السودان بين المأزق والخروج…


تتصارع الاحداث في السودان وتتجة بنحو مخيف الي مستقبل مجهول او الي خيارين لا ثالث لهما

الخيار الأول الا وهو الوصول الي اتفاق لوقف اطلاق الناروهو اتفاق سياسي عسكري في ان واحد والدخول في حوار سياسي موسع حول مستقبل البلاد .

والخيار التاني وهو الانهيار الشامل والدخول في متاهة لا يمكن الخروج منها ولا التنبؤ بأحداثها .

هذان الخياران هما نتيجة منطقية للأحداث الاخيرة في السودان . فقد وصلت الحرب الي نهايتها المنطقية حسب الوقائع علي الارض وليس بحسب الاماني وما كان يعتقد في قوة الجيش السوداني والاستهتار بقوات الدعم السريع .

فهناك حالة من الانهيار الشامل تشهدها القوات المسلحة السودانية حتي صارت المناطق العسكرية والحاميات تتساقط واحدة تلو الاخرى , ويشاهد الشعب السوداني تساقط المدن والقرى بحسرة والم , فخلال ايام قليلة هاجمت قوات الدعم السريع ولاية سنار والفاشر السودانية وغيرهم .

والغريب أنه لم يحدث قتال حقيقي في تلك المدن بل تم تسليمها تسليم مفتاح لقوات الدعم السريع تاركة ورائها كميات هائلة من السلاح والذخائر , مما يظهر أن الموضوع ليس نقص في السلاح والعتاد بقدر ما هو انهيار في الروح المعنوية لأفراد الجيش السوداني وضعف في القيادة والتخطيط .

فقد خضع الجيش السوداني خلال العقود الماضية لحالة من التسييس والاستغلال الحزبي من جانب جماعة الاخوان المسلمين في عهد البشير , وقد ظهر ذلك واضحا في التخلص من الضباط المؤهلين أصحاب الخبرة والدارسين العسكريين واستبدالهم بأهل الثقة التابعين لهم والموالين بغض النظر عن الكفاءة .

كذلك انشغال قيادات الشعب السوداني المؤثرة الحاكمة والمتحكمة بالنشاط الاقتصادي لبناء امبراطورية مالية خاصة بهم , وانصرافهم عن الاهتمام بالتعليم والتأهيل والتدريب والوصل الي أحدث ما وصلت اليه العلوم السكرية الحديثة .فقد بلغت ميزانية الحزب الحاكم في السودان 30 مليار دولار عهد البشير في وقت كانت فية ديون السودان الخارجية 50 مليار .وسيطرة الحزب الحاكم علي مناجم الذهب .

فلم تكن هناك خطة خمسية أو عشرية للنهوض بالسودان بل انصرف الجميع الي انشاء ميليشيات تساند البشير لعدم ثقته في جيشه وخوفه من الانقلاب عليه تمثلت في قوات الدعم السريع ” .الي جانب الترهل الاداري وعشوائية التخطيط . "

السودان بلد زراعي في المقام الأول وليس بلد صناعي ومع ذلك لايوجد في السودان الا ثلاث كليات للزراعة في الجامعات السودانية . انفصل الجنوب عن السودان بثرواته البترولية الهائلة , فماذا فعل السودان بكليات البترول والتعدين .

مع سقوط النظام السابق في ابريل 2019 , أتت الفرصة للاصلاح والتغيير وقيام مؤسسات الحكم الانتقالي للوصول للحكم المدني ” قوى الحرية والتغيير” لكن تفاجأ الجميع بقيام المجموعة العسكرية وبقايا النظام القديم باقامة تحالف مع قوات الدعم السريع , لمواجهة سلطة الانتقال المدنية والانقلاب عليها في اكتوبر 2021 والقبض علي عبد الله حمدوك "وهو رجل اقتصادي في المقام الاول ورئيس الحكومة الانتقالية , وهو من وضع حلول اقتصادية لعدد من الدول الافريقية .

وظهر علي الساحة تحالف جديد الا وهو تحالف "البرهان وحميدتي للقوى المدنية ” وتم تجنيد عشرات الالوف وتزويد قوات حميدتى بأحدث المعدات والاسلحة , واستغل حميدتي موقعه باقامة علاقات دولية واقليمية بصفته نائب ــ نائب رئيس مجلس قيادة الثورة السوداني ــ الذي ترأسه البرهان باعتباره قائد الجيش السوداني .ولم تحاول قيادة الجيش السوداني وضع تطور عملي لدمج قوات الدعم السريع داخل الجيش بل تصدوها بطريقة وحشية .

وانصرف المتحالفين ــ الجيش السوداني والدعم السريع ــ كلا منهما الي الاستعداد للحرب المحتملة بينهما وسكتت أصوات القوى المدنية , وقد أخطأ الجيش السوداني أخطاءا فادحة بعد ما فتح معسكراته واماكن قيادته للدعم السريع للتدريب فتمكن من دخول مدينة الخرطوم العاصمة دون أن يهتم أحد بأعدادهم أو سبب تواجدهم , وبدأت الحرب وتبين أن الجيش السوداني لم يكن مستعدا لهذة الحرب وأنه تم توريطه .

واذا استمرت الحرب بهذة الوتيرة من الانسحاب واسقاط المدن دون قتال فمن المتوفع الوصول الي حالة من الانهيار الشامل للسودان وليس انهيار الجيش فقط .فليس في مقدور قوات الدعم السريع اعلان تشكيل حكومة وادارة البلاد , ومن المتوقع تقسيم السودان شرق وغرب وجنوب والمتربصين بالسودان ما أكثرهم والتقسيم جاهز وله خرائط .

اذن أمام عقلاء السودان فرصة الحل في الخيار الأول وهو وقف الحرب والاتجاه نحو حوار سياسي شامل لوضع تصور ما بعد الحرب , وهذا يحتاج الي قرار وطني شجاع لانقاذ وطن كان مليء السمع والبصر ولا زال …. راندا جميل