هل فعلاً سقطت ورقة التين؟.. تبعات استقالة غانتس على مستقبل الحرب والصفقة

بعد ثمانية شهور وثلاثة أيام من الشهر التاسع من دخول الحرب المتوحشة على غزة، تنتهي حكومة الوحدة والطوارئ بعد استقالة الحزب الدولاني برئاسة بيني غانتس، وسط تساؤلات عن تبعاتها وانعكساتها على الحرب وعلى الصفقة وعلى الاحتجاجات ومستقبل حكومة الاحتلال، التي عادت لتركيبتها الأصلية القائمة على أغلبية 64 من 120 عضواً في الكنيست.

وكان غانتس قد أعلن استقالته في شريط فيديو مسجل، ليلة أمس، وجّه خلاله إصبع الاتهام ضد نتنياهو، كما كان متوقعاً، فقال إنه هو الذي يحول دون التقدم نحو نصر حقيقي، لافتاً إلى أن حزبه يغادر بقلب ثقيل وضمير مرتاح.

يشار إلى أن غانتس قد أنذر نتنياهو، قبل نحو الشهر، بالاستقالة في الثامن من حزيران، إذا لم تتحقق ست نقاط، منها صفقة تبادل تشمل اليوم التالي .

في كلمته، وجّهَ غانتس دعوة لنتنياهو لتحديد موعد متفق عليه لانتخابات مبكّرة في الخريف القادم، لـ تجنيب الإسرائيليين التشظي، ولتغيير سلّم الأولويات ببناء تحالف إقليمي يخدم المصالح الوطنية لإسرائيل.

وكانت استطلاعات الرأي قد ابتسمت لغانتس وحزبه بعد مشاركته في حكومة الطوارئ، بيد أن شعبيته تراجعت في الشهرين الأخيرين، بعدما تبيّنت محدودية تأثيره على قرارات الحكومة، وعلى نتائج الحرب. ولذا أخذ الحسابات الحزبية والشخصية في الحسبان، خلال كلمته المتلفزة أمس، ضمن الصراع على الرواية والوعي مع نتنياهو وأنصاره، الذين اتهموا غانتس بالمساس بالوحدة في ذروة حرب خطيرة.

في كلمته دعا غانتس لتشكيل لجنة تحقيق رسمية، وطالبَ نواب الائتلاف العقلاء للإصغاء لصوت الضمير، وذكر غالانت باسمه، ودعاه للقيام بالخطوة الصحيحة؛ مغادرة الائتلاف الحاكم وإسقاطه تمهيداً لـ الذهاب للشعب صاحب القرار والقول الفصل .

حان الوقت لوقف الصغائر

وسارع نتنياهو للرد على غانتس، فقال، في منشور ضمن حسابه في موقع إكس متوجها له: دعك من الصغائر السياسية والحسابات الفئوية، فهذا هو وقت الوحدة . كما دعا نتنياهو بقية الأحزاب الصهيوينة للانضمام للائتلاف فـ بابي مفتوح .

وتثير تصريحات نتنياهو موجة من التهكم عليه، فهو متهم من قبل أوساط إسرائيلية واسعة بتقسيم الإسرائيليين، منذ سنوات، خدمة لمآربه الشخصية . ويعبّر عن ذلك رسم كاريكاتير في يديعوت أحرونوت ، اليوم الإثنين، وفيه يطل نتنياهو من داخل الجيب الصغير في بدلة بن غفير مخاطباً غانتس وهو يدير ظهره له ويغادر: حان الوقت لوقف السياسة الصغيرة .

هناك حسم

كما كان متوقعاً، تثير استقالة غانتس جدلاً داخل إسرائيل، بين من يرى ذلك خطوة صحيحة ومتأخرة، ومن يعتبرها خطأ كونها مسّاً بالوحدة في ذروة الحرب، كما ترى صحيفة يسرائيل هيوم المناصرة لتوجهات حكومة الاحتلال.

في المقابل؛ يرى محلل الشؤون الحزبية في صحيفة هآرتس يوسي فرطر أن قرار غانتس جاء متأخراً شهوراً، مؤكداً أن غانتس وآيزنكوت شكّلا غطاءً مريحاً لنتنياهو، وهمزة وصل مع العالم، دون أن يؤثّرا في صناعة القرارات.

ويتفق معه المحلل السياسي في صحيفة يديعوت أحرونوت ناحوم بارنياع، فيقول إنهما كانا بمثابة ورقة تين لنتنياهو وحكومته. ويتابع: كان على نتنياهو أن يحسم أمره بين خيارين: استمرار الحرب، والبقاء مع سموتريتش وبن غفير، أو وقف الحرب لأربعة شهور على الأقل واستعادة المخطوفين، مع احتمال تسوية مع لبنان، واحتمال تطبيع مع السعودية، وترميم العلاقات الخارجية. نتنياهو حسم لصالح الخيار الأول. استقالة غانتس ستصعّب الحوار بين نتنياهو والدول الأجنبية، خاصة أمريكا؛ لقد فقد نتنياهو ورقة التين. الاستقالة ستضع بن غفير وسموتريتش تحت الامتحان، فهما أيضاً فَقَدا ورقة تينهم .

وينضم غلعاد شارون، ابن رئيس حكومة الاحتلال الراحل شارون، للانتقادات، فيقول، اليوم، في مقال تنشره يديعوت أحرونوت تحت عنوان يلعبون بجوار الإيرانيين ، متهماً نتنياهو بالانشغال عن الخطر الأكبر، والخطر إيران المتسارعة نحو السلاح النووي مستغلة دخان الحرب على غزة. هذه الاستقالة من شأنها إطالة أمد الحرب، واستبعاد الصفقة المتداولة، نظراً لاستئثار المتشدّدين والغيبيين بالقرار، ولأن عملية النصيرات تعطي نتنياهو فرصة للزعم بأن الضغط العسكري مجدٍ وفعال كي يهرب من المفاوضات.

ولذا، وفي المقابل أن تدفع الاستقالة من الجدل والانشقاق وتصاعد الاحتجاجات من أجل إتمام صفقة خاصة، إذا ما اجتمعت عوامل أخرى، كاستقالة المزيد من الجنرالات، كما فعل قائد فرقة غزة أمس، وذلك لأن المؤسسة الأمنية التي تحظى بثقة أكبر من المستوى السياسي في الشارع الإسرائيلي معنية بوقف الحرب الآن، وتتهم نتنياهو بخلط الحسابات، وتشدد على أن استعادة الرهائن تتم فقط في صفقة.

في صباح اليوم الإثنين، نقلت الإذاعة العبرية عن مصادر عسكرية عليا قولها إن المؤسسة الأمنية ترى أن نتنياهو يعمل بخلاف المصلحة الإسرائيلية الوطنية، موضحة أن نمط عمله يتغير دوماً.. ويبلغ التغيير أحياناً 180 درجة. استمرار هذا الضغط من قبل المستوى الأمني سيكون فاعلاً أكثر.

مع استمرار النزيف الإسرائيلي جراء الحرب على غزة والجبهة مع حزب الله ، علاوة على خسائر وضغوط داخلية أخرى، لجانب ضغوط دولية متزايدة. وفي هذا المضمار أكد للإذاعة ذاتها الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية، الباحث في الشؤون الإستراتيجية، الجنرال في الاحتياط عاموس يادلين أن نتنياهو يعمل بخلاف ما تمليه المصالح الإسرائيلية الوطنية، مشيراً لضرورة استعادة المخطوفين الآن ضمن صفقة توقف الحرب وتعطي إسرائيل فرصة لتشحن ذاتها بالطاقات وملء مخازن السلاح والاستعداد لمواجهة التحديات.

الموقف الدولي

دولياً؛ من المتوقع أن تؤدي مغادرة الحزب الدولاني برئاسة غانتس وآيزنكوت لتقلص شرعية الحرب وشرعية حكومة الاحتلال الأكثر تطرفاً، وزيادة الضغوط دولياً، وربما الخطوات الفعلية لجانب الضغوط اللفظية التي تسبّب خسائر لإسرائيل في جبهة المعركة على الرواية والوعي. مثل هذه الضغوط الخارجية ستطرح تحدياً إضافياً أمام حكومة المتطرفين برئاسة نتنياهو، وستحفّز على المزيد من الاحتجاجات الداخلية، خاصة إذا ما اجتمعت مؤثّرات أخرى، وتنتج معاً ديناميكية جديدة، لا سيما أن عدداً كبيراً من الخبراء والمراقبين في إسرائيل يعتقدون أنه لا بديل للصفقة لاستعادة الرهائن أحياء، وأن نجاح العملية المتوحشة في النصيرات يبقى محدوداً وتكتيكياً، ولا يغير بصورة الحرب الإستراتيجية، رغم محاولات نتنياهو النفخ فيها وتضخيمها.

بعد هذه الاستقالة، على ما يبدو، سيتجه نتنياهو لتفكيك مجلس الحرب، خاصة أن بن غفير يطالب بضمه له، ما يعني المزيد من الإرباك الذي سيسعى نتنياهو لتحاشيه من خلال بناء مطبخ سياسي صغير، والاكتفاء بالمجلس الوزاري السياسي الأمني المصغر، وهو صاحب الصلاحية الشرعية دستورياً، وليس المجلس الوزاري الذي تتخذ فيه القرارات بالتوافق لا بالتصويت بعكس الحكومة والمجلس الوزاري السياسي الأمني المصغّر.

في التزامن، تتعرض الحكومة لخطر الاهتزاز، على خلفية أخرى ترتبط بما يعرف بمشروع قانون تجنيد الحريديم، الذي سيطرح للتصويت مساء اليوم، ويثير انشقاقاً داخل مكونات الائتلاف الحاكم، وسبق أن أعلن غالانت بنفسه عن رغبته التصويت ضده، رغم أنه مبادرة من جهة الحكومة. والحديث يدور عن مشروع قانون لتجنيد الحريديم بخدمة عسكرية مخففة، وهذا ما ترفضه المعارضة وبعض نواب الائتلاف، كونه لا يضمن المساواة في تحمّل الأعباء، حتى في وقت الحرب. ويشكّل الحريديم 13% من الإسرائيليين، وهم لا يعملون، ولا يتعلمون العلوم والرياضيات، ولا يؤدّون الخدمة العسكرية، ويتفرغون لتعلّم التوراة، ويؤمنون بأنها السلاح الحامي، وهذا ترفضه بقية الإسرائيليين.-