معلمة وستّ طالبات؛ نور لا تطفئوه


هنّ سناء مشرق، وأمل يُرتجى إنْ مددنا لهن يدّ العون والتّبنيّ لما توصّلن إليه من اختراعات علمية ذات مردود إنسانيّ يتجاوز حدود مدرستهن وبلدتهن إلى كافة أرجاء الوطن، وإلى ما بعد حدود الوطن أيضا. اختراعات ستأخذ بيد الأطفال إلى برّ الأمان من حوادث الدّهس، وبيد المرضى العقليين من الضياع أو الاقتراب من الأماكن الخطرة عليهم.
فالمخترعة، معلمة الفيزياء في مدرسة بيت يافا الثانوية للبنات/إربد 1؛ هذه المعلمة فهمت ما تعنيه التربية والتعليم فهما لم يقف عند خطوط التّحجّر والرّوتين القاتل للإبداع والمبدعين، بل تعدّته إلى ترجمة إبداعها وتميّزها في عيون طالباتها وأذهانهن؛ فكان أنْ وُلد من رحم هذه المدرسة مجموعة مبدعة من الطالبات اللواتي اخترعن ثلاثة أجهزة إلكترونيّة، سهلة الاستخدام، قليلة التكلفة الماديّة، ولكنها عظيمة في فوائدها. وقد قام أحد المهندسين في جامعة اليرموك بتصنيع هذه الأجهزة، ليتمّم بذلك أوجه التّعاون البنّاء والمثمر بين المؤسسات التعليمية؛ مدارس وجامعات. كلّ هذا تحت إشراف الإدارة المدرسية ومتابعتها.
وبشكل مختصر، فإنّ الجهاز الأول يساعد على تخفيف الوزن عن طريق حساب عدد السعرات المفقودة عند استخدامه، والثاني لحماية أطفال المدارس من الدّهس من خلال بطاقة ذكيّة توضع في المركبة، تنبه السائق إلى وجود مدرسة على بعد 100 أو 200 متر. أما الجهاز الثالث فهو لحماية الأطفال المرضى عقليًّا من العبث بالأدوات الخطرة، أو الضّياع.
إنّ تبنّي مثل هذه الكوكبة من المبدعات أو المبدعين في مدارسنا لذو أثر كبير في مسيرة التّمدّن والتّحضّر التي تسعى وراءها المجتمعات والدول التي تحترم نفسها وتقدّر المبدعين من أبنائها وترعاهم، كي لا يُطمس التّميّز والإبداع في مهده. ومثل هذا التّبني والرعاية غير مقصور على جهة دون أخرى؛ فكما لوزارة التربية والتعليم دور، كذلك لوزارة التعليم العالي دور، وكذلك الشركات والمؤسسات الخاصة التي لنا فيها كبير أمل أن تسند هذه البراعم النّديّة حتى يقوى عودها، وتطرح ثمارها خيرا وبركة وفائدة للمجتمع بأسره؛ أطفالا وآباؤهم وذويهم والمحصلة هي المجتمع بكل شرائحه وطبقاته.
إنّ اقتناص مثل هذه المواهب الفذّة واجب دينيّ ووطنيّ وإنسانيّ؛ فتلك الاختراعات صدقة جارية وسنّة خير ينتفع بها الأبناء وذويهم على السّواء، وبالتالي ينتشر هذا العطر إلى كلّ ركن وزاوية في ربوع هذا البلد الطّيب بأهله؛ معلمين وطلابا ومزارعين وموظفين وجنودا. وهذه الأجهزة صُنِّعت لفلذات أكبادنا أينما كانوا؛ غورا وسهلا وجبلا وبادية. اقتنصوا هذه الحمائم برعايتكم وسندكم ومؤازرتكم، قبل أن يقتنصها آخرون بسهامهم وحِرابهم. إن الدّرهم الذي يُدعم به مشروع أو إنجاز طلّابيّ سيعود إليك وإلى غيرك دراهم غير معدودة. وأنّ الاستثمار في هؤلاء المبدعات والمبدعين من طلبتنا لهو استثمار للإنسانيّة والآدميّة والأخلاقية، من خلال العلوّ من شأن الوطن الذي يتأتّى من رفعة شأن أبنائه في كافة مواقعهم. كما أن تحفيزهن وتعزيزهن ورعايتهن سيكون له الأثر البالغ في مواصلة التّقدّم والإنجاز؛ فالنجاح يولّد النّجاح، أمّا الإحباط فإنّه يطفئ البريق من العيون، ويشلّ حركة الأيدي التي تنوي البناء، فتضمحل خلايا الدّماغ عن التّفكير والتّدبّر، ومن ثَمَّ تتزاحم الدّموع في المآقي والمحاجر غصّة وألما.
أدركوا طلبتنا؛ المبدع منهم وغير المبدع ، فعهدي بالأردنيين أنّهم لا يقتلون حُصُنَهم ولا أفراسهم.