ما تبعات طوفان الأقصى؟

حضرتُ منتدى الجزيرة السنوي الذي عقد بالدوحة يومي 25 وَ 26 مايو/أيار 2024 ونظمه مركز الجزيرة للدراسات التابع لشبكة الجزيرة الإخبارية تحت عنوان "تحولات الشرق الأوسط بعد طوفان الأقصى".


وفيما يلي أفكار من ذلك اللقاء الغني. إن معظم اقتباسات الكتّاب والأدباء والمؤثرين عن موضوع الفرص تتلخص في النظرة إليها على أنها إما أنها محتملة الضياع، وإما أنها قابلة للتحقق. فالكاتب البرازيلي باولو كويلو Paulo Coelho يقول "كم ضيعت من الفرص لأنني كنت خائفاً أن تضيع مني". وهي نظرة حذرة، بينما يقول لنا الكاتب الأميركي نابوليون هيل: "قد تكون فرصتك الكبرى في المكان الذي أنت فيه الآن".

وكان لي أستاذ اقتصاد درسني التاريخ الاقتصادي للولايات المتحدة وفاز بجائرة نوبل على تطويره للأبحاث التي تسأل السؤال الذي طرحه المؤرخ الإنجليزي إدوارد جيبون: كيف سيتغير التاريخ لو أن أنف كليوبترا كان أطول ببوصلة واحدة". أما أستاذي المدعو دوغلاس نورث فقد طرح سؤالاً: هل كانت الولايات المتحدة ستحقق معدلات النمو التي حققتها في القرن التاسع عشر بدون سكك الحديد؟

وسؤالي الافتراضي المغاير للحدث التاريخي اليوم هو: لو أن حركات المقاومة في غزة كانت تعلم بالقتل والدمار الذي جرى، فهل كانت ستقوم بهجوم طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023، والذي مضى عليه حتى الآن أكثر من 235 يوماً؟


ما تزال معركة إنهاء الحرب بين مد وجزر والراعي الأميركي الذي فقد ثقة العرب ما يزال واقفاً على بوابة "الحل"، ولكنه لا يأخذ الموقف المطلوب منه. والتأييد العالمي الكبير للفلسطينيين لم يرق بعد إلى الكتلة الحرجة المطلوبة لإيقافها، والدماء ما تزال تسيل، والخراب لا ينفك مستمراً، والغموض سيد الموقف.

لقد أتت حملة طوفان الأقصى بعدما أصبحت عدة دول عربية فاقدة لأهليتها منذ الربيع العربي وهي سورية واليمن وليبيا، ودول تعرضت لحروب داخلية وانقسامات فرقتها قبل الربيع العربي، وهي الصومال والعراق، ودول شهدت تقلبات قاسية مثل مصر وتونس، ودول استطاعت أن تتماسك في وجه الأعاصير وهي دول الخليج والأردن والمغرب، ودول عانت الأمرّين منذ الربيع العربي وهي فلسطين بمكونيها في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ الحصار عام 2006، والسودان، ودول لا ندري عنها الكثير ولا نذكرها في إعلامنا وهي جزر القمر والصومال. وهنالك دولتان ما تزالان تكدحان لتحسين اقتصاديهما رغم الاختلاف الكبير في أسلوبهما وهما المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية.

وقد حصلت كل هذه الأحداث خلال الفترة التي نما فيها اقتصاد دول الجوار مثل تركيا، وقويت إيران نفوذاً في المنطقة، وقاربت على إنتاج قنبلة نووية، واستُخدمت مصدرَ تهديد لدول الجوار، وأشعلت الفتنة على أساس مذهبي، ورغم انشغال إسرائيل بحروب مستمرة ضد غزة (ستة حروب منذ العام 2006)، واحتكاكات مع حزب الله، وداخل سورية والعراق حققت تطبيعاً مع بعض الدول العربية منحها مكانة أكبر لدى الدول الغربية، وأعطاها الفرصة لتتقارب مع الصين والهند، خاصة الأخيرة، وجعلت اعتماديتها لدى الدول الغربية أقوى.

وقد ظهرت علامات الثقة لدى الإسرائيليين وتحولت بوصلة التطرف لتحتل مساحات واسعة لدى باقي الفئات والأحزاب الإسرائيلية. ورأينا أن النظرة النفعية والانتهازية قد أقنعت كثيراً من أصحاب المواقف اليسارية والوسطية أن تقبل بحكم المتطرفين لأن "وصفتهم" في التوسع الاستعماري داخل الأرض المحتلة، والتوسع الإقليمي والدولي حتى في الوطن العربي تُخرس المعارضين للتطرف وتجعلهم أكثر قبولاً وتسامحاً، وبعضهم حتى أكثر انخراطاً في الاتجاهات اليمينية الصهيونية العنصرية. وبعد خمسة انتخابات تشريعية خلال أربع سنوات في إسرائيل استقر الأمر على تولي بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة بأكثرية مريحة، واحتوى الأحزاب الدينية المتطرفة داخل حكومته، متذرعاً بهم وبتهديداتهم لكي يحافظ على التطرف من دون أن يخسر مؤيدين من الوسط واليسار، ومن غير أن يغضب اليمين المتطرف إلى حد التضحية بحكومته، خاصة أن استقالته سوف تعني الحكم عليه بالسجن. أما الحقيقة التي يجب ألا ننساها هي أنه سُمِح له بالدخول في الانتخابات كل مرة مع تأجيل محاكمته وإدانته، لأن الشعب الإسرائيلي في معظم مكوناته كان يريده أن ينجح.

والسؤال الافتراضي الذي يجب أن نطرحه الآن: ماذا لو لم تحصل عملية طوفان الأقصى أصلاً؟ هل سيكون وضع القدس والأماكن المقدسة أفضل، أم أننا نسينا أحداث القدس في الشيخ جراح، وسلوان، وباب المغاربة، وداخل حرم المسجد نفسه وباحاته ومحاولات فرض الأحكام الإسرائيلية عليه؟ وماذا عن محاولات الاستيطان في كل من الضفة الغربية وحتى داخل النقب؟ وماذا عن ضم الجولان، والسعي من بعدها إلى ضم وادي الأردن ومنطقة البحر الميت؟ حملة طوفان الأقصى ذكرت الإسرائيليين بأن على الجانب الآخر مناضلين ومحاربين عن الحق وأنهم إن أرادوا فالله يريد، وهو فعّال لما يريد.

ولكن هل كان بالإمكان التنبؤ بردة فعل الجانب الإسرائيلي بهذا القدر من العدوانية والإجرام؟ وهل كان من المفروض ألا نقدر مدى التأييد الذي سيظهر من أولئك المستفيدين من وجودها؟ ولكن في المقابل، فإن صمود الأهل وانفتاح الإعلام وفعاليته، والثبات على الأرض رغم الأسى والضنى والضنك جلب لهم تعاطف كثير من الناس في كل القارات الخمس، بمقدار لم يتوقعه الإسرائيليون أنفسهم. من الواضح أن كثيراً من المؤرخين والمحللين السياسيين والاقتصاديين وعلماء الاجتماع يقولون إن إسرائيل بدون داعميها ليست إلا "نمراً من ورق"، وإنها كباقي الغزاة معرضة للهزيمة.

والأسئلة الصعبة التي تواجهها إسرائيل مستقبلاً هي ما يلي:
1- اهتزاز الثقة بأن قوتها العسكرية مهما تفوقت تكنولوجياً فإنها قابلة للهزيمة.
2- ثقة إسرائيل في جيشها ودفاعاتها قد تدنت بعد عملية طوفان الأقصى إلى حد يثير التساؤل الكبير: هل تستطيع إسرائيل في المرة القادمة أن تصمد سنة مثلاً في حرب دامية؟
3- إسرائيل قد تكون قادرة على دخول أراض عربية، ولكن هل ستكون قادرة على البقاء فيها؟
4- مصدر التفوق الأساسي لإسرائيل هو الطيران والجو. ولكن هل بالإمكان تجاوز هذه العقبة؟
5- لا أحد من أهل فلسطين يريد الخروج من فلسطين، ولا أحد من الدول العربية سيسمح بدخول اللاجئين الفلسطينيين إليه.


6- أعداد كبيرة من الإسرائيليين سيفكرون في الهجرة، وهي مفتوحة أمامهم في كثير من دول العالم.
7- إن قدرتهم على تقليص الدور القوي لمؤيدي القضية الفلسطينية أو تحجيم القضية أو تغييبها لم يعد ممكناً.
8- قادة إسرائيل سيبقون يتابعون بقلق شديد قرارات محكمتي العدل الدولية والجنايات الدولية.
9- الاعتراف بالدولة الفلسطينية بات قاب قوسين أو أدنى بنتيجة تداعيات عملية طوفان الأقصى، وستجد الولايات المتحدة وإنكلترا نفسيهما وحيدتين في ميدان الاستنكاف عن الاعتراف بواقع أن فلسطين صارت دولة وحكومة معترفاً بها، وينطبق عليها ميثاق الأمم المتحدة بصفتها عضواً كاملاً، خاصة أن الأيام التي كانت تصدر فيها الولايات المتحدة قرارات من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع كما حصل في أوائل تسعينيات القرن الماضي ضد العراق قد ولت إلى غير رجعة.


10- مصالح أميركا والغرب يجب أن تتنافس مع مصالح الدول العظمى الأخرى كالصين وروسيا والهند للحصول على مزايا ومشروعات وتجارة مع الشرق الأوسط كله.


هذا غيض من فيض والسؤال الذي يبقى: هل سيسمح العرب بضياع الفرصة السانحة لإحقاق الحق الفلسطيني وقد أثبت الفلسطينيون أنهم يقاومون المحتل الغاصب عسكرياً وأمنياً وإعلامياً وفكرياً وجغرافياً وديمغرافياً وثقافياً في كل الميادين والجبهات والمنتديات؟ أم أننا مقبلون بعد الحرب على معركة دبلوماسية شرسة لن تقل أهمية في نتائجها عن الحرب العسكرية الدائرة؟


السؤال الافتراضي الذي يجب أن نطرحه الآن: ماذا لو لم تحصل عملية طوفان الأقصى أصلاً؟ هل سيكون وضع القدس والأماكن المقدسة أفضل، أم أننا نسينا أحداث القدس في الشيخ جراح، وسلوان، وباب المغاربة، وداخل حرم المسجد نفسه وباحاته ومحاولات فرض الأحكام الإسرائيلية عليه؟ وماذا عن محاولات الاستيطان في كل من الضفة الغربية وحتى داخل النقب؟ وماذا عن ضم الجولان، والسعي من بعدها إلى ضم وادي الأردن ومنطقة البحر الميت؟