أحكام الأضحية ومقاصدها الشرعية
الأضحية اسم لما يذبح من الأنعام يوم النحر وأيام التشريق بنية التقرب إلى الله، والقصد الأعظم من الأضحية هو إحياء سنة نبينا إبراهيم عليه السلام في امتثاله لأمر الله وعزمه على تنفيذ الرؤيا بذبح ولده، قال تعالى: فصل لربك وانحر [الكوثر: 2].
ولما أخرجه البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: "ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر" والأضحية تذبح عن المضحي ومن يلزمه الإنفاق عليهم مهما بلغ عددهم، والشاة تجزئ عن واحد، والبقرة والبدنة عن سبعة.
حكم الأضحية
ذهب الحنفية والليث بن سعد، والأوزاعي وربيعة الرأي، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، إلى أن الأضحية واجبة على المقيم الموسر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي كل عام، فحملوا فعله على الوجوب، وقالوا: إن الأمر للوجوب كما في سورة الكوثر، والراجح رأي الجمهور أن الأضحية سنة مؤكدة للقادر عليها لجملة من الأحاديث الظاهرة في عدم وجوبها كحديث أم سلمة رضي الله عنها: "إذا دخلت العشر الأول وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئا" أخرجه مسلم. فقوله صلى الله عليه وسلم وأراد تنفي الوجوب.
فضل الأضحية وثوابها
ورد في فضل الأضحية وثوابها أحاديث كثيرة أغلبها بين ضعيف وموضوع، ولعل أصح هذه الأحاديث ما أخرجه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفسا".
حكمتها
القصد الأعظم من الأضحية هو إحياء سنة أبينا إبراهيم عليه السلام في امتثاله لأمر الله وعزمه على تنفيذ الرؤيا بذبح ولده قال تعالى: وفديناه بذبح عظيم [الصافات: 107] والمسلمون حين يضحون يتمثلون معاني الفداء والتضحية لهذا الدين، والاستسلام والانقياد لأمر الله، عقلوا الحكمة منه أو لم يعقلوها، قال الحكيم الترمذي: "وأما علة الأضحية فإنه لما جنى العبد على نفسه وأذنب فكأنه أحل القتل بنفسه، فأمر بالفداء كما أمر الله تعالى خليله عليه الصلاة السلام بذبح ابنه ثم فداه بكبش ونجاه من القتل، وهذه ملة خليل الله إبراهيم منّ بها علينا، فلما أذنب العبد استوجب النار، وهو القتل الأعظم فأمر بفداء نفسه" إثبات العلل للحكيم الترمذي ص 208. ومن حكم الأضحية: الربط والاتصال بين الحاج الذي يذبح الهدي في الحرم، وغير الحاج الذي يذبح الأضحية في الحل، فيتشاركان في القصد والمعنى والثواب والأجر، ومن حكمها: شكر الله على نعمة المال، ومن حكمها: التوسعة على الفقراء والأقارب والجيران.
حدد الشرع سنا للأضحية حسب نوعها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)) رواه مسلم.
شروطها وهل تصح من غير الأنعام؟
للأضحية شروط لابد من توفرها حتى تقع صحيحة وفق مراد الله تعالى، وهي:
أولا: أن تكون من بهيمة الأنعام؛ لقوله تعالى: ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام [الحج: 34]، والأنعام هي: الإبل والبقر والغنم، والمعز نوع من الغنم، والجاموس نوع من البقر، ويشمل ذلك الذكر والأنثى، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم التضحية بغير الأنعام على كثرة ما ضحى، وإنما اختصت الأضحية بالأنعام لاشتراكها مع الزكاة في كونهما قربة.
أما ما نقل عن ابن حزم من جواز الأضحية بسائر الطيور كالديك والدجاجة فقول باطل لا يصح العمل به؛ لأنه استدل بقوله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة" رواه البخاري، إذ يلزم منه جواز الأضحية بالبيضة الواردة في الحديث بعد الدجاجة ولم يقل به أحد حتى ابن حزم نفسه، ولا يتصور أن تتحقق مقاصد الأضحية ومعانيها بالقول بإجزاء ذبح الطيور والدجاج!! وعلينا أن نعظم شعائر الله كما أمرنا، قال تعالى: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب [الحج: 32]
ثانيا: القدرة: بأن يكون صاحبها قادرا على ثمنها، بأن يكون مالكا لنصاب الزكاة فاضلا عن حوائجه الأصلية.
ثالثا: أن تكون خالية من العيوب القادحة في وفرة اللحم وجودته أو المنفرة من أكلها، كالعوراء والعرجاء والمريضة، وعلى المضحي أن يحرص على انتقاء أضحيته من أطيب وأجود الأنعام، وأن يقصد المزارع التي لا تسمن الأنعام بالأدوية والهرمونات التي تضر بالإنسان والحيوان، وأن يحب للفقير ما يحب لنفسه؛ فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، والله تعالى يقول: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون [آل عمران: 92]، يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم [البقرة: 267]
رابعا: أن يقع الذبح في الوقت المحدد شرعا، وأول وقتها بعد صلاة العيد يوم النحر العاشر من ذي الحجة، وينتهي وقتها بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، فوقت الذبح ممتد إلى 4 أيام: يوم النحر وهو أول أيام العيد، و3 أيام للتشريق بعده.
جوّز الحنفية ذبح ذبيحة واحدة عن الأضحية والعقيقة؛ لاشتراكهما في كونهما قربة لله تعالى، والراجح هو ما ذهب إليه المالكية والشافعية ومن وافقهم من عدم جواز الجمع بين الأضحية والعقيقة، حيث قالوا: لابد من ذبح مستقل عن كل منهما.
حكم الأضحية بالخراف والعجول المسمنة إذا كانت أقل من السن المحددة شرعا
حدد الشرع سنا للأضحية حسب نوعها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)) رواه مسلم، وقال أبو بردة بن نيار: عندي جذعة أحب إلى من شاتين، فهل تجزئ عني؟ قال: ((نعم، ولا تجزئ عن أحد بعدك)) متفق عليه. هذان النصان أصل في تحديد السن المجزئة في الأضحية، وهو على الراجح من أقوال الفقهاء: 5 سنوات للإبل، وسنتان للبقر ويلحق بهما الجاموس، وسنة للمعز، و6 أشهر للضأن.
وفي عصرنا تطورت طرائق تسمين الحيوان خاصة الخراف والعجول، فصار الحيوان يحمل من اللحم ما يحمله الذي بلغ السن وزيادة، وهو دون السن المحددة شرعا، وقد ناقشت هذه المسألة بالتفصيل في مقال سابق بعنوان: سن الأضحية بين التعبد والتقصيد، ورجحت جواز الأضحية بالأنعام المسمنة تحت السن الشرعية للأضحية وهو رجحه المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في قراره، وفيه أن: "الأصل مراعاة اشتراط السن في الظروف العادية، ما لم يتحقق النمو المطلوب قبل السن خصوصا الضأن الذي ينمو بسرعة في أوروبا، وكذلك عجول التسمين التي تنمو في عدة شهور، سواء أكان ذلك بنمو طبيعي أم باستخدام طرق التسمين، فإن الأضحية بها جائزة تحقيقا للمقصود الشرعي من اشتراط السن، وقد أفتى بهذا بعض مشاهير المالكية".
اجتماع الأضحية والعقيقة
جوّز الحنفية ذبح ذبيحة واحدة عن الأضحية والعقيقة؛ لاشتراكهما في كونهما قربة لله تعالى، والراجح هو ما ذهب إليه المالكية والشافعية ومن وافقهم من عدم جواز الجمع بين الأضحية والعقيقة، حيث قالوا: لابد من ذبح مستقل عن كل منهما؛ لاختلاف سببهما والقصد منهما، فالأضحية شرعت في عيد الأضحى إحياء لسنة أبينا إبراهيم، والعقيقة شرعت عن المولود شكرا للنعمة وإظهارا لشرف النسب، فلا يصح الجمع والتشريك بينهما.
من كانت له سعة ويقدر على الامتناع من الأخذ من شعره وظفره حتى يذبح أضحيته فليفعل ذلك، استحبابا وندبا لا إيجابا وحتما.
الأخذ من شعر وظفر المضحي في العاشر من ذي الحجة
مع بداية شهر ذي الحجة من كل عام، ينتشر في مواقع التواصل الاجتماعي تنبيه مفاده أنه بدخول ذي الحجة يحرم قص الشعر والأظافر لمن لديه نية الأضحية. ومن الأخطاء الشائعة في هذه المسألة، اعتقاد أن المخاطب بها المضحي وأهل بيته، رغم كون المخاطب بها المضحي فقط دون أهل بيته، فلا يشملهم النهي الوارد في حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له ذبح يذبحه فإذا أهلّ هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي" رواه مسلم.
والرأي الذي أرجحه وأفتي به وأراه مناسبا لعصرنا وزماننا، ومراعيا لظروف الناس وطبيعة أعمالهم خاصة في أوروبا، هو رأى الحنفية الذي يبيح قص الشعر والأظافر للمضحي دون كراهة، وذلك لأن السيدة عائشة رضي الله عنها أنكرت على أم سلمة هذا الحديث مبينة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا في حق من أحرموا بالحج، وذلك لكون أهل المدينة يهلون بالحج عند طلوع هلال ذي الحجة، قالت: ولقد فتلت قلائد هدى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمتنع من شيء كان مباحا أي لا من الطيب ولا من النساء، ولا غير ذلك من شعره وأظفاره.
والقول بحرمة القص للشعر والظفر على المضحى يخالف القياس والمعقول، لأن المحرم بالحج يمتنع فترة يسيرة من الوقت أقل من المضحي في غالب الأحوال، كما أن التشبه بالمحرم يقتضي امتناعه عن الطيب والنساء أيضا، وهو مالم يقل به أحد حتى أم سلمة نفسها.
ومن كانت له سعة ويقدر على الامتناع من الأخذ من شعره وظفره حتى يذبح أضحيته فليفعل ذلك، استحبابا وندبا لا إيجابا وحتما. وهو ما يفهم من رأى المالكية والشافعية الذين قالوا بالكراهة التنزيهية، ومعلوم أن الكراهة تزول لأدني حاجة.
"الجزيرة"