غزة.. خسر الجميع إلا الشهيد

مقالي موجه للجالس أمام كاميرا تلفزيونية في مناظرة ويحاول إقناع الجمهور أن نصرا تحقق في غزة وأبناؤه جالسون تحت المكيف، مقالي موجه لعضو حزب يركب صندوق بكب هايلوكس من الخلف يحمل مكبر صوت يهتف النصر قريب خلف جمع غفير أنهى صلاة الجمعة وزوجته تنتظره على طنجرة مقلوبة في البيت، مقالي موجه للجالس أمام وجبة شاورما دبل وعلبة مشروب غازي من الأنواع غير المقاطعة ويقول اننا قد نجحنا في تحقيق خسائر لشركات أجنبية فيها آلاف العمال من الأردنيين تعطلوا، مقالي موجه لمن يستحم مرتين يوميا ومرحاض بيته يضخ الماء بعد كل دخول وخروج منه ويقول لأبناء غزة اصبروا ونساء غزة لا مرحاض يستر قضاء حاجتهم ولا ماء ليغتسلوا، مقالي موجه لكل من كتب عنوانا في مكان مقروء أو مسموع وظن أنه يسجل في خطابه رفعا لهمم ونسي أن أصحاب الهمم في الدفاع من أهل الداخل في غزة لا ورق صحف ولا بث قناة يصلهم فكانت غايته تسجيل لايك وشير ووصفه انه صامد محب عروبي، مقالي موجه لكل من سيعترض على حقيقة ما اراه واقتنع أن لا شك فيه في وقت لا أصدق بمن يتحدث بها ويؤكدها سوى الملايين من كل متضرر بما عاشته غزة وأهل غزة والآلاف ممن يدفعون مقابل خروج آمن لأرض غربة جديدة.
 

مقالي عنوانه هو ما عشناه ونعيشه دون مجاملة وان عارضه الكثيرون من الفئات أعلاها أو فوقهم يزيد من أي فئة وجماعة تنظير، مقالي يقرأه ويؤكده حجم وامتداد وازدياد غير متوقف في قوائم ترصد الدمار في الشجر والحجر والإبادة البشرية في الصغير والكبير والأمراض المنتشرة في الزوايا والمجازر المستمرة في الأحياء والنقص لمستوى الندرة في الطعام والماء والعلاج في كامل القطاع، عنوان مقالي موسوم على وجوه وجباه جميع شعوب ودول العرب والإسلام سواء من اهتم وانتفض لغزة أو تابع وقلب الصفحة أو غير المحطة وكأنه يتابع حلقة من برنامج وثائقي، عنوان مقالي ليس اساءة أو تخاذل بل جراءة قول لكلام يكرره السواد الأعظم في سره فسكت عنه حتى لا يتهم أو يطاله تشويه.
 

في غزة خسر الجميع إلا الشهيد فالنصر ليس قصص بطولات تروى بل نتائج تعيشها الأجيال ولا يمكن تجاوزها، النصر ليس دبابة أو جرافة تحرق وجندي وقع في الأسر وعلامة مثلث حمراء اشتهرت إعلاميا، النصر ليس أغنية تزلزل لمطرب أو تغريدة لصاحب مكانة أو ناشط، النصر ليس تحليلا لمعركة بربطة عنق واقامة فندقية، النصر ليس بمؤتمرات واستنكارات ولغة قوية تغلق بها التوصيات، وبالتأكيد النصر ليس طرود إغاثة ولجان تقييم ترسل، ومن يقول إن لكل حرب خسائر فخسائر غزة كاملة وواقع لتكرار نزوح وانفصال أرض وشعب عن أرضه من جديد.
في غزة خسرنا جميعا إلا الشهيد وبقايا الحلم العربي في نفوسنا، فما نعيشه هو نشوة متابعة فئة واحدة وقفت وقاتلت المحتل فاثبتوا للجميع أن لهم فرصة في حياة عزة لهم وللعرب والمسلمين من جديد وسحق خلفهم الأطفال والنساء والشيوخ، نعم هي ليست أكثر من نشوة نصر في خطبنا وتصريحاتنا ومسيراتنا ودليل ذلك اننا انتقلنا إلى مرحلة احتساب وعد أيام صمود أهل غزة لا أكثر وكانها أيام كغيرها تضاف للجرح الفلسطيني، والمصيبة ان من لم يعجبه كلامي هو نفسه من حجز لبرنامج من سبعة أيام في شرم الشيخ أو قبرص ليستمتع ولهم الحق في استمتاعهم، ولكن دون حق أن يهاجم أي تفكير للإشارة إلى خسارة كبيرة نعيشها في قطاع غزة وفي قطاعات خارج غزة ومنها قطاع السياحة في الأردن مثلا وندعو الله رفع أثقالها عن أهل غزة وعن الأردن.