القاضي وليد قدورة يكتب.. هكذا علمني الحج


معاني الحج  تربو على الحصر ولا يحيط بها فكر و قصارى ما يحصله المتأمل دروسا يقتبسها من هذه الرحلة المتصلة بالسماء أنه رغم أن الحج تكليف والتكاليف لا تكون تكاليفا إلا إذا اكتنفتها المشقة وحسبنا أن النبي صلى عليه وآله وسلم عد الحج جهادا بل أفضل الجهاد ومع ذلك فإن المسلم بعد أن يقضي تفثه ويوفي نذره ويتم حجه لا يملك إلا أن يقول كما كان يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن يقوم الليل وقد تفطرت قدماه مخطابا ربه سبحانك ما عبدناك حق عبادتك وتعلمت من صعودي في موكب الحج أن الحج مخاض تعقبه ولادة يلج المسلم فيه بنقائصه وأوزاره وذنوبه ويخرج منه أبيض نقيا متحررا من أدران الذنوب لهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم عن الحج المبرور أن المسلم يخرج به كيوم ولدته أمه فبعد أن كان جنينا ناقص الآدمية لا تنطبق عليه جميع أحكامها يخرج من بطن أمه بشرا في أحسن تقويم تعلمت أن الحج بيعة يبايع العبد فيه ربه على فعل الطاعات وترك المنكرات فلا يخفرن أحدنا بيعة ربه فمن نكث فإنما ينكث على نفسه وتعلمت أن الحج رحلة على خطا الأنبياء والأولياء إبراهيم وإسماعيل وهاجر نرمي كما رمى إبراهيم ونسعى كما سعت هاجر وننحر كما نحر إبراهيم ونطوف كما طاف محمد فكما تمثلنا طريقهم في الحج فلنمتثل خطواتهم في جميع مناحي الحياة نكون كإبراهيم في محاربة الشرك في جميع صوره وفي ولائه وبرائه وسيرة محمد في جهاده وأخلاقه وتبتله.

علمني الحج أن المسلمين أمة واحدة في آمالهم وتطلعاتهم وهمومهم وآلامهم وأن هذه الأمة مثلما لبت نداء وأذن في الناس بالحج توشك أن تلبي نداء ربها بالوحدة وجهاد الأعداء والنهضة ورقي الأخلاق علمني الحج ومن خلال رفقاء الرحلة وحجاج بيت الله أن اختلافنا في أذواقنا وآرائنا وعاداتنا وطبائعنا أن اختلافنا لا يجب أن يؤدي بالضرورة إلى التنازع والتدابر والتقاطع بل ربما يكون سببا في التآلف والتعاضد والتكامل وتعلمت أن الحج هجرة يهاجر فيها المسلم إلى الله منخلعا من علائق المادة وأغلال الشهوة مقبلا على خالقه كالملائكة الذين لم تركب فيهم شهوة وكالأولياء الذين لم تحرروا من بريق الدنيا .

وتعلمت أن الحج رحلة روحية لا ينجح في الإقلاع بها إلا من تزود بغذاء الروح وهو الإيمان واليقين والتقوى فهذا الزيد في هذه الرحلة وإن كان لا بد معه من الزاد المادي إلا أنه هو الزاد الذي عليه المعول في الحج لذلك قال تعالى مخاطبين الوافدين على مكة لأداء مناسك الحج وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.

هذه خواطر من وحي الحج أسأل الله أن يستلهمها حجاج بيت الله لأن ثمرة العبادة تكمن في تحقق معانيها في روح الإنسان وفكره وسلوكه والله أعلم.