صعود اليمين!



نحن أمام مشهد سياسي عالمي غامض وخطير، فاليمين المتطرف الصهيوني أصبح يسيطر على دائرة صنع القرار في دولة الاحتلال، بقيادة حكومة الحرب التي يرأسها بنيامين نتنياهو، وتضم غلاة اليمين الصهيوني المتطرف، مثل إيتمار بن غفير رئيس حزب «العظمة اليهودية» ووزير الأمن القومي الإسرائيلي، ويوئيل سموتريتس وزير المالية، ورئيس حزب الصهيونية الدينية.

ويمتلك هذان الحزبان بالشراكة مع آفي ماعوز، زعيم حزب «نوعام» المعادي للاختلاط والمحارب الأبرز للمثليين 14 مقعداً في الكنيست «البرلمان»، وبذلك تشكل هذه الكتلة حجر الزاوية في تحديد سياسة الحكومة وأولوياتها، التي ترتكب مجازر مروعة وتشن حرب إبادة جماعية على قطاع غزة منذ 8 اكتوبر الماضي، وتضرب عرض الحائط بالمواثيق الأممية والقانون الإنساني الدولي، وقرارات مجلس الأمن ومحكمتي العدل والجنائية الدولية وتستخف بها جميعاً..!

لست على قناعة بوجود فروق جوهرية بين الأطياف السياسية والحزبية، في الكيان الصهيوني لجهة الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، ثمة اختلافات باللهجة السياسية والتصريحات، لكن في جوهر البرامج السياسية تبدو الاختلافات شكلية، فليس هناك أي حزب سياسي إسرائيلي يعترف بحق الشعب الفلسطيني باقامة دولة مستقلة على حدود عام 1967، جميعهم يريدون دولة فلسطينية هشة منزوعة السيادة والسلاح، ومقطعة الأوصال تنتشر فيها المستوطنات والحواجز الأمنية والجدران العازلة والطرق الالتفافية، وأكبر دليل على ذلك فشل تجربة «اتفاق أوسلو»، وتنصل إسرائيل من التزاماتها بإقامة دول فلسطينية!

وفي أوروبا جاءت مفاجأة بمثابة هزة سياسية بالنسبة للطبقة والأحزاب الحاكمة، حيث فازت أحزاب اليمين المتطرف» الشعبوي »، بأكثر من 30 بالمئة من مقاعد البرلمان الأوروبي، الأمر الذي ينذر بتطورات خطيرة لجهة المعاداة للمهاجرين العرب والمسلمين والأفارقة، وفرض مزيد من القيود على استقبال المهاجرين واللاجئين، وتصاعد الأجواء السلبية تجاه الجاليات العربية والمسلمة، التي كانت هدفا رئيسيا في الحملات الانتخابية للأحزاب اليمينية المتطرفة. فضلاً عن فرضية حدوث تحولات جوهرية في السياسات الداخلية والخارجية للاتحاد الاوروبي وعلى الصعيد الدولي، الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي ماكرون لاتخاذ قرار مفاجئ بحل الجمعية الوطنية «البرلمان»، والدعوة لاجراء انتخابات مبكرة نهاية هذا الشهر!.

وسيكتمل المشهد المقلق بصعود اليمين، إذا فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. الذي سجل في ولايته الأولى انحيازاً غير مسبوق لصالح دولة الاحتلال، من خلال قراره بنقل السفارة الاميركية الى مدينة القدس المحتلة معتبرا المدينة عاصمة أبدية لاسرائيل! فضلاً عن طرحه مبادرة لتسوية القضية الفلسطينية سميت بـ"صفقة القرن»، كانت كفيلة لو نفذت بتصفية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني!.

في عالم السياسة ليس هناك ثوابت، بل المصالح هي التي تحكم سياسات الدول، دون إغفال دور الايديولوجيات المتعصبة في توجيه السياسات، كما يحدث هذه الأيام في دولة الاحتلال الصهيوني! ولذلك ليس مستبعداً أن تقوم الاحزاب اليمنية المتطرف الأوروبية، بتعديل خطابها وبرامجها اذا وصلت الى السلطة، كما يحدث في الديمقراطيات الغربية عندما تفوز المعارضة وتصل إلى الحكم! وفي دولة الاحتلال الصهيوني لو وصلت المعارضة التي تهاجم حكومة نتنياهو اليوم إلى الحكم، فلن تحدث تغييراً جوهرياً في سياساتها ازاء الفلسطينيين والعرب!

وفي ظل هذا المشهد ألسنا بحاجة إلى نمو حركة يمين قومي عربي، بل أن هذه التطورات تفرض ضرورة اتخاذ قرارات جدية، لتعزيز التضامن العربي لمواجهة التحديات المتزايدة التي تواجه الأمة؟.