الوطن الذي أعاد للأمّة كرامتها


بعد حرب عام 1967 والتي يحلو للعدو أن يسميها بحرب الأيام السّتة ( تهكما ) أصيب الإنسان العربي بالإحباط والانكسار اثر هزيمة لم يكن مهيّئا لها ، فقد كان الأعلام المضلّل والسياسيون المغامرون يصوّرون الحرب على أنها نزهة ، ما أن تبدأ حتى يُلقى بالأعداء في البحر لتلتهمهم الأسماك الجائعة . إلا أن الحرب أسفرت وفي وقت قياسي عن تدمير الجيوش واحتلال الأرض وتحطيم المعنويات والنفوس .
وكانت الكرامة في معركة الكرامة ، وهي قرية أردنيّة لها من اسمها نصيب . ظن العدو أن العملية سهلة وستحقق أهدافها كسابقتها ، إلا أن بسالة الجند مع قلة الإمكانات ورصيد الأيمان والثقة بالنفس والتحام القيادة جعلت العدو يولّي الأدبار ويطلب وقف إطلاق النار لسحب آلياته وإخلاء خسائره وخيبته . وانتصرت الإرادة على الغطرسة ، انتصرت القلّة المؤمنة عددا وعدّة على الجيش الذي قيل أنّه لا يُقهر . فكانت هذه المعركة فاصلة بين مرحلتين وفيها ومنها بدأت مبشّرات هزيمتهم وانتصارنا .
ولقد حدثنا اللواء المتقاعد المرحوم يوسف كعوش ( مدير التوجيه المعنوي في القوات المسلحة حينئذ ) في محاضرة له في الجامعة الأردنية في مساق مادة العلوم العسكرية عن مقدمات المعركة والاستعداد لها وأهداف العدو منها ، كيف قاتل الجندي الأردني بتجهيزات قليلة ولكن بثقة وإيمان كبير . أما دور القيادة في التواجد في أرض المعركة وتوجيهاتهم بالصمود والقتال حتى نيل إحدى الحسنيين فكان حاسما . فكان النصر الذي شفي الله به صدور قوم مؤمنين وأعاد الثقة بالجندي العربي وسلاحه وشعر كل إنسان بروح جديدة تسري في جسد الأمة . رحم الله شهداء الكرامة ورحم الله قائدها وأطال الله في أعمار من أهدوا لنا الكرامة في يوم الكرامة. فأليك يا وطني يا من صنعت معجزة النصر بعد يئس وأعدت للأمة كرامتها الحب والولاء وللجيش الباسل وقيادته الفذة المجد والفخار وللشهداء الفردوس الأعلى في جنّة عرضها السموات والأرض ، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر .