرّره، الآخر قابل للتأويل. ما يجري الآن، هو أنني لا أحصل على شيء، ولا أمرر شيئاً”. لكن هذا لا يلغي احتمال أن تكون أوامر إطلاق النار مرّت عبر مسار آخر مختلف عن غرفة العمليات الحربية، أو اللواء.
وفي التحقيق، يقول الضابط إنه شهد حالات تم فيها إطلاق النار على مدنيين فلسطينيين دخلوا إلى منطقتنا… تسلّمنا معلومات عن دخول أحدهم إلى المنطقة، فأطلقوا النار عليه. هذا يحدث تلقائياً. لا يُفترض وجود مدنيين في المنطقة، لا يوجد مدنيون؛ هذه هي طريقة التفكير. لقد رأينا أحدهم من الشباك، وتم إطلاق النار عليه، تم اغتياله”. وبحسبه، في كثير من الأحيان، لم يكن واضحاً ما إذا كان إطلاق النار على مسلحين، أو غير مسلحين، وقال: "أحياناً، يبدو من المعلومات، وبشكل واضح، أنهم أبرياء. في كثير من المرات، كان يبدو أن أحدهم تواجد في المنطقة من دون قصد، وأطلقنا النار عليه. لا يقولون هذا بشكل واضح، لكن أحدهم كان يسير في الشارع في مكان ما، وأطلقوا النار عليه”.
وبحسب الضابط، فإن الجو العام كان: "لا أحد سينزل معه إذا هدمنا منزلاً، ولم يكن هناك حاجة إلى ذلك، أو أطلقنا النار على أحدهم من دون حاجة. الأجواء داخل غرفة العمليات، وبحسب وصف لين، أن كل شخص قتلناه، اعتبرناه ’مخرباً’ تم اغتياله”.
وقال الضابط إن "إطلاق النار على المستشفيات والعيادات والمواقع الدينية ومباني المؤسسات الدولية يحتاج إلى تصريح من القيادة، أو من هيئة الأركان”.
لكنه يقول عمّا جرى، عملياً: "إنني أستطيع عدّ الحالات، التي قالوا لنا فيها لا تطلقوا النار، على أصابع اليد الواحدة. حتى في الأماكن الحساسة، كالمدارس، هذا التصريح رسمي فقط. كانت الأجواء أن كل ما يجب القيام به سيصادَق عليه، لا تقلقوا”.
وشكك الضابط في الأرقام التي يُصدرها الجيش بشأن قتلى ناشطي "حماس”.
وقال: "عندما نقلنا إلى القيادة عدد القتلى في اليوم الأخير، اعتبرنا كلّ مَن قتلناه ’مخرباً’. الهدف كان وضع إشارة "إكس” حول العدد في كل يوم.
كل واحد كان يريد أن يعامَل كـ "أبو علي”، ويقول: "نحن قتلنا”. نهج التفكير كان أن الرجال جميعهم ’مخربون ’. أحياناً، كانت قيادة المنطقة الجنوبية تطلب أرقاماً، ثم يحملها الضابط، وينتقل بين كتيبة وأُخرى، بعدها ننقلها إلى الحاسوب العسكري، ونعدّ”.
يشار إلى أن هذه الأقوال تتماشى مع ما نشره شاي ليفي، المراسل العسكري لـ موقع "ماكو”. وبحسبه، فإن كتيبة قتلت فلسطينيين في منطقة تابعة لكتيبة أُخرى. والضباط المسؤولون عن الكتيبتين تشاوروا فيما بينهما بشأن اسم أيّ كتيبة يجب تسجيل القتلى. فقال أحدهم "ما الفرق؟ لنسجّل في منطقتي ومنطقتك”، حسبما نُشر.
طفل اليوم ’مخرب’ الغد
عدد كبير من الفيديوهات التي انتشرت في شبكات التواصل الاجتماعي، عَكَسَ أجواء انتقامية لدى الجنود في الميدان. واستذكر الضابط، قائلاً: "شعروا بأن ’مذبحة’ 7 تشرين الأول/أكتوبر ارتُكبت خلال خدمتنا. كان هناك حزن ووجع، وكثير من الأصوات المعبّرة ’الآن سنريهم’ و’الآن سننتقم’.
وبحسبه، هذا الحديث عن الانتقام كان منتشراً في أوساط الجمهور، ولذلك، من غير المنطقي أن يفكر الجنود بشكل مختلف.
وقال: "لم تكن هناك أوامر مباشرة بالانتقام. لكن عندما نصل إلى نقطة اتخاذ القرارات، فإن التوجيهات والأوامر تؤثر إلى درجة معينة فقط”.
جندي: كنا نرى كلاباً كثيرة تتجول وفي فمها أشلاء، هناك رائحة موت مقرفة
وتذكّر كثيراً من المقولات على شاكلة "وزعوا الحلوى” و”رقصوا” بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، أو "اختاروا حماس”. كان هناك كثير من الأقوال، مثل: "لا يوجد أبرياء، يوجد غير مسلحين”. ليس الجميع، لكن أيضاً كان هناك كثيرون يعتبرون أن "طفل اليوم هو ’مخرب’ المستقبل”.
وقال الضابط إنه رأى الهجمات في بث حيّ ومباشر من غزة، عبر الصور التي تنقلها المسيّرات. واستذكر: "بين الحين والآخر، يتم إسقاط مبنى، لا نسمع أيّ صوت، فقط تصوير. أنت ترى مبنى يسقط، والشعور السائد هو: "واو، إنه جنون، يا للمتعة”، بالإضافة إلى صرخات السعادة في غرفة العمليات. مضيفاً: "أنا جندي يساري جداً، وأحياناً، أنسى أن هذه المنازل حقيقية. الشعور هو كأنك في لعبة حاسوب. فقط بعد أسبوعين، أفهم أن هذا الذي يسقط كان مبنى. وإذا كان في داخله ناس، فليسقط فوق رؤوسهم، وإن لم يكن هناك أحد، فيسقط على ما في داخله”.
كلاب مع أشلاء
بحسب شهادات الجنود، إن عدداً كبيراً من جثث الفلسطينيين كانت منتشرة في المساحات المفتوحة، بملابس مدنية. ويقول (ش)، جندي احتياط: "آسف على الوصف، لكن هناك كلاباً وأبقاراً وأحصنة نجت من القصف، تتجول، ولا تملك منزلاً.
نحن لا نستطيع إطعامها، ولا نريدها أن تقترب منا أكثر من اللازم. لذلك، أحياناً، كنا نرى كلاباً كثيرة تتجول وفي فمها أشلاء، هناك رائحة موت مقرفة”.
يتم إخلاء الجثث، بحسب شهادة (ش)، قبل دخول قوافل المساعدات. وقال: "تخرج جرافة D-9 مع دبابة فتخلي المنطقة من الجثث، تدفنها تحت الأنقاض، أو تزيحها جانباً، كي لا تراها قوافل المساعدات، وذلك كي لا تخرج صور جثث في مراحل تحلُّل متقدمة”. وأضاف: "رأيت كثيراً من المدنيين؛ عائلات ونساء وأطفال. يوجد قتلى فلسطينيون أكثر مما يظهر في الأخبار. كنا في مرحلة صغيرة، وكل يوم كان يُقتل واحد أو اثنين من المدنيين. ببساطة، كانوا في منطقة ممنوع التواجد فيها.
أنا لا أستطيع القول مَن هو ’المخرب ’، ومن لا، لكنهم كانوا، في أغلبيتهم، غير مسلحين”.
وبحسب غرين، عندما وصل إلى خان يونس: "رأينا كتلة غير معروفة خارج البيت، فهمنا أنها جثة، بعد أن رأينا قدماً في الليل تأكل منها القطط. وبعد ذلك، جاء أحدهم وأزالها”.
وأيضاً، قال مصدر مدني زار القطاع إنه رأى جثثاً منتشرة في الميدان. وبحسبه: "في مقابل منطقة تمركُز الجيش، بين شمال القطاع وجنوبه، رأينا تقريباً 10 جثث لأشخاص تم إطلاق النار على رؤوسهم، قنصاً كما يبدو. ويظهر أنهم كانوا يحاولون العودة إلى شمال القطاع. الجثث كانت متحللة، وكان حولها عدد كبير من الكلاب والقطط”.
أمّا (ب) فعزّزَ كلامه، قائلاً: "لا يتعاملون مع الجثث. إذا كانت في المحور الإنساني، تتم إزاحتها جانباً، لكنها لا تُدفن، كان الجنود يسيرون فوق الجثث”.
هذا ما وصفه غاي زاكين، وهو جندي قائد جرافةD-9 في القطاع، الذي قال خلال جلسة للجنة في الكنيست، الشهر الماضي، إنه والطاقم الذي معه مسؤولون عن "دهس عدد كبير من ’المخربين ’ الأحياء والأموات، وبالمئات”. لقد انتحر صديقه بإطلاق النار على نفسه، بحسب زاكين.
يحرقون المنزل بعد تركه
ويظهر عدد كبير من الجنود في التوثيقات بجانب منازل تحترق. وقال غرين وجندي آخر إن هذه كانت سياسة. ووصف غرين حالات حرق أحد المنازل، قائلاً: "عندما كنا نخرج من أحد المنازل، جمعت المعدات العسكرية لأنني أعتقد أنه من غير الصواب ترك ملابس عسكرية. ووقفت خارج المنزل، بعد ذلك، جاء صديق وحرق المنزل بقراره الشخصي. كانوا يريدون استعمال المنزل مرة أُخرى، لكنه حرقه”.
وبحسب غرين، في خان يونس كان الحرق ممنهجاً. واستذكرَ: "إذا انتقلنا إلى منزل آخر، فيجب حرق المنزل الذي كنا فيه. هذا ما جرى في خان يونس، حيث لا يوجد هناك حزام أمني، ولم يكن هناك حاجة عملياتية. سألت الضابط، فقال لي إنه لا يجب ترك معدات عسكرية، ولا نريد أن يعرف العدو طريقتنا في القتال”. قلت له: "سأقوم بالتفتيش لأتأكد أننا لم نترك شيئاً حول طرق القتال. حينها، رد عليّ بتبريرات انتقامية، وقال إنه علينا أن نحرق، لأنه لا يوجد D-9، ولا عبوات. لقد حصل على الأوامر، ولم ينشغل بمراجعتها”.
أقوال غرين لم تساعد. وبحسبه: "قلت للضابط إذا كنا سنحرق، فسأترك الخدمة. في الصباح، ناقشنا الموضوع، وفي ساعات المساء، حرقوا. جمعوا الفرشات وحرقوها، كان هناك رائحة بلاستيك محروق، وقررت في اليوم التالي الذهاب.
الضابط أراد أن يبقيني بالقوة، والمفاوضات توقفت، وفي جميع الأحوال، كان علينا الخروج بعد 4 أيام، فأخرجوني من القطاع. الضابط نفسه الذي قال إننا لن نحرق من دون سبب، حرق بعد أن حصل على أوامر”.
أمّا (ب)، الذي خدم في الجيش النظامي في القطاع، فقال إن هذا كان روتينياً: بعد أن يترك الجنود المنزل الذي استعملوه مخبأ، يحرقونه. ووصف قائلاً: "يحرقون المنزل، كل المنزل. حرق المنازل هذا هو سياسة يدعمها قائد الكتيبة، وذلك كي لا يستطيع الفلسطينيون العودة. حتى بعد أن تركنا ذخيرة، أو طعاماً، كي لا يستعمله المخربون”.
لا مبالاة بالهدم كلياً
قال الجندي إنه "بشكل عام، قائد الكتيبة، أو نائبه، هو المسؤول عن الحرق. يتم تجميع الفرشات والأثاث والأغطية، ثم وضع قليل من الوقود، أو بالونات الغاز.
وبسهولة، يحرق المنزل كالفرن”. في المراحل الأولى من القتال، كانت الوحدة تبقى في المنزل أياماً معدودة ثم تنتقل إلى مكان آخر، لهذا السبب، وصل الوضع إلى أن "وحدة واحدة كانت تحرق مئات المنازل. في بعض الحالات، كان الجنود يحرقون طبقة كاملة، في حين كان زملاؤهم في طبقات أعلى، فكان عليهم الهرب عبر اللهب، على السلالم، أو يختنقون”.
وبحسب غرين، فإن الدمار الذي تركه الجيش في غزة "لا يوصف”. في بداية القتال، قال إنهم تقدموا من بيت إلى آخر، على بُعد 50 متراً فقط. وقال: "طوال اليوم، كانت جرافات D-9 تهدم المنازل، لم أقم بالتقاط صور قبل وبعد، لكنني لن أنسى طوال حياتي كم كان الحيّ جميلاً – حتى أنه يمكنني تخيُّل الناس الذين كانوا يعيشون هنا، ثم تحولوا إلى رمال”.
أجواء الدمار أيضاً تظهر في التقرير الذي بثه موقع ” ج د ن” بشأن الوضع في رفح. وفيه تم اقتباس الجنرال عوز مشولام، وهو يقول إن "كل بيت كان فيه ’مخرب حماس’، أو شعار لحماس هُدم كلياً… نحن كتيبة تعدّ الجثث، وأنا أكره أن أقول إننا قتلنا المئات والعشرات، هذه القائمة هي قائمة جثث”.
غرين وصف الأجواء قائلاً إن هناك "أجواء كارثية من السرقة. المسابح وسلاسل الصلاة كانت تؤخذ جميعها، وتتم مقارنتها كجمع الطوابع.
لقد تعاملوا مع المنازل كحانوت لاقتناء التذكارات، ليس الجميع، لكن كثيرين منهم تعاملوا هكذا. السرقة لا تبدو مخالفة خطِرة، لأنه لم يكن هناك أمور ذات قيمة كبيرة، فالناس (أصحاب المنازل الفلسطينيون) أخذوا كل الأشياء الثمينة. ما تبقى، تعامل معه الجنود كأنه ملكهم. وخضت نقاشاً مع الضابط الذي قال إنه لا يحب ما يجري، لكنه لا يملك موارد”.
وأضاف: "هدمنا كل شيء أردنا هدمه. في أغلب الأحوال، لم يكن هذا نابعاً من رغبة في الهدم، إنما من لا مبالاة مطلقة بكل شيء خاص بهم (الغزيون). في النهاية، هناك حالات ملل كبيرة، أيام طويلة تنتظر هناك، وتُرسم على الجدران أمور سيئة جداً. نلعب بالملابس، ونجد صور جوازات سفر تركوها هناك، نعلّق صورهم على الجدران لأن هذا مضحك. استعملنا كل شيء كان هناك، فرشات وأكل، حتى إن أحدهم وجد 100 شيكل فأخذها”