العدالة المغلولة
منذ الانعقاد الأول لجلسات محكمة العدل الدولية في لاهاي يوم الحادي عشر من كانون ثانٍ من العام الجاري للنظر في طلب تقدمت به دولة جنوب إفريقيا مشكورةً لوقف جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، تدفقت شلالاتٌ من دماء الأبرياء معظمهم من النساء والأطفال لو أنها صبت في البحر لاصطبغ باللون الأحمر، ودمرت مربعاتٌ سكنية وأخرجت مستشفيات عن الخدمة، وجرفت مقابر، وجوع مئات الآلاف من السكان، وارتكبت مجازر وأغلقت معابر ومنع الماء والكهرباء والوقود عن القطاع المحاصر بالنار والدخان والبارود في مشهد لم يشهد له التاريخ مثيلا.
(القرار السابقة من نوعه) على إيجابيته وفوريته إلا أنه يفتقد إلى الإرادة والقوة القادرة على تنفيذه، لكنه في الوقت ذاته سيحاصر الولايات المتحدة ويضاعف من إحراجها أمام المجتمع الدولي وأمام جمهورها الغاضب على سياساتها وهي التي لطالما دعت إسرائيل إلى وقف اجتياحها لرفح لما له من تداعيات خطيرة تنذر بوقوع أعداد كبيرة من الضحايا في المدينة المحاصرة والممددة تحت جنازير الدبابات وقصف الطائرات.
الأمر القضائي، معطوف عليه الحكم القضائي بإصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، فالاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، تلك المتوالية من المواقف والتعاطف الدولي مع الضحايا وقضيتهم العادلة، تجرد إسرائيل من أسلحتها الاستراتيجية، وتظهرها عاريةً إلا من أسلحتها الفتاكة القاتلة والتي حولت قطاع غزة إلى قطعة من الجحيم، وتظهرها كدولة مارقة متمردة على العدالة الدولية.
ما يسحب من رصيد إسرائيل يذهب إلى حساب فلسطين التي غيرت وجه العالم وفتحت الأبواب مشرعة لتحولات وانعطافات حادة في المواقف والسياسات الدولية والتحركات الشعبية تجاه القضية الفلسطينية، وكشفت للعالم، الحقيقة التي طالما حاول الإسرائيليون إخفاءها والتدليس على العالم بترويجها والمدفوعة بنوازع فائض القوة والغطرسة وأحلام التوسع .. فلسطين مثل فينيق يُبعث من جديد من تحت رماد المحرقة، إنها لحظة الحقيقة، ولحظة الحرية، ولحظة الانكشاف الفادح للجناة.