الانتخابات البرلمانية الأردنية في الزمن الصعب .. واليمين المتطرف في أوروبا يعود إلى الواجه


انشغلت الصالونات السياسية في الأردن خلال الفترة الماضية بمواضيع مختلفة كلها يدور حول الانتخابات البرلمانية في الأردن. ولقد كان لجلالة الملك - حفظه الله - الفضل في إغلاق كثير من هذه المواضيع كالذي تم تداوله حول تأجيل الانتخابات البرلمانية القادمة حين أعلن جلالته موعدها في العاشر من أيلول المقبل.

والأردن على موعد مع مجلس برلمان سيزيد عدد أعضائه من ١٣٠ عضوا ليصبح ١٣٨ عضوا، تم تخصيص ٤١ كرسي منها للأحزاب ! أي بنسبة تصل إلى الثلث. في مرحلة أولى ستليها مراحل في مجالس لاحقة يزيد فيها التمثيل الحزبي.

إن الحديث عن مدى قوة الأحزاب المشاركة في الانتخابات القادمة ستحدده نتائجها في الوقت الذي يتخوف فيه مراقبون من تأثير الأحداث الجارية في فلسطين على توجهات الناخب الأردني.

خاصة في وقت عاد فيه التيار الإسلامي إلى الواجهة بتصدره نتائج الانتخابات الطلابية في الجامعات الأردنية. ففي الجامعة الأردنية حصد التيار الإسلامي المتمثل في "كتلة أهل الهمة" حوالي نصف عدد المقاعد.

ولعل البعض يرى أن في هذه النتائج إشارة واضحة إلى التوجه العام للناخب الأردني. والبعض يرى عدم تحميل المشهد أكثر مما يجب.

إن الأردن على موعد مع انتخابات صعبة من جهة القوى المؤثرة على الناخبين، خاصة وأن الناخب الأردني عانى ولا زال من أوضاع اقتصادية صعبة، وأخرى سياسية يرى آثارها فيما يجري في غزة. وهنا يبرز التحدي الحقيقي للمرشحين في محاولة إقناع الناخبين بجدوى برامجهم الانتخابية القادمة.

هل سيختار الناخب الأردني برامج حزبية يمينية أم الوسط أم اليسارية!

وللعلم فإن هذه المصطلحات في عالم السياسة تختلف عنها في عالم الاقتصاد.

مصطلح "اليمين المتطرف" وصف يطلق على تيار سياسي يتركز أساسا في أوروبا ويتبنى نزعة متطرفة معادية للمسلمين واليهود والأجانب، ولديه تمسك متطرف بالقيم الوطنية وبالهوية السياسية والثقافية واللغوية، ويتسم بميل شديد إلى المحافظة الدينية المسيحية. ومن أشهر أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا "الجبهة الوطنية" بفرنسا المعادية للأجانب والإسلام، وحزب الوسط الديمقراطي في سويسرا الذي كان وراء استفتاء على منع بناء المآذن في البلاد  2009، و"حركة بيغيدا" الألمانية والمناهضة لما تدعوها "أسلمة الغرب".

الجدير بالذكر أن مصطلح اليمين واليسار في السياسة قديم بدأ منذ عام ١٧٨٩م وكان اليمينون هم المناصرون لسلطة الحاكم وكان حينها لويس ١٦ ..في حين اليساريون هم من كانوا مع سلطة محدودة للحاكم.

وشيئا فشيئا أصبح اليمين سمة "التقليديين" المحافظين على تقاليد الحكم المعترف بها، أما اليسار فأصبح سمة "التقدميين" الذين يؤمنون بسلطة الشعب.

ومع مرور الوقت جنح بعض اليمينيين يمينا، ومنهم هتلر وموسوليني، ليظهر مصطلح "أقصى اليمين" او "اليمين المتطرف" وتشكلت الفاشية والنازية، وظهر مصطلح "أقصى اليسار" أو "اليسار المتطرف" في فترة صعود الاتحاد السوفييتي الذي ظهرت معه تيارات يسارية متشددة تدعو إلى ما تسميه العنف الثوري.

ولقد شهد العالم الأوروبي ثورات سياسية حمل بعضها آثارا دموية في المواجهة بين اليمين و اليسار للاستحواذ على السلطة.

لقد لبثت بريطانيا في القرن السابع عشر الميلادي أحد عشر عاما  في فوضى عامة بعد إعدام الملك تشارلز الأول على يد الثوار، لكن تلا ذلك عودة تشارلز الثاني إلى سدة الحكم بعد عقد من الزمان، ثم بعد ثلاثة عقود أخرى وعلى يد ما يطلق عليه "الثورة المجيدة" تم صناعة متغيرات جذرية في نظام الحكم البريطاني.

بل إن أمريكا الحالية كانت مستعمرة بريطانية، لكن ثورة عامة استمرت أربعة عشر عاما بذل فيها الأمريكيون الغالي والرخيص حتى حازوا استقلالهم عام 1783. وهو نفس العام الذي بدأت فيه الثورة الفرنسية والتي أطاحت بالنظام الملكي .. لتستمر الفوضى في فرنسا خمسة عشر عاماً حتى جاء نابليون بونابرت فأسس الامبراطورية الفرنسية.

واليوم في هذا العالم الذي مليء بالظلم والآهات والأنين لانستطيع التغاضي أو حتى التغافل عن أن ثمة ثورات نستطيع تسميتها بالثورات "الناعمة" -إن صح التعبير-.. فخروج بريطانيا عام ٢٠١٦م من الإتحاد الأوروبي باستفتاء .. كان شكلا من أشكال الثورة الناعمة، وفي نفس التاريخ تقريبا ٢٠١٤م قامت روسيا باستعادة شبه جزيرة القرم من أوكرانيا.

وبعد قرابة العشر سنوات ثمة مشاهد في القارة الأوروبية تسترعي الإنتباه .. تشعر أنها مقدمات لثورات جديدة مقبلة على هذا العالم .. فالليبراليون باتوا في مواجهة حقيقية مع المارد الشعبي .. ولم تعد الساحة خالية لليبراليين كذي قبل .. بل بات من اللازم والواجب عليهم إدارة عملية صعبة من المفاوضات لتمرير قوانين يسعون لتشريعها ..

وفرنسا ليست بعيدة عن ذلك. فهاهي السياسية الفرنسية والبرلمانية الأوروبية عن فرنسا، ورئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني: "مارين لوبان" على موعد مع انتخابات فرنسية مبكرة قد تجعلها تسيطر على البرلمان الفرنسي، ثم الحكومة !. 

وهاهو نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير البنية التحتية والنقل وزعيم الرابطة: "ماتيو سالفيني" يكتب على مواقع التواصل الاجتماعي تحت صورة لنفسه مع لوبان:" دعونا نتجاوز الأمر: نريد إحداث ثورة في أوروبا".

بل يعد المراقبون القرار الذي أقدم عليه ماكرون بحل الجمعية الوطنية وإجراء انتخابات مبكرة في نهاية شهر حزيران الجاري كارثة على الديمقراطية الفرنسية!! بل وصنفه المراقبون بأنه أعنف مقامرة تجري في تاريخ فرنسا الحديث! بل يقول الخبراء بشأن هذا القرار: فرنسا في خطر. في الوقت الذي تبلغ معدلات تأييد الرئيس ماكرون نحو 30%، وهي أقل حتى من معدلات تأييد بايدن.

وفي ألمانيا -وعلى نفس الخطى- يسير حزب يميني متطرف فيها وهو "حزب البديل من أجل ألمانيا"  والذي فشل عام ٢٠١٣م في دخول مجلس البرلمان لفقدانه العتبة اللازمة من الأصوات المطلوبة، هاهو يعود اليوم ليحقق نتائج مذهلة أمام هزيمة ساحقة لحزب الائتلاف الحاكم، وهذا بدوره يهدد بأزمة سياسية قادمة لم تشهدها ألمانيا منذ زمن جمهورية فايمار.

وقد يسأل القاريء عن السبب خلف صعود الأحزاب اليمينية الأوروبية إلى الواجهة بعد حالة الانحسار التي كانت واضحة عليها؟!

لقد اغتنم أقصى اليمين في أوروبا واستغل حالة انعدام شعور الناس بالأمان، ومعاناتهم من الظلم الاجتماعي اللاحق بهم، فبدأ اليمينيون يعدونهم بالعودة إلى الماضي الذهبي، بالإضافة إلى استخدام لغة قومية عنصرية معادية للأجانب والمهاجرين،   حتى أن (حزب التجمع الوطني) قد نجح بقيادة مارين لوبان، في خلق صورة باعتباره حزب الطبقة العاملة".

ناهيك عن شعور الناخب الأوروبي بخيبة الأمل وهم يرون أحزاب يمين الوسط ويسار الوسط يعملون لمصالح القلة ضاربين بمصالح العامة عرض الحائط.

هناك دراسات حديثة تؤكد أن سلوك الناخب وقت الأزمات يتجه صوب اليمين المتطرف وبنسب عالية، وخاصة أثناء معاناة الناخب من آثار التصدعات أو فترات  الانكماش الاقتصادية آملين أن يجدوا في الأحزاب اليمينية ضالتهم المنشودة، فكيف سيكون الحال حين يتأكد الناخب أن لاحلول لدى اليساريين! .. فكيف سيفعل اليساريون لإقناع الناخبين بأن لديهم شيئا يقدمونه لهم.

إن الموقف الأخير الذي قامت به الحكومات الأوروبية الليبرالية الديمقراطية تجاه المحتجين على سياسة الإبادة الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطينى في غزة كان له دور كبير في انصراف الناخبين عن هذه الحكومات  حتى إنه وفي ألمانيا  رأى المواطن الألماني التعنيف والمداهمات لمنازل الناشطين، ومنع أي متحدث في هذا الشأن من دخول ألمانيا، ورأى الناس في اليونان كيف أعلنت حكومتها بعدم التسامح مع طلاب الجامعات إذا ما قاموا بإقامة مخيمات تدعم القضية الفلسطينية! بل ذهب رئيس الحكومة إلى منحى عجيب غريب وهو محاولة ترحيل اي طالب اوروبي يشارك في هذه الفعاليات إلى بلاده.

وبعد ذلك كله ترى الناخب الأوروبي يضحك بملء فيه وهو يسمع رؤساء حكومات هذه الدول وهم يدعون الناخبين لتحمل مسؤولياتهم والتصرف بشكل مسؤول، وكأن الديمقراطية محصورة فقط فيما يرون ويفعلون هم فقط.

على العموم فإن ثمة إشارات بقرب المواجهة ونشوء أزمة في التفاوض بين القوى السياسية المختلفة والذي سيؤثر حتما على أداء البرلمان الأوروبي.

نستطيع أن نقول أن الديمقراطيين الأوروبيين في حالة قلق شديد من مجريات الأحداث، وبات لزاما على السياسيين الأوروبيين أن يدفعوا ثمن اخفاقاتهم في الفترة الماضية، ليجدوا أنفسهم اليوم في مواجهة حقيقية مع اليمين الشعبوي.

وقد يجد الليبراليون أنفسهم أمام خيار وحيد حتى يضمنوا عدم تأزيم الأوضاع مع القوى اليمينية المتطرفة وذلك من خلال الجلوس معهم على طاولة الحوار للوصول إلى حالة من الرضى خاصة فيما يتعلق بالملفات التي تعتبر مفصلية لدى اليمنيين كملف الهجرة وأشباهه مما يعدونه كالشراع للسفينة.

لكن هذا الخيار الاستراتيجي قد يكون بعيد المنال حتى وإن توافرت الإرادة الصادقة لدى قيادات كافة الأطراف من الليبراليين والاشتراكيين والديمقراطيين .. والسبب وبكل بساطة يكمن في أن القواعد الشعبية والنشطاء لن يسمحوا بنجاح هذا الخيار. وهنا لن يبقى لليبراليين سوى خيار وحيد لا غيره! وهو الدخول في مواجهة مع اليمين المتطرف، من خلال بث الرعب في النفوس، وإشعال حرب ضروس تحت شعار الدفاع عن الديمقراطية. وقد يصل الأمر إلى استصدار قرارت بحظر الأحزاب اليمينية التي ستصبغ بصباغ هستيريا عداوة الدولة!. 

لكن المضي في مثل هذا النهج يعني مزيدا من التطرف في أقطاب الصراع.

قد يقول قائل: تعالوا بنا ندمج بين الخيارين، كما يقول المثل ( دقة على الحافر ودقة على المسمار )، أي مرة حوار وتسوية، ومرة اتباع منهج الضغط، وكل ذلك ليحافظ الأوروبيون على ديمقراطيتهم.

الأوروبيون على موعد مع مشهد تآكل الديمقراطية عبر انتهاكات لسيادة القانون.  وليت الأمر يقف عند هذا الحد، لكن وظيفيا فإن الاتحاد الأوروبي سيصبح مختلا .. وبشكل سيتزايد مع الوقت.. فالخطط الموضوعة سيتم عرقلتها سياسيا.

حتى دول العالم - وخاصة العالم الثالث- والتي وضعت في حساباتها طبيعة التكوين الليبرالي للاتحاد الأوروبي ستصطدم بتداعيات مايجري على الساحة الأوروبية.

انظر الى اوكرانيا اليوم - كمثال- فإن اليمين المتطرف مع تزايد نفوذه وصعود نجمه يحارب هذه الحرب، ويسعى لوقف التدخل فيها.

إن ما يميز اليمين المتطرف في أوروبا هو معاداته الشديدة لليهود، ولا سيما بعد أن قامت اللوبيات اليهودية والصهيونية بالسيطرة على مفاصل الاقتصاد والإعلام في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ومما زاد الطين بلة هو استغلال تلك اللوبيات للمحرقة النازية التي جرت ضد اليهود لممارسة نوع من الإرهاب الفكري والأخلاقي على الأوروبيين، خاصة بعد حرب عام 1948.

والسؤال الذي يبقى برسم الإجابة: إلى أي مدى ستؤثر المجازر التي تجري في غزة على وجهة الناخب في العالم الأوروبي والعربي؟!