جيش المغول لا يقهر .. هل يعيد التاريخ نفسه
حاولت جاهدا أن أبقى صامتا بقلمي عما لايزال يجري في غزة هاشم من إجرام في أبشع صوره أمام مرأى ومسمع العالم أجمع.
وأدرت بصري في التاريخ أبحث عما أسلي به نفسي وأجدد في قلبي الأمل أن مايجري جرى بوعد إلهي وسنن ربانية لن تتبدل.
ولم أجد مشروعا وحدثا أقرب إلى طبيعة مشروع الحكومة الإسرائيلية اليوم في غزة من طبيعة المشروع المغولي حذو القذة بالقذة.
لقد استباح المغول فيما مضى العالم الإسلامي، وتهاوت مدن المسلمين أمام جيوشهم، كبخارى وسمرقند وكابل وبغداد.
فاستبيحت الديار .. وهتكت الأعراض .. وصودرت الممتلكات .. وغابت أسباب النصر، وتعمقت عوامل الهزيمة في الأمة الإسلامية أمام المشروع الغازي .. ومضت السنن والقوانين الإلهية وعملت عملها ولم تجامل أحداً، وماتغيرت ولا تبدلت والناس في هم وغم وضعف وذل وصغار وخور.
ومن المفارقات العجيبة أن يجتمع مشروع المغول مع الحملة الصليبية الخامسة على البلاد الإسلامية في وقت واحد.
ففي الوقت الذي تعرضت فيه بلاد الشام ومصر لهجوم الحملة الصليبية الخامسة بدأت جحافل المغول تدمر بقوة مروعة الجزء الشرقي من العالم الاسلامي، وكأن جحافل المغول بقيادة جنكيزخان كانت على موعد مع الغرب الأوربي للإطباق على العالم الإسلامي ومحو الإسلام من الوجود.
والحقيقة ان غزو المغول للبلاد الإسلامية ذلك الوقت لم يكن حادثة عادية، بل كان إعصارا مدمرا ابتليت به البشرية عامة والمسلمون بخاصة، وقد استطاع المغول خلال أقل من عامين اجتياح بلاد ماوراء النهر وخراسان وغيرها ودمروا مدن بخارى وبلخ ومرو ونيسابور وغزنة .
وقتل المغول الملايين من سكان تلك البلاد المسلمين في وحشية رهيبة لم يشهد لها تاريخ البشرية مثيلا، ودمروا الحضارة الإسلامية الزاهرة في تلك البلاد .
ومرة أخرى كان للخيانة أثر مدمر على مجريات الأحداث، ليأتي رجل من الأكراد فيقتل جلال الدين الخوارزمي، القائد الوحيد الذي تصدى لهجمات المغول وحال دون وصولهم إلى قلب العالم الإسلامي. لتصبح الطريق باغتياله مفتوحة أمام المغول للوصول إلى آسيا الصغرى وبلاد الشام ومصر والعراق.
وفعلا ماهو الا أن سيطر المغول على آسيا الصغرى ( تركيا الحديثة ) وبات السلاجقة تحت سيطرتهم، وباتت الخلافة العباسية محاصرة من الشمال والشرق.
ولم تمر عشر سنوات حتى قام خان المغول "منكو" بتجهيز جيش يزيد عن مئة ألف مغولي بقيادة أخيه الاصغر "هولاكو" آمرا إياه بالاستيلاء على الشام ومصر والعراق.
لقد قدم المغول - غير قاصدين - خدمة جليلة للعالم حين قام هولاكو بالاستيلاء على قلاع فرقة الباطنية الإسماعيلية الملحدة (غرب ايران المعاصرة ) والقضاء عليهم.
لكنه ماكاد ينتهي من تقديم خدمته تلك حتى قام بفعل أشنع مما كان يفعل أولئك، فتفرغ بعدها لبغداد حاضرة الخلافة العباسية.
والسؤال هنا: من الذي شجع هولاكو للمسير إلى بغداد؟
ومن الذي أقنع الخليفة العباسي حينها بالاستسلام للقيادة المغولية لتحدث مجزرة في الخليفة وأهله وسائر من في بغداد ( ٨٠٠٠٠٠ قتيل ) قرابة المليون، وابن كثير أوصل العدد إلى اثنين مليون نسمة تم قتلهم جميعا في مدة أربعين يوما ؟!
المفارقة العجيبة أن يكون وزير هولاكو حينها هو نصير الدين الطوسي ( رافضي شيعي )، ووزير الخليفة العباسي هو مؤيد الدين ابن العلقمي ( رافضي شيعي ).
إن التخاذل العربي الإسلامي يومها والفرقة التي رمت بلادهم كان له الدور الأكبر في أن تجري الأمور بهذه الطريقة الفظيعة حتى قال أحد ملوكهم يومها: ( والله ماخرجت البلاد من أيدينا إلا بتخاذل بعضنا عن بعض فلو كانت الكلمة مجتمعة لم يجر علينا ما جرى).
والتاريخ لا يرحم ويفضح ولا يستر .. فقد وثق التاريخ أن ملك فرنسا لويس التاسع أرسل بعثتين إلى المغول بهدف التحالف معهم، وهو عين ماقامت به البابوية، بهدف الإطباق على المسلمين من الغرب والشرق وانتزاع القدس في فلسطين منهم.
والشيء الوحيد الذي حال دون قيام هذا التحالف تعنت المغول وطلبهم حضور البابا وكل ملوك الغرب بأنفسهم لتقديم الطاعة والولاء لخانات المغول.
أما هيثوم ملك الأرمن، وأمير أنطاكية وأمراء جورجيا، فقد خضعوا للمغول وشاركوهم بجيوشهم وكان لهم نصيب من عملية التنكيل التي جرت على بلاد المسلمين. حتى أن ملك الأرمن بيديه أحرق جامع حلب الكبير.
لقد اضطر هولاكو إلى العودة بمعظم جيشه بسبب موت أخيه وترك جيشا بقيادة قائده كتبغا، وزوجة هولاكو بقيت كمستشارة ل كتبغا.
المفارقة العجيبة هنا أن القائد الجديد لجيش المغول في الشام "كتبغا" كان قد دخل الدين المسيحي، وكذا زوجة كتبغا نفسها كانت قد دخلت المسيحية أيضا. وأضف إليهم القائد الأرمني هيثوم !!! ثلاث قيادات أخذت على عاتقها استكمال غزو بلاد الشام بعد مغادرة هولاكو عائدا إلى بلاده.
لقد سقطت بغداد وحلب و دمشق ولم يبق أمام المغول إلا قاهرة المعز. والتي قام الملك قطز حينها بقطع رؤوس رسل المغول الذين زادوا عن الأربعين وتعليقها على الأسوار كرد على الطريقة التي قاموا بها بإبلاغ رسالة هولاكو.
اجتمع لقطز قرابة أربعين ألف مقاتل، سارت طليعتهم حتى وصلت مدينة ((( غزة ))).
لعل الفأل الحسن الذي استبشر به المسلمون حين رأوا أمامهم أسطورة الجيش المغولي الذي لا يقهر تتهاوى، حين قام القائد الظاهر بيبرس باسترداد ((( غزة ))) من القائد المغولي "بايدر" بعد ان دمر قواته. فكانت باكورة النصر في غزة هاشم،والتي نرجو الله أن تكون باكورة عز ونصر في هذا العصر إن شاء الله.
ثم تقدمت قوات المسلمين نحو عين جالوت -قرب نابلس- لتحل الهزيمة الساحقة بالمغول وحلفائهم، وأبيد معظمهم، وقتل المسلمون قائد المغول كتبغا، واستعادوا كل المدن والبلاد التي احتلها المغول في بلاد الشام وردوا خطرهم الى ماوراء نهر الفرات .
لقد ترتب على معركة عين جالوت نتائج بعيدة المدى أهمها القضاء على خرافة الجيش الذي لايقهر فقد حلت بالمغول هزيمة لاتنجبر ابدا حسب قول بعض المؤرخين.
أنا ارجو من القاريء أن لايمر على ما مضى مرور قاريء لقصة وتنتهي، بل إني أطالبه أن يراجع الأحداث ليستيقن أن التاريخ يعيد نصره، وأن النصر قادم بإذن الله.