"العين الحمرا"


حركة التعزيزات الامنية التي سيطرت طوال يوم امس على دوار الداخلية والمناطق المحيطة به, رسالة بالعين الحمرا ليس للحراك وحده, بل للجميع. لكن مهما كان عدد المشاركين في فعالية دوار الداخلية لم يكن الامر يحتاج الى كل هذه التعزيزات الامنية, حيث تحولت مناطق الدوار الى ثكنة عسكرية.

مهما كانت الرسالة فلا احد يتمنى أن تصل الامور الى مرحلة اللجوء الى الخيار الأمني مهما كانت الفعالية المنوي القيام بها, لان المطالبة بالاصلاح, بدأت ولا بد ان تبقى تحت خيار العمل السلمي, لان الاصلاح هو التغيير إلى الأفضل وتحسين عناصر المنظومة الاقتصادية, والسياسية, والفكرية, والثقافية, والاجتماعية, والتخلص من الفساد والاستبداد والقهر والظلم,ويجب أن يكون الإصلاح شاملاً يطال الأنظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية كافة..الخ, لأنه لو لم يتحقق الإصلاح في كل هذه المجالات فسوف يكون حصاد الإصلاح وثماره ضعيفة للغاية, فهل يتصور أحد أن يتحقق إصلاح اقتصادي من دون إصلاح اجتماعي, ومن دون إصلاح في نظام التعليم ومن دون الإصلاح السياسي, ان شمول هذه المجالات أمر مهم ليكتمل الإصلاح.

نعلم ان هناك أصواتا كثيرة تعلو بين الحين والآخر تتحدث عن ضعف هيبة الدولة, وتتصور أن عودة هذه الهيبة لا تتم إلا بالانحياز إلى الخيار الأمني, لكن أصحاب أجندات الاصلاح الحقيقيين يعلمون جيداً أن الاصلاح المرتبط بالعنف والدم لا يمكن أن يبني بعد ذلك مجتمعا متصالحا مع ذاته, ومن ينظر حولنا وبالذات جارتنا الشمالية يعرف مدى ما فعله العنف في بُنيان السلم الأهلي.

نريد الاصلاح في الاردن سلميا, والسلمية لا تعني بأي حال من الاحوال الاستسلام. الاستسلام سلوك قبيح لا يلجأ المرء إليه إلا مضطراً وتجنباً لشر كبير.

في الأردن ملفات كثيرة مفتوحة وحرف البوصلة إلى ملفات أخرى, هو الخيانة الرئيسية للاصلاح, وهناك من له مصلحة في قيادة الحافلة بعد أن يكون قد عطب كوابحها.

من حق جماعة 24 آذار الاحتفال بطريقتهم في الذكرى السنوية لوقفتهم الأولى, لكن ليتذكر هؤلاء ومن يقف وراءهم, كم تراجعت المطالب الاصلاحية بعد ما جرى في العام الماضي, وكم حصل من انشقاقات في الحركات الاصلاحية بعد أحداث الدوار.

الاستماع إلى المتحمسين للخيارات الأمنية و"العين الحمرا", يقود إلى أسوأ النتائج, لأن هؤلاء هم ذاتهم الذين يُقومّون الحراك بالعدد الذي يخرج به كل يوم جمعة, ولا يُقومّون الحراك بالشعارات التي يرفعها, والمطالب الاصلاحية التي ينادي بها, وانه حان أوان استحقاق دفعها.

العين الحمرا لا تصلح هذه الايام مع الشعوب التي استيقظت بعد سبات استمر اكثر من اربعين عاما, نحن الآن في زمن ربيع الشعوب, ولا يديم الربيع إلا معرفة كيفية التعامل معه وسقايته لا الدوس عليه.