يا دولة الرئيس ..(أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتِ مِنَ الْعَاْلِيْن).؟


دولة الرئيس : السلام عليكم ورحمة الله و بركاته وبعد :
الاستكبارُ نابعٌ مِنَ الإعْجَابِ الأجوفِ بالنفسِ ، الْذي يَستحوِذُ على الإنسانِ حينَ يُحرَمُ مِنَ الإيمانِ ، ويَعيشُ فِي صحراءِ النفسِ القاحلةِ ، الاستكبارُ في أصولِهِ بِذرَةُ تمرّدٍ في داخلِ النفسِ ليْستْ لها فضيلةُ الطاعةِ للِه والانقيادِ أمامَ عَظَمةِ رُبُوبيّتِهِ ، بذرةٌ قِوامُهَا حبُّ النفسِ ، والشغفُ بِحفظِ تَفرُّدِها وذاتيّتها المُظْلِمَةِ .
وتاريخُ التكبّرِ والاستكبارِ ضاربٌ في عُمْقِ التارِيخِ ، ابْتِدأ خَطّهُ على يدِ "إبليسَ الطريدِ"، فكانَ الفاتحُ لهذا البابِ وهو أخطرُ الأبواب. وامتدّ خَطُّ الاستكبارِ يقودُه إبليسُ عَبْرَ التَّاريخِ ، يجتذبُ إليْهِ من الجِنَّة والنَّاسَ الذينَ يَنْساقون وَراءَ الضَّعفِ، ويُسوِّل لهم الشيْطانُ ويُغرِيهِمْ.
إنّ الإعجابَ بالنفسِ،والعَمَى الفكريِّ والإيمانيَّ يجعلُ الإنسانَ فَريْسَةً سهلةً تصطادُها شِبَاكُ الشيْطانِ، حتّى يغدوَ أداةً مِنْ أدَوَاتِه، وقناةً مِنْ قَنواتِهِ، وجُنْديّاً حِاضِراً مِنْ جنودِهِ. اتّخذَهُم إبليسُ مَطَايا ضَلالٍ، وجُنداً بِهم يصولُ على الناسِ ويَجُولُ، وتُرْجُمَانًا يَنطِقُ على ألسِنَتِهمْ . عنْ النبيِّ - صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ - قال: [بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَجَبَّرَ وَاعْتَدَى ، وَنَسِيَ الْجَبَّارَ الأَعْلَى ، وَبِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَخَيَّلَ وَاخْتَالَ ، وَنَسِيَ الْكَبِيرَ الْمُتَعَالَ ، وَبِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ سَهَا وَلَهَا ، وَنَسِيَ الْمَقَابِرَ وَالْبِلَى ، وَبِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ عَتَا وَبَغَى ، وَنَسِيَ الْبَدْءَ وَالْمُنْتَهَى ]
دولة الرئيس : يسألُ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ : أليسَ الحقُّ أبلجَ ، والباطِلُ لجْلجًا ؟ أليسَ الحقُّ واضحًاً وضوحَ الشمسِ فِي رَابِعَةِ النَّهارِ؟ أليسَ الحقُّ أحقُّ أنْ يُتَّبَعَ ؟ جوابُك سَيكونُ بلا شَكٍ: بَلَى . إذًا لِماذا تُجانِبُ حكومَتَكُم الحقَّ ؟ ولِمَاذا تَظهرُ على النَّاسِ بِمظهَرِ المُبْتَعِدِ عَنِ الحقِّ ؟ أليْسَتْ السِياسَاتُ الخاطِئَةُ ، وَمِنْهِجَ العَشوائيَّةِ الذي يَتَّبِعُهُ أصحابُ القرارِ السِياسِيِّ ، هو وراءَ الحِراكِ الشَّعبِيَّ الهادِرِ ، وقُرَّةُ عَيْنِهِ الطَّفِيْلَةُ - حَفِظَهَا اللهُ مِنْ كُلِّ سُوءً - الذيْ يُطالِبُ بالإصلاحِ الحقيقيِّ ، والقضاءِ على الفسادِ والفَاسِدين ؟ أليْسُوا هُمْ مَنْ يتعرضُ للقمعِ والتنكيلِ والسجنِ في طول الوطن وعُرضه ؟ وهم بالتالِي على حقٍّ ، والحكومةُ على باطِل ؟ لِماَذا لَمْ يَتَّعظْ القائِمون على السُّلْطَةِ مِنْ كُلِّ هذهِ السِّنين والقِصَصِ ؟ التي تقولُ : إنّ القَمْعَ دواءٌ فاشلٌ ، فِي مُواجَهَةِ الاحتجاجاتِ و احتوائِها .
فهذا فِرْعَونُ , الذيْ ذَبَحَ بَنِي إسرائِيلَ فِي النَّهَايةِ ابتلَعَه البحرُ، فَمَا الذي استفادَهُ مِنْ قَمْعِهِ لشعبِهِ ؟ وماذا استفادَهُ غَيْرُهُ ؟ المَشْهَدُ نَفْسُهُ يَتكَررُ فِي وَطَنِنَا الغَالِي "يا دَوْلَةَ الرَئِيسِ"، حيثُ تَعتَقِدُ الحكومةُ أنّ سِياسَةَ تَخْويفِ النَّاسِ بالسجنِ والضربِ سينفعُ ، و تعتقِدُ أنَّ السيِّاسةَ الفِرْعَونيَّةَ وَكْبتِ الحرَّياتِ ، هِي أفضلُ السُبُلِ لإرجَاعِ النَّاسِ إلىْ بِيُوِتِهِمْ . ولكِنْ ما نشهدُهُ مِن أحْدَاثٍ احتجَاِجيةٍ مُتصَاعدةٍ ، لدليلٌ واضحٌ على فَشلِ هذهِ السِّياساتِ القمعيَّةِ ، التِي تُمَارِسُها الحكومةُ . فمَا العائِقُ الذي يَقِفُ في وَجْهِ الحُكومَةِ "يا دولة الرئيس"لِتَعْدِلَ عَنِ الحّقِّ ؟ ومَا المَانِعُ الذيْ يَمْنَعُ الحُكومَةُ مِنْ أنْ تُتَابِعَ الحقَّ ، وأنْ تُعْلِنَ الحقَّ ؟ لِلإِجَابَةِ عَنْ هذا السؤالِ أكفيكَ عَنَاءَ الإجَابَةِ ، وأجْتَهِدُ رَأيِّ ولا آلو ، فَمَا كانَ فيهِ مِنْ صَوَابٍ فَمِنَ اللهِ وَحْدَهُ ، ومَا كانَ فِيهِ مِنْ خطئٍ فمِنِّي ومَنَ الشيْطان .
أقولُ وَمِنَ اللهِ التوفِيقِ : إنَّه الجهْلُ ، لَقَد قَرأتُ عِبَارةً لِفيْلَسوفِ الإسلامِ مُحَمَّد إِقْبَال - رَحِمَهُ اللهُ – يَقُولُ : "ولَو أنَّ مَنْ كَفَرَ بِمُحَمَّدٍ - صلَّى اللهُ عليْه وآلِهِ وَسلَّمَ - أزالَ جَهْلَه بِمُحَمَّدٍ لاتَّبَعَ مُحَمَّدًاً وأحبَّهُ" لَكِنَّ المُشْكِلَةُ ، هنالِكَ مَنْ يَجْهَلُ ، وهذا الجهلُ ، إمَّا أنْ يُؤَدِّي بِه إلى تَعظِيمِ مَنْ لا يَسْتَحِقُّ التَعظِيمَ، أو إلى تَحْقِيرِ مَنْ يَسْتَحِقُّ التعظيمَ ، وهذا مَا رَأيْنَاهُ مِنْ التصرُّفَاتِ غيرِ المسؤولَةِ لِحُكُومَتِنَا مِثْلَ: سِيَاسَةِ التَّعَنُتِ , والتطنيش ، وانعدامِ مَعايِيرِ الرؤيةِ الواضحةِ للإصلاحِ ، والعدالةِ ، واتِّبَاعِ سِياَسَةِ العَصَا . التِي لا تَدُلُّ على عِلمٍ ووعيٍ بِمُجرَياتِ الأمورِ ، وإنَّما تدلُّ على جَهلٍ بِهذا الذي يَتوجَّهون إليْهِ مِنْ أفعالٍ وأقوالٍ ، فَحقَّروا مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّعظِيمَ وهو الشَّعْبُ ؟! قال تعالى : ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)﴾ (4القصص) هذهِ الآيةُ تُرِيكَ كَيفَ يَطْغَى الباطلُ فِي صَوْلَتِهِ ، ويعتزُّ بِقوَّتِهِ، ويَطمَئِنُّ إلى جَبَروتِهِ ، ويَغْفَلُ عَنْ عينِ الحقِّ التي تَرْقُبُهُ" أعودُ إلى كَلِمةِ إقبالٍ : "ولَو أنَّ مَنْ كَفَرَ بِمُحمَّدٍ أزالَ جَهْلَهُ بِمحمَّدٍ لاتَّبع مُحمَّداً وأحبَّهُ". لِنَرَى أنَّ الجَهْلَ مانعٌ مِنْ موانِعِ الوصولِ إلى الحقِّ ،وإلى إعلانِ الحقِّ ،وإلى الاعترافِ بالحقِّ ، وإلى اتِّبَاعِ الحقِّ ، ولِذلك قالَ رَبُّنا - عزَّ وجل -: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغيَرِ عِلْمٍ وَلا هُدَىً وَلا كِتَابٍ مُنِيْرٍ﴾.
الجَهْلُ مَانِع ٌوَحَاجِزٌ وَسَدٌ يَمْنَعُكَ وَيَحْجِزُكَ وَيَصُدُّكَ عَنِ أنْ تَصِلَ إلَى الحَقِّ المَنشُودِ . تَرْوِيْ كُتُبُ السِّيرَةِ: أنَّ خَالِدًا بنَ الوَلِيدِ التَقََى عَمرَو بنَ العَاصِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَبَلَ أنْ يُسْلِمَا ، التقاهُ وهُمًا فِي طرِيقَيْهِمَا إلى الإسْلامِ ، فقالَ خالدُ لِعمرو: مَا أخَّرَكَ يا عَمْرو عَنِ الإسلامِ إلى الآنَ ؟ فَقالَ عَمْرُو بنُ العاصِ: كانَ لنَا آباءٌ نَقُولُ: بِقَوْلِهم، حتَّى إذا َذَهَبُوا نَظرْنَا فإذا هَذا الدِّين حقُّ. كانُوا جَاهِليْن مِنْ خِلالِ تَجْهيْلِ آبائِهم ، وهلْ هذَا حَقًا مَا تُريْدُهُ الحُكومَةُ مِنَ الشَّعْبِ ؟ لِيَبْقَى الشَّعبُ أسيرَ تَخَلُّفِهِ ، وَلَا يَعِيَ مَا يَدُورُ حَوْلَهُ مِنْ المُؤامَراتِ الشيطانِيَّةِ ، التِي يُخطِطُ لَهَا أركانُ الفَسَادِ،. الجَهْلُ سدٌ يَحُولُ دونَ ولُوج الحقِّ .
هل تُرِيدُ الحكومَةُ مِنَّا "يا دولة الرئيس" أنْ نَبقَى في ظُلمَاتِ الجهْلِ ؟ نحكُمُ بالغلطِ والخطأ وعدَمِ الصَوَابِ والفَسادِ ؟ ألَّا نَرقَى لنكونَ فِي سَاحَةِ العِلمِ وَالمَعْرفَةِ والوَعْيِّ ، وبالتالِي إذا حَكَمْنِا كانَ الحُكمُ صائِبًاً وصحيحاً وغيرً مجانِفٍ لِمَا هو وَاقِعِيٌّ بِجدَارَةٍ ، لا أدْرِي لِماَذَا لَمْ يَتَّعِظْ القائِمون على السُّلطَةِ ؟ مِنْ كلِّ هذهِ السِنين ، والقِصَصِ التِي تقولُ : إنَّ القمعَ دَوَاءٌ ٌفاشِلٌ فِي مُواجَهةِ الاحتِجَاجَاتِ واحتوائِها فَهذا فِرعون ، الذي ذَبَحَ بَنِي إسرائيلَ فِي النِهايَةِ ابتلَعَهُ البَحْرُ ، فمَا الذِي استفادَهُ مِنْ قَمْعِهِ لِشعبِهِ ؟ ومَا الذَي استفادَه غَيْرُهُ ؟ نَفسُ الَمْشْهَدُ يَتكَررُ فِي وَطَنِنَا الغَالِي . هل تَعتقدُ الحكُومَة أنَّ سِيَاسَةِ التخويفِ بالسّجنِ والضرْب سينفعُ ؟ وهل تعتقدُ أنّ السِّياسَةَ الفِرْعَوْنِيَّةَ ، وكبتَ الحرِّيَاتِ ، هِي أفضلُ السُّبُلِ لإرجاعِ النّاسِ إلى بِيُوتِهم ؟ ولكنْ ما نَشْهَدُهُ مِنْ أحداثٍ احتجاجيَّةَ متصاعدةٍ ، لدليلٌ واضِحٌ على فَشَلِ هذهِ السِّياسَاتِ القَمْعِيَّةِ التِي تُمارِسُهَا الحكومَةُ .
فالشُّعوبُ "يا دَوْلَةَ الرَّئِيسِ" تَمرضُ ولا تَموت ، وحقوقُ الشُّعوبُ تُنْهَبُ ولَكِنْ لا تضيعُ، والشعوبُ لا تَأسِرُهَا قُضْبانُ الظُلمِ ، ومحاكِمُ الطُّغْيانِ، ولا تُرْهِبُهَا زِياراتُ الفَجْرِ ، وقَواِنين الجُورِ، ولا تَقِفُ فَي وَجْهِ حُرْيَّتِها قوانينٌ تٌفَصَّلُ بالمِسْطَرَةِ ضِدَ مَصَالِحِ الشَّعْبِ ، إنَّه وَعْدُ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ، حِينَ يَستَبِدُّ الظُلمُ ، قالَ اللهُ تَعالَى :﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ 82)غافر ،الحلُّ الوحيدُ "يا دولة الرئيس"، هو الجلوسُ معَ الشَّعْبِ ، والاستماعُ لِمَا يقولُهُ الشَّعْبُ وإطلاقُ سراحِ الحريَّةِ الكامِلةِ للشَّعْبِ مَنْ غيرِ نُقْصَانٍ . ولا نُريدُ مِنَ الحكومَةِ مُعَادَاةً مبنيَّةً علَى جَهْلِ ،حتَّى ولَو فِي مُعَادَاةِ الشَّيْطانِ، ولا نُريْدُ أيضاً مِنَ الشَّعبِ تلاحُماً وتناصُراً وتآلفاً مَبنيَّاً على جَهْلٍ، مِنْ أجلِ أنْ نَنتَصِرَ على التَّخَلِّف وعلى التَقَهْقُرِ وعلى التأخُّرِ وعلى الفَسادِ الذي غُرسَ فِي أرضِنَا ولمْ يُنْزِعْ ، بَعدَ أنْ نَخضَعَ للحقِّ ، فمَا جاءَ عَنْ طريقِ الجهْلِ سيذهبُ مَنْ خِلالِ نَفْسِ الطريقِ وبشكلٍ سريعٍ ، وسيبقَى مكانَهُ عداوةً لا تزولُ .الَّلهُمَّ وَفِقْنَا جَمِيعاً مَنْ أجْلِ أنْ نَكونَ بَعِيدِينَ عَنِ الجَهْلِ وَعَنْ الاسْتِكْبَارِ والعِنَادِ وعَنْ الخَوْفِ، وَفَّقْنِا إلى ذَلِكَ يَا رَبِّ.
Montaser1956@hotmail.com